•يقول أحد المفكرين السياسيين: "أعتقد أن الدرس الأكبر للطبقة السياسية هو التوقف عن الاستماع كثيرًا لبعضهم البعض ، والبدء في الاستماع إلى الناس".
" إن الطبقة السياسية في موريتانيا، بشقيها "المدني والعسكري" «لم تتغير منذ نهاية السبعينات، حيث أدارت شؤون البلاد وسنت قوانين لتلبية رغباتنا الذاتية، مصالحها أحياناً، في الوقت الذي لا تمثل فيه هذه الطبقة نحو عشرة بالمائة من الشعب.
وأعتقد أن السياسي الموريتاني لو كان صادقا مع ذاته لقال عن الطبقة السياسية التي ينتمي لها، كلاما أقسى مما يقال، خاصة وانه يعرف الكثير من تفاصيلها واجوائها، وكيفية إدارتها للمراحل التي مرت بها البلاد، وكيف وصلت الى ما وصلت اليه.
اما لماذا لم تتغير الطبقة السياسية منذ عقود،؟؟ فذلك يعود الى الظروف الاجتماعية والسياسية في البلاد، والتي ابقت على معادلة انتاج هذه الطبقة كما هي، رغم تعرض بلادنا والمنطقة لتطورات وهزات متلاحقة سواء في مستوى الوعي والتعليم والرؤى السياسية الداخلية، والمكونات الاجتماعية التي شهدت الكثير من المتغيرات. وتغيرات حدثت على الطبقة السياسية خلال العقود الماضية، فإن هذه التغيرات قد جرت من داخل الطبقة نفسها وبإرادة "الدولة العميقة"بمعني "المخزن: او عن طريق التوالد الطبيعي او الاستنساخ، وإما عن طريق الشروط التي كانت تحددها الطبقة نفسها للداخلين إليها والخارجين منها، دون ان تؤثر فيها عوامل خارجية تضطرها لتعديل أسس هذا التغيير الذاتي.
و اليوم فإن الطبقة السياسية التي سيطرت علي المشهد خلال العقود الماضية، تجد نفسها أمام امتحان عسير، يتركز حول قدرتها على التكيف مع الأوضاع الجديدة، وخاصة بعد التحولات الاجتماعية والسياسية الجذرية التي يشهدها العالم العربي والافريقي، وموريتانيا جزء منه، وتداعيات هذه التحولات على المشهد العام مشهودة.
الناقدون لهذه الطبقة يتفقون مع ما عرضناه من خلال هذه القراءة للمشهد السياسي من أنها انحازت لمصالحها المتشعبة في مفاصل الدولة تشريعا وممارسة، كما انها لم تنجح في إحداث تحولات إيجابية رئيسية في بنية الدولة سواء على الصعيد السياسي والإداري والمالي، أو في محافظتها على القيم الاساسية "للطهارة السياسية"، وما يتعلق ايضا بايجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية ذات الطابع المزمن، والتي رافقت البلاد منذ تأسيس الكيان السياسي والذي أراده المؤسسون على طريق سليم في تأسيس الدولة الوطنية.
غير أن المسار قد انحرف إلى "بنيات الطريق" من اول يوم للانقلاب على الحجر الأساس للدولة الوطنية.
مما ولد عدم وضوح الرؤية في السياسات المتبعة من أجل التنمية والسلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي...
ولا شك أن الظروف الجديدة تطرح أسئلة جذرية حول الطبقة السياسية الموريتانية وخاصة حول ميكانيكية تشكيلها وصلاحيتها للعمل والاستمرار في هذه الظروف، وهل من الواجب إدخال تعديلات على النظم التي أبقت عليها طوال العقود الماضية، خاصة وان معظم رموزها اصبحوا هدفا لاتهامات متنوعة سواء صحت هذه التهم ام انها تحتاج الى أدلة مادية مقنعة لإثباتها على الصعيدين المالي والسياسي بشكل محوري.
من الطبيعي ان تحاول معظم تشكيلات هذه الطبقة، التكيف مع الظروف المستجدة بوسائل وآليات تنسجم مع هذه الظروف، وخاصة ما يتعلق بالاصلاح السياسي او المطالبة بمكافحة الفساد باعتبارهما المطلبين الرئيسيين لدى الراي العام، في حين ان جزء منها سيحاول الانسحاب من الحياة السياسية لقناعته بعدم جدوى المحاولة.
وفي كل الأحوال فإن الضرورة الوطنية تقتضي تجديد الطبقة السياسية القائمة، وإيجاد معادلات وآليات لإنتاج تدريجي لطبقة سياسية جديدة تنسجم مع معطيات التحولات الاجتماعية والسياسية التي يمكن رؤيتها بوضوح في المجتمع والحياة السياسية، إذ لم يعد ممكنا الدخول في مرحلة جديدة بطبقة سياسية قديمة عليها أكثر مما هو قائم نحتاج إلى مراجعة جدية للواقع السياسي والاجتماعي بما ينسجم مع التغيرات التي تشهدها المنطقة وأولى هذه المراجعات تجديد الطبقة السياسية "النخبة" التي تتجدد وتتوالد دون تغيير ملموس في الأداء والخدمة
إن عملية التحول تقتضي أن يتم التواصل مع "الحرس القديم" و"الحرس الجديد" على قاعدة الاستفادة ودمج ( المعرفة والخبرة وعرق السنين....) مع روح التجديد والمثابرة والكفاءة والطاقة البشرية المتجددة وفق مقاربات تستند الي روح المشاركة والبناء على التجارب و الخبرات بعيدا عن الاستقطاب والتفرد لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي وتكافؤ الفرص بعيدا عن المحاصصة والمخاصصة وإتاحة الفرص للكفاءات لتساهم في خدمة الوطن بصورة شفافة بعيدا عن الزبونية السياسية والجهوية والمناطقية الفئوية والطائفية
والأنظار تتجه نحو تحول جديد ومتجدد لتغيرات في المشهد مما يجعل الشعور الجمعي يتطلع إلى آفاق أرحب فيها الأمل بالتغيير والإنصاف والإصلاح والخروج من حالة الفراغ القاتلة التي تدور حول نفسها دون نتائج على كل المستويات التي دفع الوطن ثمنها غاليا.
والايام ستكشف وتجيب على كل التساؤلات التي نريد في تجديد "النخبة" من أجل غد مشرق ومستقبل مأمون "وان غدا لناظره قريب"
الإعلامي: أحمد عبد الرحيم الدوه