على مدى عدة سنوات عجاف، دفع المواطن الموريتاني، ثمنا باهظا لما تسميه الحكومات المتعاقبة “برنامج الإصلاح الاقتصادي،والاجتماعي”، فسعر الأوقية انهار ومعه انهارت قيمة دخله، وما قد يكون لديه من مدخرات ،وضعفت القيمة الشرائية، وإزاء ذلك ظلت الحكومات تقلص دعمها للسلع والخدمات التي يحتاجها المواطن ، وصولا إلى التحرير الكامل للأسعار،وأكثر من ذلك فرضت من الرسوم والضرائب المستحدثة ما ينوء بحمله أصحاب الدخول العالية، فما بالك بمن يعيشون ومن يقبعون تحت «خط الفقر».
-وظلت هذه الحكومات ( حكومات التجار) تصر على تحرير أسعار ما تبيعه من سلع وما تقدمه من خدمات بالسعر العالمي، لكنها ترفض رفضا قاطعا «تحرير سعر المواطن» حتى تستقيم المعادلة.
- فالحكومة المصرة على بيع خدماتها وسلعها بالأسعار العالمية لا تشترى مجهود المواطن العامل لديها بنفس الأسعار العالمية، ولا تدفع لمن تقاعد ما يستحقه من معاش,رغم ان بعض الدول يزيد فيها راتب الموظف المتقاعد علي راتبه كموظف عمومي.
إذا كان من حق الحكومة كما تدعى، الحصول على السعر العالمي( العملة الصعبة) لما تقدمه من سلع وخدمات للمواطن، حتى لو لم تكن لهذه الخدمات تكلفة عالية مثل الرسوم المدفوعة مقابل استخراج الوثائق الرسمية التى تضاعفت أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، فعليها أن تدفع للموظف الحكومي أجره بالأسعار العالمية.
فالحد الأدنى للأجور فى هولندا مثلا بلغ فى السنوات الماضية دولارا شهريا، وفى ألمانيا 1677 دولارا وفى بريطانيا 1638 دولارا، وفى بولندا ورومانيا وهما من أقل دول الاتحاد الأوروبى دخلا يصل الحد الأدنى للأجور 543 دولارا، و455 دولارا شهريا على الترتيب، فى حين أن الحد الأدنى للأجور في موريتانيا لا يتجاوز 70 دولارا شهريا. فلماذا لا تحرر الحكومة سعر المواطن الموريتاني وتدفع له أجره بالمعدلات العالمية ،ما دامت مصرة على تجريده من كل المزايا الاجتماعية, التى ظلت الدولة توفرها له على مدى عشرات السنين، وفق معادلة بسيطة فحواها أن «الحكومة تقدم خدماتها مدعومة للمواطن، والمواطن يقدم مجهوده وعمله مدعوما للحكومة).
فهل المدرس يحصل على السعر العالمي لمجهوده؟ وهل الطبيب يحصل على ما يحصل عليه نظيره فى السوق العالمية؟ وهل الصحفي والإعلامي، وعامل النظافة يحصلون على السعر العالمي لعملهم؟
المطلوب من المواطن أن يتحمل تكاليف تعليم أبنائه سواء بشكل مباشر عبر المدارس الخصوصية أو غير مباشر عبر الدروس الخصوصية، ويتحمل تكاليف علاجه سواء بشكل مباشر عبر المستشفيات الخاصة أو غير مباشر عبر شراء ما يستلزمه العلاج إذا ما لجأ إلى مستشفى حكومى، وأن يدفع تكلفة الذهاب إلى مقر عمله بالأسعار العالمية، فهل يحصل بعد ذلك على راتبه بالسعر المحلى المدعوم من جانبه لأن الحكومة لا تستطيع أن تدفع أجره بالمعدلات العالمية؟
الإجابة بالقطع وبدون أى مساحة للجدل ، لأن المعادلة فى هذه الحالة ظالمة للغاية على المواطن لصالح الحكومة.
قد لا تكون كفاءة أو إنتاجية العامل أو الموظف الموريتاني، مثل نظيره السنغالي والفرنسي أو الهولندي والصيني أو حتى البولندي والروماني،والأمريكي, ولكن انخفاض كفاءة هذا العامل أو الموظف من وجهة نظرى تعود إلى أسباب عديدة، ليس أهمها رغبته فى العمل بجد، لأن هذا العامل هو نفسه الذى يحقق أعلى إنتاجية عندما ينتقل إلى العمل فى واحدة من تلك الدول.
محاولات الحكومة للتحلل من مسئولياتها تجاه المواطن، بدعوى قواعد اقتصاد السوق الحرة، والمنافسة العالمية، دون الالتزام بما ترتبه هذه الاقتصاديات والمنافسة أيضا من حقوق للمواطن العامل أو الموظف، يعنى ببساطة وجود خلل فيما تسميه الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادى الهيكلي، والذي قد ينتهي بحكومة غنية وشعب فقير، وهو سيناريو ضار وتدميري للدولة على المدى الطويل باعتبار الموارد البشرية هي حجر الزواية في الاقتصاد القومي لأي بلد من بلدان الأرض