فُتات التطبيع / عبد الناصر بن عيسى

19 يناير, 2024 - 18:36
 الكاتب الجزائري/عبد الناصر عيسي

يشعر الكيان الصهيوني، بأنه قد يخرج من الحرب التي لم يختر توقيتها، من دون أيِّ غنيمة، وهو الذي تعوّد على أن يكون البادئ بالحرب، والسبّاق إلى الشكوى، والمنتصر على الدوام، في حروب كان يخوضها بأقل تكاليف، وأقل فترة زمنية، ثم تنزل عليه الهدايا من الدول التي يحارب بدلا عنها بالوكالة.

لا شيء من أهداف الكيان الصهيوني التي أعلنها أمام العالم، عندما قاد حرب الأحقاد، تحقق، فلا جنوده الإرهابيون المحجوزون لدى رجال الكتائب المجاهِدة، تحرّروا، ولا شوكة المقاومة تكسّرت، ولا التعاطف الذي لقيه من حلفائه في بداية العدوان صَمَد، ولا انتكاسة السابع من أكتوبر، تبخّرت من الذاكرة، ولم يعُد يمرّ يوم  إلا ويفقد الإسرائيليون الكثير من الأساطير التي أحاطوا أنفسهم بها، من ربيع سنة 1948 التي جرّعونا به، نَخب النكبة، إلى صائفة 1967 التي ذوّقونا فيها من كأس النكسة، قبل أن يذوقوا من الكأسين، إلى حدّ الثمالة، في غزوة السابع من أكتوبر 2023 التاريخية.

إطالة الحرب، النهج الذي ارتضاه نتنياهو، لم يعد الهدف منه هو تحرير الأسرى أو القضاء على حركة حماس، فقد اقتنع أشد “المؤمنين” بالمشروع الصهيوني، بأن ذلك لن يكون، وإنما من أجل البحث عن انتصارات وهمية، يقدِّمها للشعب اليهودي وللعالم الذي اكتشف وصُدم بالصورة الإسرائيلية الحقيقية، ومن بين “الغنائم”، انتزاع مزيد من اتفاقيات التطبيع مع دول عربية أخرى، مقابل خدعة إقامة الدولة الفلسطينية، التي لا يعترف بها لا نتنياهو ولا معارضوه، ولا الذين سبقوه من زعماء الكيان الصهيوني.

البحث في الركام الذي تسبَّبوا فيه في غزة، أو في طوفان الأقصى الذي جرفهم، عن انتصار واحد، ولو ديبلوماسي، من خلال الحصول على شهادة تطبيع إضافية، يملأون بها جدران قصورهم في تل أبيب، هو أمرٌ ما عاد يهمّ المقاومة التي لم تلتفت إلى وقوف الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا والآخرين إلى جانب الصهاينة، فما بالك بهذه الشطحات التطبيعية التي صار الحديثُ عنها يُبطل وضوء أبناء المقاومة الطاهرة.

لم تخفِ قطّ الكثيرُ من البلدان المطبِّعة مع الصهاينة عداءها للمقاومة، فقد كانت الإمارات العربية سباقة في البصم على “إرهابية” حماس، وكان٦ت المملكة المغربية أول صدى لـ”إرهابية” حزب الله، وما موقفهما المخزي حاليا سوى دليل على ذلك، لكن عزاءنا في الأداء الراقي والحضاري الذي تقدّمه المقاومة وحركة حماس على وجه الخصوص، بشكل متزن، يجمع كل أسباب النصر، ويحصننا من أي تخوُّف من المستقبل بما في ذلك جمع فتات غنيمة التطبيع.

وإذا الشدائدُ أقبلت بجنودها        والدهرُ من بعد المسرّة أوجعك

لا ترج شيئا من أخ أو صاحب   أرأيت ظلك في الظلام مشى معك؟

وارفع يديك إلى السماء ففوقها    ربٌّ إذا ناديته ما ضيّعك.

إضافة تعليق جديد