المحتوى الموريتاني والحاجة للتدوين

29 يناير, 2022 - 15:58

نواكشوط مدينة باهتة وغير حركية، أنشطتها متشابهة ونسقية جدا، وتسطر عليها "السياسة" في طابعها الموريتاني المشوه، مدينة تندر فيها الأنشطة الثقافية وإن حدثت تكون أنشطة أمعائية في الأساس ولا علاقة لها بالثقافة والمعرفة (طبعا تحدث أحيانا استثناءات لهذه القاعدة).

وهذا الأمر من الأسباب التي تجعلها مدينة خالية من المعنى، فرتابتها تدمير القريحة وتقتل فرص الإبداع والاستمتاع بالحياة، ورغم ذلك فهي مدينتي المفضلة؛ فأسبوع خارجها يجعلني أشتاق وأحن للعودة، أشتاق لغبارها الذي يجلب لي الربو ولعشوائيتها ولانقطاع الكهرباء والماء والمنطق، وكل تفاصيلها، ويمكن أن يكون ذلك نتاجا لأنها المكان الذي تربيت فيه وعشت جل عمري وفيه ذكرياتي.

وحين أسمع عن نشاط مختلف فيها أسعد وأتمنى له النجاح حتى يكون بداية لواقع مختلف، وهذا الأسبوع، شاهدت إعلانا عن تنظيم ملتقى بعنوان" الملتقى الموريتاني حول المحتوى العربي والوطني على الانترنت"، كان خبرا جميلا، وقد تم دعوتي لحضوره، كان الأمر باعثا على السرور؛ فالموضوع مهم بالنسبة  لي ومختلف عن المتداول في مجالنا العام المهترئ، والمحتوى العربي يشغلني خاصة الموريتاني منه، كما تهمني قضايا الإنترنت.

حضرت للمؤتمر الذي نظم يوم الثلاثاء 28 ديسمبر، وهو من تنظيم مجموعة مطوري جوجل في موريتانيا، وكان هناك الكثير من المهتمين بمجال الإنترنت في البلد وقدمت عروض جيدة عن واقع المحتوى الموريتاني على الإنترنت وحدث نقاش حول واقعه ومستقبله، وكانت النقاشات معقولة.

لنحكي عن بعض النقاشات..

لاحظت أن المتدخلين يقاسمونني فكرة أن شبكات التواصل الاجتماعي وفيسبوك أساسا، أضرت بالمحتوى الموريتاني على الإنترنت، الضعيف أصلا والمختزل في" السياسة"؛ فهو يشبه نواكشوط وأنشطتها، فالمواقع الموريتانية إلا من رحم ربك، عبارة عن مواقع لنقل الأخبار المتعلقة بالسياسة وفي خصام مع مناحي الحياة الأخرى، والثقافة واقعها في المحتوى الموريتاني  على الإنترنت، كحال المواطن في البلد، مظلومة ومكلومة، ومواقعنا الصحفية يكاد  محتواها يقتصر على الخبر، فلا أثر للأجناس الصحفية الأخرى فيها، والكثير منها لا ينتج المحتوى الأصلي بل يسرق محتوى الآخرين أو يعيد تدويره في أحسن الأحوال.

 لكن كيف أضر موقع فيسبوك بالمحتوى الموريتاني على الإنترنت؟. بعد هجرت الموريتانيين إلى موقع فيسبوك، التي بدأت 2008، أصبح كتابهم ومن لهم قدرة على إنتاج المحتوى الجيد، يكتفون بالشخبطة والتنفيس على هذا الموقع التي لا تظهر الصور  والمنشورات المنشورة على صفحاته الشخصية في محركات البحث، فهو أصلا ليس منصة  لإنشاء وإدارة ونشر المحتوى، فمناشير فيسبوك تختفى بعد أيام، وقد غادروا المنصات المخصصة لإنشاء ونشر المحتوى والتي تظهر في محركات البحث وتعد دعما حقيقيا للمحتوى على الإنترنت، وهو ما يعتبر جهدا ضائعا(الموريتانيون اليوم على فيسبوك يزيد عددهم على 400 ألف)، وهو ما اعتبره المدون باب ولد الدي في عرضه خلال الملتقى؛ كالكتابة على الماء، وأنا هنا لست في صدد التقليل من شأن مواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك خاصة، لكن أحاول فقط التنبيه على هذه النقطة، فمواقع التواصل الاجتماعي كانت فرصة أيضا للكثير من النقاشات المحلية وساعدت في نشر بعض الأفكار المهمة والترويج لها وانخراط الكثيرين في نقاش الشأن العام، وانتقاد السلطة والفساد وكشف مواطن الظلم وإحراج النظام، وخرجت منها مبادرات مهمة، لكنها تظل مواقع حشد وترويج وتسويق وتواصل وتشبيك وليست منصات لنشر المحتوى.

دعوة للتدوين وأشياء أخرى

كان الملتقى فرصة للدعوة لإثراء المحتوى الموريتاني الهش، وتقديم بعض المقترحات، مثل، العودة للتدوين والنشر على المنصات المخصصة لنشر المحتوى الإلكتروني، ودعم المحتوى الموريتاني على موسوعة ويكيبيديا، وهو محتوى  هزيل وكسيح والكثير منه مؤلف من طرف كتاب غير موريتانيين وفيه الكثير من المغالطات ويحتاج للتدقيق والتنقيح، وخلق منصات موريتانية مختلفة عن السائد تملأ الفجوات الموجودة، وقيام الجامعة بنشر الرسائل الجامعية والأبحاث التي يقوم بها الطلاب والباحثين واتاحتها لجمهور الأنترنت، بشكل حر وسلس بدون تشفير أو قيود، وكذلك، العمل على ردم الفجوة التقنية وإشاعة الثقافة الرقمية بين المواطنين، وأيضا، تقليل أسعار الأنترنت وتحسين مستواها والعمل على انتشارها وتحسين بنيتها التحتية، وتحرير مجال تزويد المواطنين بها(نسبة مستخدمي الانترنت في موريتانيا12 في المئة).

قدمت في الملتقى عرضا حول تجربة أعتقد أنها نموذجا لما يمكن فعله لإثراء  المحتوى، وهي تجربة مدونة صنهاجة، وترنو المدونة لنشر المعرفة وكل ما يتعلق بموريتانيا، تحاول تقديم تاريخها وثقافتها، تنشر الكتب النادرة والدراسات العلمية  المهمة بالإضافة للرسائل الجامعية، وتقدم مادة أرشيفية صحفية جيدة عن موريتانيا، يقوم صاحبها الشيخ ولد مزيد بالبحث في مناجم المعرفة، مثل المكتبات الشخصية والعائلية ومراكز البحث والصحف وأرشيفها، يصور ويرفع ما يجد من مادة مهمة على المدونة، باختصار، يقوم صاحب المدونة بمحاولة سد الفراغ الذي تتركه لامبالاة الجامعة والمراكز المعنية بهذا الأمر، ويقوم بذلك الفعل بجهود ذاتية دون دعم من أي جهة.

انتهى الملتقى وبقت الأسئلة، مثلا، هل سيكون لهذه النقاشات والمقترحات أثر على واقع  المحتوى الموريتاني على الانترنت؟ وهل ستبدأ محاولة ترطيب شحوب وجه موريتانيا على الشبكة؟ أتمنى ذلك.

أحمد ولد جدو

مدون وكاتب موريتاني