حضارة السلعة والفرجة..

3 سبتمبر, 2022 - 10:27

تحول شاب تركي إلى نجم وثري بسبب بطنه المنتفخة التي يرقصها - بتشديد القاف - وأصبح أيقونة إشهارية لدى الشركات؛ فالشاب صار رأسماله بطنه. وقد بدأ يظهر بعض الشباب يرقصون بطونهم أيضا؛ وتحول البعض إلى النظر في بطونهم؛ ولم تعد السمنة عيبا بل صارت ميزة.
ولو نظرنا إلى الأمر بالعقل لا بالبطن لوجدناه عاديا تماما. فحضارة اليوم منذ ظهور الرأسمالية هي حضارة السلعة والفرجة؛ والسلعة لا يمكن ترويجها دون فرجة. وهذا يعني أن الحضارة الحديثة التي تنادي بالعقلانية تخاطب في الإنسان الغريزية؛ فالعقل هنا هو آلة ذكية لتوظيف الغريزة؛ فقد تطور العقل وتوصل إلى أن الغريزة هي المحرك للإنسان؛ وهذا تناقض رئيسي في العقلانية الحديثة؛ ومعنى ذلك أن التركيز الأكبر لهذه الحضارة هو على الجانب الحيواني في الإنسان؛ لا الجانب الإنساني في هذا الحيوان الناطق. 
وقد عرف الفلاسفة الحضارة الحديثة على أنها حضارة التسليع أو التشييء choséification؛ بحيث صار الإنسان مجرد شيئ للاستعمال فقط؛ وهذا الاستعمال لا يتم من دون تحويل اهتمامه إلى جوانب اللذة والمتعة والفرجة على حساب كينونته. وفي هذه الحضارة أصبح اللعب الوسيلة الأكبر والأسرع للربح؛ فلاعبو الكرة هم الأكثر ثراء؛ يليهم المغنون؛ ثم الراقصون؛ ثم العازفون؛ ثم كل من له مهارة في اللعب يمكن أن يقدمها؛ وهذا كله يرتبط بجزء واحد من الإنسان هو الجسد؛ أما النفس فتصبح وسيلة لتحريكه فقط؛ بعد التلاعب بها وتضخيم جانب الغريزة فيها. 
وقد وصف القرآن الدنيا كلها بكلمتين هما لعب ولهو؛ والقرآن لا ينطق إلا بالحقيقة. وقد تبدو الكلمتان مترادفتين؛ وليس هذا صحيحا؛ لأن اللعب حركة الجسد؛ واللهو ميل النفس؛ ولكن القرآن قدم اللعب على اللهو لأن حاجات الجسد هي التي تتحكم في النفس؛ وهو الوضع غير الطبيعي؛ بدل تحكم حاجات النفس في الجسد. وهذا اختصار للرأسمالية الحديثة؛ وقد وصف الكثير من علماء الاجتماع في الغرب الحضارة الحديثة بأنها حضارة اللهو civilisation des loisirs. 
غير أنه إذا كان القرآن قد أشار إلى أن اللعب واللهو وضع غير طبيعي؛ فإن الرأسمالية جعلته هو الوضع الطبيعي العادي؛ فهي حضارة دنيوية؛ تطابق الوصف القرآني للدنيا. وقد بدأ هذا منذ الداروينية التي جعلت أصل الإنسان قردا؛ ومنذ ذلك الوقت والإنسان الحديث قرد يلعب.

الدكتور إدريس الكنبوري

إضافة تعليق جديد