سنتناول بإذن اللـه في هذه الحلقة تعريف البنك التقليدي والبنك الإسلامي مع مقارنة سريعة بين النظامين ثم نعرج على أسئلة ربما تشكل مدخلا ضروريا لتقييم أداء التمويل الإسلامي وذلك قبل البدء في استعراض بعض الجوانب من إنجازات المصرفية الإسلامية أو التمويل الإسلامي عموما.
تعريف البنك
هو منشأة مالية تتاجر بالنقود ولها غرض رئيسي هو العمل كوسيط بين رؤوس الأموال التي تسعى للبحث عن مجالات الاستثمار وبين مجالات الاستثمار التي تسعى للبحث عن رؤوس الأموال (1)
ويمكن أن نستخلص من هذا التعريف أحد أهم الفروق الأساسية بين المصرف التقليدي والمصرف الإسلامي ألا وهو المتاجرة بالنقود، ففي أدبيات التمويل الإسلامي فإن النقود مجرد وسيلة للتبادل وليست بضاعة يتاجر فيها.
وعرف قاموس لاروس البنك بأنه منشأة مالية تستقبل الأموال العامة وتوظفها من خلال عمليات الإقراض والعمليات المالية وهي توفر وتدير أدوات الدفع. (2)
ونشاط البنوك يقوم على منهج الوساطة المالية القائمة على أخذ أموال المودعين وإقراضها للمستثمرين لتوظيفها مقابل فائدة تعطى منها حصة للمودعين بينما يأخذ البنك الجزء المتبقي من تلك النسبة ويقابل الوساطة المالية في النظام التقليدي ما يعبر عنه بعض المختصين بالوساطة الاستثمارية القائمة أساسا على نظام المشاركة في الربح والخسارة على الأقل من الناحية النظرية.
تعريف البنك الإسلامي:
اعتمد وزراء خارجية الدول الإسلامية التعريف التالي للبنك الإسلامي خلال اجتماعهم الذي عقد في دكار سنة 1978م:
"هو مؤسسة مالية إسلامية ينص نظامها وقواعد وإجراءات عملها صراحة إلى التزامها بمبادئ الشريعة الإسلامية وتحريم الربا أخذا أو إعطاء في كل عملياتها".
وحسب موقع مصرف أبوظبي الإسلامي فالبنك الإسلامي هو بنك يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في جميع معاملات التمويل والخدمات المصرفية والاستثمار ويخضع كمؤسسة مالية، لإشراف ورقابة البنك المركزي. (3)
والتعريف الذي أقترحه أن البنك الإسلامي مؤسسة مالية تمارس الأنشطة التمويلية والاستثمارية وتقدم الخدمات المصرفية بأدوات وآليات لا تتعارض مع أحكام الشريعة.
ماهية البنك الإسلامي
ثار جدل كبير حول مدى نجاح تجربة المصرف الإسلامي وانتقد المختصون التجربة من حيث منطلقها وتساءلوا إن كان نموذج البنك هو الأنسب؟
وقد تباينت المنطلقات حول ماهية البنك الإسلامي ، ويكاد يكون هناك إجماع بين الرواد المنظرين لهذه التجربة أن الشراكة والمضاربة تمثل حجر الزاوية في التمويل المصرفي باعتبارهما تقومان على المشاركة في الربح والخسارة. ولعل محمد باقر الصدر هو الوحيد الذي خرج عن هذا الاجماع، حيث يرى أن نموذج البنك الإسلامي قائم على الوساطة المالية، ويعد المصرف الإسلامي في نظره منافسا للبنك التقليدي في هذه الوساطة المالية. (4)
وما ذهب إليه محمد باقر الصدر هو الأقرب لتوصيف حال المصارف الإسلامية اليوم ، وهذا ما أكده أيضا من زاوية معينة عبد العظيم أبوزيد وغيره إذ يرى أن البنوك الإسلامية تختلف عن البنوك التقليدية في الشكل القانوني وفي الجوانب الفنية أما الجوهر والمضمون فلا فرق بينهما حسب رأيه..
وهذه المسألة قابلة للنقاش لأن البنوك الإسلامية لا تختلف كثيرا عن البنوك التقليدية من حيث الشكل القانوني ولا من حيث الجوانب الفنية، أما القول بأنه لا فرق من حيث الجوهر فأظن أن هذا التوصيف يفتقر إلى الدقة. وربما ذهب أبوزيد إلى هذا التوظيف في سياق النقد البناء والغيرة على التجربة.
مقارنة بين النظامين
تتشابه المصارف الإسلامية مع التقليدية في كثير من الأنشطة من النواحي الفنية، بيد أن لها خصائص تميزها انطلاقا من طبيعة رسالتها:
- المصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية ذات رسالة اقتصادية اجتماعية تستمد مبادئها من الشريعة الإسلامية.
- تؤدي المصارف الإسلامية دور البنوك التجارية وبنوك الاستثمار أو بنوك التنمية، وبالتالي فهي متعددة الوظائف ولا يقتصر عملها على الآجال القصيرة كالبنوك التجارية، ولا على الآجال الطويلة والمتوسطة كالبنوك المتخصصة، وبذلك فهي شاملة ومتخصصة في آن واحد.
- لا تتعامل المصارف الإسلامية بالفوائد الربوية أخذاً أو إعطاءً، ولا بأسلوب خلق الائتمان كما هو الحال في البنوك التقليدية، بل تعمل على أساس المشاركة في مخاطر الأعمال والمشاركة في النتائج سواء بالربح أو الخسارة.
- لا تتاجر المصارف الإسلامية بالديون، وتعتبر المال ليس سلعة قابلة للتجارة، بل هو وسيلة للحصول على السلعة. أي أن المصارف الإسلامية تشارك في عمليات اقتصادية حقيقية وتتاجر في السلع، بمعنى أن نشاطها يقود إلى ربط القطاع المالي بالقطاع الاقتصادي الحقيقي.
- إن العلاقة بين المصارف الإسلامية والمتعاملين معها سواء كانوا أصحاب الموارد أو مستخدميها ليست علاقة دائنية ومديونية؛ بل هي علاقة مشاركة ومتاجرة.
- المصارف الإسلامية لا تمارس أسلوب الوساطة المالية كالبنوك التقليدية بل تعتمد على أسلوب الوساطة الاستثمارية. وهذا يعني أن دور البنوك التقليدية كوسيط مالي يجعلها وسيطا بين أصحاب رؤوس الأموال وبين رجال الأعمال الذين يملكون القدرة لاستثمار تلك الأموال، وذلك بواسطة جمع واستقطاب أموال المودعين وأصحاب الفوائض على أساس عقد القرض بفائدة ومن ثم توظيف ما تجمع لها من أموال على أساس عقد القرض بفائدة أيضاً. بينما يكون دور المصارف الإسلامية مع المتعاملين معها بعيدا عن علاقة المديونية القائمة على الفائدة، فالوساطة الاستثمارية تتمثل في المشاركة الفعلية بين أصحاب الودائع والمستثمرين مستخدمي الأموال وذلك من خلال ربط عائد المودعين بنتائج توظيف الأموال لدى المستخدمين ربحا أو خسارة.
أسئلة تمهيدية لتقييم التجربة
- لماذا لم ينجح القائمون على الصناعة في إيجاد مرجعية للصناعة يقبلها الجميع وتكون لها الكلمة الفصل فيما تواجهه الصناعة من قضايا وإشكالات.؟
- وهل الأفضل وجود مرجعية جامعة ملزمة للجميع أم أن يستقل كل مصرف أو بلد أو مجموعة بمرجعياتها الخاصة.؟
- هل يفهم فقهاء المصرفية الإسلامية ظروف العصر وتعقيداته على الوجه الصحيح حتى يصدروا ما يصدروا من فتاوى وقرارات عن بينة وإدراك.؟
- وهل ضاعت الصناعة المالية الإسلامية بين الوعظ والتحريم وبين الحيل والميوعة و"التمثيل"؟
- هل يمكن أن نقيم صناعة مالية إسلامية بقيادات متمرسة من الناحية الفنية والمعرفية لكنها لا تلتزم بالسلوك الشرعي أو بعبارة أخرى هل الصناعة عمل ميكانيكي لا يحتاج إلى روح ولذلك يمكن لكل أن يدعيه أو يقوده أم أن النظام المالي الإسلامي عمل متكامل يجمع بين النية الصادقة والورع واحتساب الأجر والمعرفة وفهم مقاصد الشارع وظروف العصر والعمل بقصد إعمار الأرض ونفع البلاد والعباد؟
- هل الصناعة المالية الإسلامية استثمار للحصول على الأرباح أم استثمار تحكمه الأخلاق والسلوك القويم؟ أم كل ذلك؟
- هل يمكن أن نتحدث عن صناعة مالية إسلامية دون مراعاة الظروف الخارجية بما فيها الإرادة السياسية وموقف الجهات الإشرافية والمنظمات الدولية المسيطرة والنظام المالي العالمي عموما ( تمثل الصناعة المالية الإسلامية اليوم حوالي 3% من حجم النظام المالي العالمي)
- لماذا بعد كل هذه العقود من تجربة المصارف الإسلامية نجد المسلمين يتعاملون بشكل طبيعي مع البنوك الربوية ؟ ألا يدل ذلك على وجود خلل كبير في التجربة وإخفاق للقائمين عليها أو ضعف وعي لدى الجمهور؟
- لماذا معظم استثمارات وأنشطة البنوك الإسلامية هي في المرابحات والتورق والسلع الدولية؟
- هل يمكن أن تنجح الصناعة المالية الإسلامية في الغرب إذا فشلت في البلدان الإسلامية.؟
- هل ننزع إلى التفاؤل ونغمض أعيننا عن جوانب الإخفاق والفشل في الصناعة ونرى الصورة على غير حقيقتها أي الصورة المضللة.؟
- أم نفرط في التشاؤم فلا نرى في التجربة إلا الفشل والتحايل و" التمثيل" فنظلم الرواد والمخلصين من القائمين على الصناعة ونبني جدرا من الإحباط يسد الأبواب أما اي مبادرات حقيقية لتعزيز التجربة وترميم ما أصابها من خلل وإعوجاج.
كما يكمن تقييم نجاح المصارف الإسلامية من خلال مدى تحقيق أهداف أربعة أساسية كما حددها الشيخ صالح الحصين رحمه اللـه، الرئيس السابق لرئاسة شؤون الحرمين الشريفين:
- أن يكون المصرف بديلاً ناجحاً للمصرف الربوي بحيث ينافسه في الكفاية ويختلف عنه جذرياً في الفلسفة وآلية الأداء.
- أن يحقق المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل مع المال.
1. أن يكون قياماً للناس
2. أن لا يكون دولة بين الأغنياء.
3. وأن يحقق العدل بين طرفي المعاملة.
- تكوين المناخ الاستثماري المناسب في العالم الإسلامي.
- تحقيق النمو الاقتصادي
ماذا أنجزت المصرفية الإسلامية؟
نجحت تجربة المصرفية الإسلامية إلى حد كبير في جذب اهتمام العالم إلى التمويل الإسلامي ولعل أفضل مجالات نجاحها هو الإنتاج العلمي الغزير الذي عرف العالم بالاقتصاد الإسلامي عموما ومناهجه في معالجة المشاكل والاختلالات التي يعاني منها النظام المالي العالمي..
ولئن كانت تجربة التمويل الإسلامي نجحت في الجانب النظري وقدمت للعالم نموذجا ملموسا في الجانب العملي فإن الناقد المدقق لهذه التجربة سيلاحظ بسهولة ما تواجهه تجربة التمويل الإسلامي من اختلالات وقصور وعقبات وتحديات تعود إلى أسباب داخلية تتعلق بالمؤسسة نفسها وأسباب محلية تتعلق بظروف كل قطر وأسباب خارجية تتعلق بالنظام المالي العالمي والجهات المهيمنة عليه.
وقبل التعرض لجانب التحديات والعقبات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية سنستعرض أولا الإنجازات الأساسية للصناعة.
الصناعة في أرقام
يمثل االقطاع المصرفي 69% من حجم الصناعة المالية الإسلامية بمبلغ 1.99 ترليون بنهاية 2019 أما أكبر الأسواق فكانت إيران والسعودية وماليزيا حيث مثلت 63% من أصول التمويل الإسلامي ، وتعد المغرب أكثر الدول سرعة في مجال التمويل حيث تضاعف حجم الأصول خلال العام 2019.
وبلغ حجم أصول التمويل الإسلامي في دول الخليج 1.25 ترليون دولار بنهاية 2019 أي ما يمثل 44% من الأصول تليها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمبلغ 755 مليون دولار أي 26% أما جنوب شرق آسيا فنسبتها 24% .
وتوقعت تقارير نمو أصول التمويل الإسلامي إلى 3.78 تريليون دولار في العام 2022، وأشارت تلك التقارير إلى أن التمويل الإسلامي بدأ يخطو خطوات ثابتة نحو التطور والنضوح خلال العقد الماضي، وبرغم تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد إلا أن المؤشرات تُعتبر جيدة بمقارنة أداء البنوك التقليدية. (5)
ويتوقع أن تبلغ نسبة نمو الصناعة 10% خلال الفترة 2023- 2022 ، أما إجمالي الأصول فيتوقع أن يبلغ 4.94 ترليون دولار مع نهاية العام 2026 (6)
وإجمالا فالمصارف تجاوز عددها 520 مصرفا إسلاميا منتشرة ففي 72 دولة وبلغ عدد صناديق التمويل الإسلامي 1700 صندوقا منتشرا في 28 دولة. كما بلغ عدد فقهاء وخبراء التمويل الإسلامية 1100 خبيرا وبلغ عدد مؤسسات التكافل 330 مؤسسة منتشرة في 47 دولة. أما إصدارات الصكوك فقد بلغت 12 ألف إصدار في 24 دولة. أما المؤسسات التي تقدم برامج تعليمية في مجال التمويل الإسلامي فقد بلغ عددها 960 مؤسسة. أما التظاهرات فقد بلغ عددها 430 تظاهرة. (7)
الهادي بن محمد المختار النحوي
المراجع
1. مجلة المحاسب العربي h ttps://www.aam-web.com/ar/subject_detail/69
2. h ttps://www.larousse.fr/dictionnaires/francais/banque/7863
Établissement financier qui, recevant des fonds du public, les emploie pour effectuer des opérations de crédit et des opérations financières, et est chargé de l'offre et de la gestion des moyens de paiement.
3. h ttps://www.adib.eg/arabic/understanding-islamic-banking
4. نمذجة تصنيفية للانتقادات الموجهة للمصارف الإسلامية : عرض وتحليل – فضل عبد الكريم البشير معهد الاقتصاد الإسلامي – جامعة الملك عبد العزيز.
5. موقع اتحاد المصارف العربية.
6. موقع سلام قيت واي
7. www.refinitiv. com/en/ islamic-finance
اللهم ارفع عنا البلاء والوباء
رب اغفر لي ولوالدي ولوالديهم ولجميع المسلمين
والصلاة على الحبيب الشفيع الرحمة المهداة مع الآل والصحب الكرام.