موريتانيا تدخل حرب مدد ولاية الرئيس

2 أبريل, 2016 - 10:24

موريتانيا تدخل حرب مدد ولاية الرئيس والحكومة تعتبرها دليلاً على أجواء الحرية

المعارضة تطالب الحكومة بالاعتذار وبإقالة أعضائها المصرحين بالتمديد

 تؤكد استقراءات التجاذب التي تطبع المشهد السياسي الموريتاني حالياً ولليوم الثالث أن موريتانيا قد دخلت بالفعل أجواء تحارب حامي الوطيس بين النظام الحاكم والمعارضة حول مراجعة الدستور وتمديد المأموريات، وهو التحارب الذي شهدته وتشهده حالياً دول إفريقية عديدة بسبب الخلافات الناجمة عن التناوب الدستوري على السلطة.
وقد فجرت هذا التحارب تصريحات أدلى بها مؤخراً وزراء العدل والمالية أمام البرلمان ألمحوا فيها لإمكانية مراجعة الدستور للتمديد للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي يتمتع حالياً بثاني وآخر ولاية دستورية له تنتهي عام 2019.
وزاد التحارب قوة، تصريح آخر للوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة أيد فيه تصريحات زملائه الوزراء بخصوص التمديد، ما أثار حفيظة المعارضة التي اعتبرت هذه التصريحات انتهاكاً للمواد الدستورية المتعلقة بالتناوب على السلطة والمحصنة بقسم دستوري للرئيس يلتزم فيه بعدم مراجعتها أو تأييد من يسعى لمراجعتها.
وفي رد على بيانات المعارضة وتصريحات قادتها المتعلق بإغلاقهم الباب أمام أي مساع للحوار مع النظام حتى يتوب من خطيئة تصريحات وزرائه، أكد محمد الأمين ولد الشيخ الوزير الناطق باسم الحكومة «أن البلد يتمتع بحرية كاملة لله الحمد، ولمنتدى المعارضة الحق في أن يقول ما يريد ولكل واحد الحق في قول ما شاء وأن يتخيل وتنبعث هواجسه وخيالاته بما يمكن أن يقول إلا أن هذا ليس ملزماً لأحد ولا يعني أحداً».
وواصلت أطياف المعارضة الموريتانية وجموع المدونين المعارضين إصدار البيانات وإدراج التدوينات المنددة بتصريحات الوزراء المتعلقة بتمديد ولاية الرئيس عبر تعديل للدستور.
وشدد منتدى المعارضة في بيان وزعه أمس وتلقت «القدس العربي» في نسخة منه «استنكاره لتصريحات هؤلاء الوزراء»، مؤكداً «أن سحبها والاعتذار عنها، مع الإقالة الفورية للمعنيين، تعتبر الحد الأدنى أمام خطورة وجسامة ما أقدموا عليه».
وطالب المنتدى « القوى الحية كافة باتخاذ مواقف واضحة وقوية تجاه هذا الانحراف الأخير والذي لا قائل به قانوناً وضرره على البلد ومصالحه بينٌ واضحٌ»، حسب تعبير البيان.
وأعلن «رفضه أي اتصال مع السلطة القائمة في شأن الحوار أو إمكانه»، رابطاً ذلك «بالتراجع الصريح عن هذا التوجه الذي أودى ببلدان كثيرة أمناً واستقراراً ووئاماً».
وأشار المنتدى إلى «أن بعض وزراء النظام أقدم على المطالبة الصريحة بخرق دستور البلاد فيما يتعلق بحد مدة الولاية المحصن في هذا الدستور والمحدد باثنتين لا تمكن زيادتهما، ولا يجوز نصاً وجزماً أي تعديل في شأنهما، وكان آخر هذه التصريحات حديث الناطق باسم الحكومة الذي بدد أي شك في رسمية الموضوع ووجود الإرادة المقصودة خلفه».
«إن دستور الجمهورية الاسلامية الموريتانية وهو أعلى تعبير عن إرادة الشعب، يضيف المنتدى، قد وضع حداً للولاية باثنين (المواد 28 ـ 29 ـ 99) ضمن المجالات التي لا يجوز تعديلها مطلقاً، وعليه فإن تحدي وزراء من الحكومة لهذا الدستور وعلى هذا النحو – وهم المأمورون من الرئيس الذي أقسم وحدد الدستور صيغة ومضمون قسمه المتضمن هذا الموضوع نصاً وتصريحاً (المادة 29)، يشكل إهانة للشعب الموريتاني وعبثاً بوثيقة الدولة الأساسية (الدستور) .. فضلاً عن أنه يفتح أبواباً فائقة الخطورة على هذا البلد.. استقراراً وأمناً وسلاماً ومستقبلاً».
وفي السياق نفسه المندد بتصريحات التمديد، أعلن حزب تكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داداه «أنه تابع مؤخراً التصريحات المقززة لبعض أعضاء الحكومة، فيما يتعلق بموضوع تعديل الدستور، والتي تعتبر إفصاحاً عن النية – السيئة – المبيتة من طرف محمد ولد عبد العزيز للبقاء في السلطة، تلك النية التي سبق أن نبه الحزب عليها مراراً».
«وفي وجه هذا الفصل الجديد من مسار الخداع ونقض العهود، يضيف حزب التكتل في بيان وزعه أمس، وخرق الدستور والقوانين والاستمرار في اغتصاب السلطة من طرف محمد ولد عبد العزيز، الذي يؤكد من جديد على أنه لن يغادر الحكم طواعية، لأنه لا يؤمن بمبدأ التناوب السلمي على السلطة، فإن تكتل القوى الديمقراطية يشجب ويدين هذه التصريحات المشينة، ويعتبر أن الدستور خط أحمر لا يجوز المساس به – بأي حال من الأحوال – لأغراض خاصة، لا تخدم المصالح العليا للوطن، ولن يقبل بأي محاولة ترمي إلى التلاعب بالدستور، الذي هو صمام أمان للجميع».
ودعا حزب التكتل «الشعب الموريتاني بكافة مكوناته وقواه الحية إلى هبة صارمة من أجل الدفاع عن مقدساته ومرجعياته الأساسية».
وتمر موريتانيا حالياً بحالة احتقان سياسي غير مسبوق حيث أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وأنصاره يواجهون موقفاً صعباً يتعلق باحتمال مساءلتهم إذا هم غادروا السلطة في انتخابات عام 2019، عن ملفات مالية وحقوقية وسياسية محرجة، وهو ما يدفع بهم حالياً للبحث عن مخارج دستورية وقانونية تمكن الرئيس الحالي من الترشح لولايات أخرى.
ومقابل هذا الموقف تجد المعارضة الموريتانية في حيثيات الدستور الناص على دورتين اثنتين ضمانة لتخلصها من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تعتبره منبثقاً في الأصل من انقلاب عسكري كما تعتبر تسييره للبلاد تسييراً كارثياً.
وتركز المعارضة اهتمامها بالحفاظ على الدستور بصيغته الحالية إلى أن تجري في ظله انتخابات 2019 التي تريدها المعارضة انتخابات حقيقية تقطع السبيل أمام مرشحي السلطة أو مرشحي الجيش بحيث تعود موريتانيا بعدها للسكة الديموقراطية الصحيحة التي حادت عنها بعد انقلاب 2008.
وينقسم معارضو الرئيس محمد ولد عبد العزيز لفسطاطين أحدهما يريد ضمانات لإجراء انتخابات 2019 في جو من الشفافية بدون ترشح الرئيس الحالي مع قيام خلفه بمحاكمته على جميع تصرفاته وسياساته، والثاني يريد أن يقايض الرئيس بضمان عدم مساءلته مقابل أن يغادر السلطة وأن يبتعد عن التأثير على انتخابات 2019.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه عام 2008 وأطاح فيه بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ودخلت موريتانيا إثر ذلك أزمة سياسية بين المجلس العسكري الأعلى والجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية استمرت إلى أن تمكنت وساطات دولية من التوصل لاتفاق وقع في داكار في حزيران/ يونيو 2009.
ونظمت انتخابات بموجب اتفاق داكار في تموز /يوليو 2009 أسفرت عن نجاح محمد ولد عبد العزيز لكن المعارضة شككت في نتائجها.
وأعيد انتخاب محمد ولد عبد العزيز رئيساً للبلاد عام 2014 في انتخابات رئاسية قاطعتها المعارضة وجرت في أجواء غير مسبوقة من الاحتقان السياسي بين النظام والمعارضة.
وخلال حفل تنصيبه في آب 2014، أدى ولد عبد العزيز يميناً دستورية أقسم فيها بالله العلي العظيم «أن لا يتخذ أو يدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة ولايةرئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور».

«القدس العربي»