عمدة شنقيط نطمح لجعل شنقيط عاصمة ثقافية وأن نعيد لها مجدها وألقها الحضاريين

27 يوليو, 2023 - 21:29

أجري عمدة بلدية شنقيط منه ولد حبت مقابلة شاملة مع الوكالة الموريتانية للأنباء عن شقيط التاريخ والحاضر وآفاق المستقبل
اليكم نص المقابلة:
في بهو مقرّ بلدية شنقيط بحي الصنكه في الشطر الشمالي من المدينة، وتحت ظلال باسقة نخل ظليلة، استقبلنا عمدة المدينة الذي نُصِّب قبل أسابيع السيد منَّه ولد حبت، بترحاب.

كان يرتب أموره ويتحسس كمًا من التحديات والمصاعب والتراكمات التي تواجهه في بداية مشواره، ويستعدُّ بصبر وعزيمة لانطلاقة يريد لها أن تكون بدعم ومساندة من جميع أهل شنقيط، وأن تحقق طموحاته العريضة لمدينته والتي بسطها لنا.

وخلال وجودنا معه في بهو بلديته كان يستقبل المواطنين أفرادا وجماعات ويتحدث معهم بأريحية.

وبعد ذلك دخلنا معه إلى مكتبه وكان لنا معه الحوار التالي الذي خص به الوكالة الموريتانية للأنباء (ومأ)، وتحدث فيه عن شنقيط في الماضي والحاضر، عن ظروف تسلمه للبلدية، وعن طموحاته لمدينته، مستفيضا في الحديث عن الكيطنة ومردودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعن السياحة.

سؤال: كيف تقدمون مدينة شنقيط؟

جواب: مدينة شنقيط حاضرة عريقة من حواضر الإسلام، يصل تاريخها إلى حوالي 12 قرناً، سمّيت في إحدى فترات التاريخ الإسلامي بالمدينة السابعة في الإسلام، للدلالة على شهرتها والإشعاع العلمي والثقافي الذي كانت تكتسيه.

وشهدت المدينة أوج ازدهارها عندما كانت من أشهر المدن على طريق القوافل في الصحراء الكبرى.

وتعتبر اليوم واحدة من المدن الوطنية الأربع التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها تمثل تراثا إنسانيا للبشرية جمعاء.

وتتوفر شنقيط على مكتبات زاخرة بالمخطوطات وعلى معالم عمرانية تراثية.

سؤال: تم تنصيبكم قبل فترة قليلة عمدة لشنقيط، بعد حصولكم على ثقة ناخبيها، فماهي أبرز التحديات التي واجهتكم في مهمتكم؟

جواب: كما ذكرتم، تم تنصيبنا قبل فترة وجيزة جدا، ولقد واجهتنا تحديات جمة منذ الوهلة الأولى لتسلمنا مهامنا عمدة لشنقيط، حيث وجدنا بلدية بلا تجهيزات حتى أن ما تم تسليمه لنا من المقاعد لا يتعدى أربعة مقاعد، وهو ما جعلنا نعقد أول اجتماع للمجلس البلدي دون أن نجلس، كما أننا تسلمنا البلدية والمدينة مليئة بالقمامة والسيارة الوحيدة ذات العجلات الثلاث (واو) التي قدمتها وزارة الداخلية للبلدية متعطلة، وقد قمنا بإصلاحها فورا، وباشرت العمل من أجل الحدِّ من انتشار القمامة، في انتظار أن نرتب الأمور، ونتغلب على تركة كبيرة من التراكمات التي ورثناها.

لقد قررنا تجاوز الماضي وأن نبدأ بهذه البلدية من الصفر، بمعية ودعم ومؤازرة كل سكان شنقيط.

سؤال: ما هو طموحكم لمدينة شنقيط؟

جواب: إن طموحنا لمدينة شنقيط يتمثل في جعلها عاصمة ثقافية، وإعادة مجدها وألقها الحضاريين، بوصفها مدينة انطلق منها نور الإسلام ليعم أرجاء البلد وما حوله، ونريد في سبيل ذلك أن ندعم المحاظر بوصفها ينابيع تتدفق منها المعارف التي قامت عليها أصلا المدينة وبها شاع وذاع أمرها، ولقد كنت قبل أن أكون عمدة للمدينة أرعى المسابقات القرآنية وفي السيرة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وهو ما ستستمر فيه البلدية وبشكل أكبر وأشمل وأعمق.

إن مدينة شنقيط الحقيقية هي تلك التي تنشر المعارف الإسلامية والثقافة العربية وتهتم بها وتحتفي، وهذا ما نطمح له، من أجل إعادة ذلك الألق الحضاري الذي أكسبنا وأكسب بلادنا مكانتها في جميع أنحاء العالم.

كما أطمح إلى تطوير الزراعة في مدينتنا، بهدف الحصول على اكتفاء ذاتي في مجال الغذاء، بل وتجاوز ذلك إلى التصدير للمدن المجاورة. الناس هنا يهتمون بزراعة النخيل فقط والنخيل له موسم حصاد سنوي واحد، وبقية فصول السنة يقضيها الناس بلا عمل وبلا حصاد، وعليه فمن الضروري جدا التوجه لزراعة الخضروات والفواكه والحبوب طيلة فصول السنة، خصوصا أن المياه أصبحت متوفرة والحمد لله فقد كان العام الماضي عاما مطيرا بفضل الله ونتمنى أن يكون العام الحالي كذلك.

إن الزراعة ستوفر دخلا معتبرا للجميع وستجعل الناس يجدون عملا ينخرطون فيه طيلة العام خدمة لأنفسهم ومدينتهم ووطنهم.

ومن طموحاتنا لمدينتنا تشييد بنية تحتية عمرانية وغرس الأشجار في شوارع المدينة، لجعلها مدينة خضراء وغرسها في أطرافها بهدف وقف غزو الرمال، كما نطمح لترميم كل المعالم بطريقة تحترم عمران المدينة التقليدي وتحافظ على ذلك المظهر العمراني الحجري الذي عرفت به منذ قرون، مع أننا هنا في شنقيط لدينا مدينتان: واحدة عتيقة تحيط بالجامع التاريخي وتصر المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم على أن لا يبنى فيها إلا ما يحترم نمطها العمراني التقليدي ويحافظ عليه، أما المدينة الثانية التي توجد فيها المكاتب الإدارية، فيسمح فيها بالأبنية الحديثة، إلا أننا نريد أن تكون معالم مدينة شنقيط جميعها وطابعها العام يحمل تلك الرمزية العمرانية التقليدية.

نتمنى من الله أن يوفقنا لتحقيق كل طموحاتنا لمدينتنا، كما نهيب بكل مواطني شنقيط لدعمنا ومساندتنا ومؤازرتنا في مساعينا وأن تكون لديهم إرادة التغيير نحو الأحسن.

لا أريد أن تنتهي مأموريتي الأولى دون أن تتغير الأمور للأحسن بشكل ملموس جدا، وأتمنى أن تزورونا بعد أن تكون المدينة أصبحت في وضع أفضل.

سؤال: ماهي أبرز المشاريع التابعة للدولة التي تتدخل على مستوى شنقيط؟

جواب: تتدخل الدولة الوطنية هنا في شنقيط، من خلال عدد من مشاريعها، فهناك – مثلا – مشروع الواحات وهو مشروع فعال يدعم أهل شنقيط بشكل ملموس، حيث يقدم الدعم والإرشاد لأهل النخيل ويزودهم بالطاقات الشمسية التي يستخرجون بواسطتها المياه من آبارهم بهدف سقي النخيل، وكذلك هناك مشروع تابع للبيئة يعمل بشكل فعال لحماية المدينة من زحف الرمال، وقد أنجز عمله في واحة انْتْكَمْكَمْتْ، وطريقة عمله أن يقدم تمويلاته للمواطنين الذين يغرسون الأشجار المكافحة لزحف الرمل، أي أنه يمكن أن يطلق عليه التمويل مقابل العمل، أو التشجير مقابل التمويل، وقد بدأ الآن تنفيذ نفس التجربة في أحد جوانب المدينة الأخرى.

هذا فضلا عن تدخلات جهات الدولة التي تتدخل تقليديا في كل أنحاء البلد، مثل تآزر ومفوضية الأمن الغذائي وشركة الأسماك، حيث إن تآزر تقدم الدعم لعدد من الأسر المحتاجة، وقد وردتني الكثير من الشكاوى من طريقة اختيار المستفيدين في الماضي من ذلك الدعم وعندما اتصلت بتآزر أكدوا لي أنهم بصدد برنامج جديد وستتم المعاينة الميدانية للمستفيدين، أما مفوضية الأمن الغذائي فتشرف على حانوتين اثنين فقط من حوانيت أمل في كل المدينة، وهو رقم نريده أن يتضاعف حتى يغطي المدينة.

أما شركة الأسماك فتقوم بعمل جيد من خلال توفير هذه المادة الحيوية بأسعار رمزية في المدينة، في أربع نقاط بيع تغطي المدينة، خصوصا أن اللحوم الحمراء هنا غالية جدا، إذ يتراوح سعر الكيلو اغرام الواحد منها بين 2500 إلى 3000 أوقية قديمة.

ولا شك أن هذا التدخل يعود بالنفع حتى غذائيا على سكان المدينة، ولا بأس لو تمت زيادة الكمية خصوصا في بعض الفصول مثل الفصل الحالي الذي يعود فيه الأهالي إلى المدينة.

سؤال: تعيش شنقيط الآن أوج موسم الكيطنة وعودة الأهالي في العطلة الصيفية، فماذا عن أهمية هذا الموسم ودوره اقتصاديا واجتماعيا؟

جواب: موسم الكيطنة موسم مهم للمدينة، حيث يعود الأهالي إليها، ويأتي الزائرون الآخرون من مختلف أنحاء البلد، ويمكن اعتباره موسم سياحة داخلي، وفيه يلتقي الأهالي من أبناء المدينة القاطنين في بقية أنحاء البلد وفي خارجه، ويكون ذلك فرصة للتزاور وصلة الرحم وتعارف الأجيال، ويستمتع الجميع بجو صحراوي صحي بعيدا عن ضوضاء المدن وصخبها، وبوجبات غذائية تقليدية صحية وشهية.

وتقام على هامش هذا الموسم الكثير من الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية، ويساهم الموسم عموما بمكاسب تجارية لأهل المدينة، غير أن عدم إنجاز الطريق الذي يربط أطار بشنقيط وصعوبة الطريق حاليا بشقيه: المطلع، وظهر الجبل، جعلت الكثير يحجمون عن السفر لشنقيط لصعوبة الطريق ومخاطرها على كبار السن وأصحاب الأمراض، فضلا عن الضرر الكبير الذي تلحقه بالسيارات.

سؤال: تمتاز شنقيط برواج السياحة فيها، فكيف ترون واقع ذلك القطاع:

جواب: السياحة من الأمور المهمة لشنقيط، حيث تعود بالنفع على الكثير من أهل المدينة، مثل الصناع التقليديين الذين يبيعون لوحاتهم ومقتنياتهم التقليدية بأسعار مغرية، واسمح لي بالقول أن أهل هذه الصناعة يحتاجون لتنظيم، وقد تم تشييد سوق في المدينة خاص بهم من طرف وزارة السياحة، وسيتم تسليمه لهم قبل الموسم السياحي في الشتاء القادم، وسيمكِّن هذا السوق الذي سيتم توجيه السياح لزيارته والتسوق فيه، من تفادي مزاحمة البائعين للسياح ومطاردتهم في الحي القديم وفي المكتبات والمعالم الأثرية وما يمثله ذلك من صورة غير حضارية وغير مقبولة بالنسبة لسمعة ومكانة وتاريخ شنقيط، وقد قررت إيقاف تلك المظاهر غير اللائقة، وجعل صناعنا التقليديين وباعة أشيائنا التذكارية في وضعية محترمة تحفظ لهم كرامتهم وتضمن مصالحهم واستفادتهم، من خلال تنظيمهم في السوق وجعل السياح يأتون إليهم في مكانهم.

كما تعود السياحة بالنفع على أهل المكتبات والمتاحف والفنادق والشقق السياحية في المدينة، وعلى وكالات تأجير السيارات والأدلاء السياحين وأصحاب المطاعم وأسواق المواشي، فالدائرة المستفيدة من السياحة دائرة كبيرة ومتسعة وطنيا.

وهنا يجدر التنبيه إلى ما تنعم به بلادنا من أمن واستقرار الآن والحمد لله، مما جعلها وجهة سياحية مفضلة، يشعر فيها الجميع بالأمن والأمان ويستمتع بصحراء جميلة مليئة بالمناظر الخلابة، وهذا جهد نحمد الله عليه ثم نشكر سلطاتنا العليا على ما بذلته وتبذله من جهود جبارة في هذا المنحى.

سؤال: هل من كلمة أخيرة تودون قولها؟

جواب: إن كان لي من كلمة أخيرة، فهي إسداء الشكر المستحق للوكالة الموريتانية للأنباء، على هذه الزيارة، وفتحها المجال أمامنا للحديث، ثم التماس الدعاء من الجميع بأن يعيننا الله على هذه المسؤولية التي هي تكليف ثقيل، وأن نوفق في خدمة هذه المدينة الوطنية الجليلة والتجاوز بها إلى وضع أحسن تواصل فيه عطاءها الحضاري وينعم فيه ساكنتها بحياة طيبة ويستفيد الوطن من كل ذلك. من

إضافة تعليق جديد