لماذا لا تحتاج الجزائر تضامن الجامعة العربيّة معها في صِراعها مع إسبانيا؟ وكيف سجّلت سابقة توظيف ثرواتها النفطيّة والغازيّة في الدّفاع عن مصالحها؟

16 يونيو, 2022 - 16:17

لماذا لا تحتاج الجزائر تضامن الجامعة العربيّة معها في صِراعها مع إسبانيا؟ وكيف سجّلت سابقة توظيف ثرواتها النفطيّة والغازيّة في الدّفاع عن مصالحها؟ وهل تسير دول خليجيّة على النّهج نفسه وتُفشِل “الناتو العربي الإسرائيلي” الذي يُريد بايدن تدشينه أثناء زيارته للرياض؟

 

كتب عبد الباري عطوان في "راي اليوم":

 

لا تحتاج الجزائر لكي تصدر بيانا ينفي ما وصفته “بمعلومات زائفة” حول فشل جهودها الدبلوماسية لعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية للتضامن معها في أزمتها الحالية المتفاقمة مع اسبانيا، لعدة أسباب أبرزها ان هذه الجامعة باتت بلا أي قيمة، وتضامنها قد يضر أكثر مما يفيد، في ظل تراجع تمثيلها للحكومات العربية، ولا نقول للشعوب، الى ادنى مستوياتها هذه الأيام.

فهذه الجامعة التي لم يتجرأ امينها العام السيد احمد ابو الغيط على إصدار بيان يدين عدوانا إسرائيليا وحشيا على مطار دمشق الدولي المدني، او أي “عدوانات” إسرائيلية سابقة على مدى السنوات العشر الماضية، تشكل انتهاكا لسيادة دولة عضو في الجامعة، والأمم المتحدة، وكل القوانين الدولية، لا يمكن ان نتوقع منها الوقوف في خندق الجزائر في ازمتها الثنائية مع الدولة الاسبانية المدعومة من حكومات الاتحاد الأوروبي، او أي دولة عربية أخرى بعد ان باتت عنوانا للانهيار والتطبيع العربيين.

***

الحكومة الجزائرية عندما “علقت” معاهدة الصداقة مع اسبانيا، وأوقفت ضخ الغاز اليها عبر أنبوب رسمي، وتوجهت الى إيطاليا كدولة بديلة، أقدمت على هذه الخطوة بمفردها، ومن منطلق خدمة مصالحها الوطنية، وهذا موقف يعكس استقلالية القرار، اتفق معه البعض او اختلف، بغض النظر عن أسبابه ودوافعه، فنحن لا نناقش هذه الأسباب وانما شجاعة الموقف.

دول عربية مثل المملكة العربية السعودية والامارات وسلطنة عُمان، ونحن نختلف مع سياسات بعضها التطبيعية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، سواء علانية او تحت الطاولة، اذلت الولايات المتحدة الامريكية، ورئيسها عندما تمسكت بموقفها في النأي بالنفس عن العقوبات الامريكية المفروضة على روسيا، وضربت عرض الحائط بالمطالب الامريكية الابتزازية لزيادة كميات الإنتاج لخفض الأسعار، وها هو الرئيس بايدن، زعيم القوة الأعظم في العالم يتراجع بشكل مهين، ويستعد لشد الرحال الى الرياض لحضور قمة تضم زعماء دول الخليج ومصر والأردن وربما السودان، في محاولة لترميم علاقاته مع حكوماتها، والاستجابة لشروطها.

لا نريد الخوض بشكل معمق في هذا الملف، او الحديث عن تحفظاتنا، او بالأحرى رفضنا، للأهداف الامريكية من هذه القمة، وأبرزها تدشين “منتدى أمني” بزعامة الولايات المتحدة وعضوية دولة الاحتلال الإسرائيلي لشن عدوان على ايران، لأن امامنا ما يقرب الشهر لمعرفة التفاصيل وردود الفعل، لأن ما يهمنا في الوقت الراهن هو التأكيد على حتمية وصوابية المواقف والسياسات العربية التي تضع المصالح والثروات العربية مثل النفط والغاز فوق جميع المصالح الاخرى، الأمريكية والأوروبية على وجه الخصوص.

الولايات المتحدة الامريكية ومعها كل الدول الأوروبية الأخرى تعيش هذه الأيام أضعف ايامها، لأنها خرجت خاسرة في المئة يوم الأولى من الحرب في أوكرانيا لمصلحة روسيا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وبات اقتصادها الغربي يعاني من الإنكماش والتضخم، وغلاء المعيشة، والفضل في كل ذلك يعود الى الموقف العربي “الحكيم” بعدم الوقوف في خندقها، او الرضوخ لتهديداتها، وتوظيف ثرواتنا النفطية والغازية في خدمة حروبها ومخططاتها مثلما كنا نفعل طوال المئة عام الماضية تقريبا.

عندما وظف العرب نفطهم في خدمة القضايا العربية اثناء حرب أكتوبر عام 1973 ارتفعت أسعار برميل النفط من أقل من ثلاثة دولارات الى أكثر من 17 دولارا في أشهر معدودة، واليوم عندما رفضوا الانصياع للضغوط الامريكية بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وإنقاذ الاقتصاد الغربي من ازماته، تضاعف سعر برميل النفط اكثر من مرتين، ووصل الى 125 دولارا، وربما يصل الى رقم قياسي جديد أي 150 دولارا في الأسابيع المقبلة خاصة ان الأسواق العالمية في حاجة الى ثلاثة ملايين برميل إضافية بسبب تراجع جائحة الكورونا، وزيادة الاستهلاك بالتالي، الأمر الذي يعني تدفق المليارات يوميا على خزائن الدول الخليجية التي عانت من الرضوخ في سياساتها النفطية للاملاءات الابتزازية الامريكية، ولخدمة الاقتصاد الأمريكي والاوروبي، وليس لمصالح شعوبها.

***

من حق الجزائر، واي دولة عربية أخرى، ان تستخدم سلاح النفط والغاز لخدمة مصالحها، و”تأديب” الدول التي تتجرأ على المساس بسيادتها، مثل اسبانيا او أي دولة أوروبية أخرى، مثلما من حقها أيضا ان تتمسك بموقفها بمعارضة كافة اشكال التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وان تنحاز الى الموقف الروسي في حرب أوكرانيا، وتفرش السجاد الأحمر لسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي اثناء زيارته لعاصمتها.

الجامعة التي تدعم العدوان الأمريكي، والغارات الإسرائيلية على العاصمة السورية بصمتها المتواطئ، وتوفر الغطاء “الشرعي” الرسمي العربي لتدمير ليبيا واليمن وسورية وقبلها العراق، هذه الجامعة لم تعد عربية، وأصبحت أكثر إسرائيلية من الجامعة العبرية، ولنا عودة حتما للناتو العربي الإسرائيلي الذي يريد بايدن تدشينه اثناء زيارته للرياض منتصف الشهر المقبل، حفاظا على الامن القومي الإسرائيلي وفرص نجاح هذه المؤامرة وفشلها.