أجرى موقع "الأيام 24" المغربي؛ مقابلة مثيرة مع الأستاذ نبيل زكاوي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس؛ حول موضوع مدينة الكويرة الحدودية بالغ الحساسية؛ قائلا إن إعمار هذه المدينة سيكون مفيدا لموريتانيا أيضا وإن المغرب سيعمل على طمأنتها؛ حسب تعبير الأكاديمي المغربي.
وهذا نص المقابلة كما نشرها المصدر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عديدة هي الأسئلة التي يثيرها موضوع إعمار الكويرة البالغ الحساسية، والذي يتوقع أن يشكل منعطفا جديدا وحاسما في تدبير المملكة الشريفة لقضية الصحراء المغربية، أهمها طريقة الإعمار ورسائله وتدبيره في علاقة مع موريتانيا وغيرها من الأسئلة التي يجيب عنها بتفصيل نبيل زكاوي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وأحد الباحثين المغاربة الملمين بتشعبات ملف الصحراء وتعقيداته.
وسط حديث عن توجه مغربي نحو إعمار مدينة الكويرة الخالية من السكان والتي لها وضع خاص، ماذا يمكن أن يترتب عن هذه الخطوة التي تأتي بعد تأمين معبر الكركرات وبدء تشييد ميناء الداخلة الأطلسي؟
هناك ملاحظات ينبغي الإشارة إليها بخصوص توجه المغرب نحو إعمار مدينة الكويرة:
أولاها أن عملية الإعمار ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة لمجابهة التحدي الداخلي المتمثل في تنمية المنطقة وبالتالي زيادة ثقة المجتمع المحلي في وظائف الدولة التأهيلية والبنائية، ثم التحدي الخارجي المتعلق بتقديم ضمانات على أرض الواقع لزيادة ثقة المجتمع الدولي في مقترح الحكم الذاتي.
وثانيتها أن عملية الإعمار ستتطلب وقتا طويلا وليست عملية قصيرة المدى وهذا يعني أنها ستتم وفق متجّهة عمودية ستغطي أبعادا وميادين مختلفة، ومتجهة أفقية تجعل عملية الإعمار تتوسع في إطار إعادة الاكتشاف الجغرافي لمختلف الأقاليم والمدن الجنوبية للمغرب، وذلك في إطار «حتمية جغرافيا المكان» باعتباره محددا أساسيا للمسار السياسي والاجتماعي لساكنة المنطقة.
وثالثتها أن عملية الإعمار لا تتم في صورة خطية، فإعمار المنطقة ديمغرافيا سيتطلب تطورا في المجالات الأخرى الاقتصادية والمؤسساتية وغيرها.
كما أنه من منظور الاقتصاد السياسي، فالتطبيق المبكر لعملية إعمار المنطقة بعد أسابيع قليلة من تدخل الجيش المغربي لتأمين الحركة التجارية في معبر الكركرات، لا يأتي فحسب ليعزز حفظ أمن الكويرة التي كانت حتى أجل غير بعيد ضمن المنطقة العازلة، وإنما يندرج في إطار تأكيد فوائد استقرارها بعد استعادة أمنها، وهي رسالة غايتها أن تصير حافزا على إنهاء نزاع الصحراء من خلال بعث إشارة للسكان المحتجزين بتندوف على الاهتمام الذي ينتظرهم في ظل الاندماج في السيادة المغربية.
ثم إن إعمار الكويرة هو إعمار داخلي ضمن نهج «الإعمار والتنمية» الذي يراد منه تحقيق الاستدامة في التنمية من خلال بناء القدرات المؤسسية والخدماتية للدولة خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فهو إعمار مدفوع بالطلب المحلي على التنمية وليس باحتياجات العرض أو مصالح الشركات التي قد تقف وراءها القوى الدولية، حيث يعكس في نفس الآن سياسة إدماجية للسكان وسياسة توزيعية لعوائد النمو والعدالة بين الجهات في ظل الدولة المركزية.
من الناحية الاستراتيجية، ماذا يمكن أن يستفيد المغرب من عودة الحياة إلى مدينة الكويرة ذات المؤهلات السياحية، خاصة أنها تبقى مرشحة لاحتضان أحد الموانئ المستقبلية في السواحل الجنوبية للمملكة؟
> ترشيح مدينة الكويرة لاحتضان ميناء يعزز البنيات اللوجيستيكية للخط الساحلي لجنوب المملكة، ويعني أن هناك تركيزا على الأنشطة ذات الطبيعة التنموية في عملية إعمار المدينة سيما في البعد الاقتصادي منها، وذلك لأمرين اثنين:
أولهما أن قطاع الاقتصاد المحلي ظل الأكثر تضررا من نزاع الصحراء بسبب استنزافه للموارد المالية التي فرضتها الإكراهات الأمنية والعسكرية إلى غاية نهاية مرحلة الصراع المسلح. ولذلك فاستعادة المنطقة لمسارها الطبيعي بأن تصبح منطقة مأهولة بشريا واقتصاديا هو ما دفع الدولة إلى الشروع في تغيير سمات سياستها وإدارتها الاقتصادية للمنطقة.
أما ثانيهما، فالفترات التي تعقب استعادة الاستقرار، أي بعدما صارت المنطقة آمنة إثر بسط المغرب سلطته العسكرية والأمنية على معبر الكركرات، تخلق فرصا اقتصادية كبرى يمكن من خلالها أن يكون الاقتصاد قاطرة لإعمار المنطقة. فبحكم أن البيئة الصحراوية طاردة لتوطين السكان فإن من شأن موقع الميناء بما في ذلك المناطق المتحلِّقة حوله أن يشكل مجالا أكثر وفرة لاستيطانهم في أرجاء المحيط الأطلسي، ولعل في التاريخ شواهد، حيث رأينا أن أمما وحضارات بنت ازدهارها على مشارف البحر.
وهكذا فالخطوة المهمة في مسلسل إعمار المنطقة هي الشروع في الإعمار الاقتصادي الذي يتطلب تأسيس إطار اقتصادي كلي متماسك عبر وضع استراتيجية لبناء البنية التحتية التي تمكن من توسيع الأنشطة لتشمل التمكين الاقتصادي للمجتمع المحلي وحوكمة إدارة الصادرات من الموارد الطبيعية التي تزخر بها الجهة. ويتيح ذلك خلق فرص العمل، والانفتاح على الأسواق الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والناشطية في التجارة الدولية التي تعد عنصر صحة اقتصادية للمنطقة ومن خلالها للدولة ككل.
ولأن الإعمار يظل وثيق الصلة بالبنى التحتية المادية، يأتي تجهيز الميناء المزمع تشييده في الأفق المنظور بالكويرة أو موانئ أخرى مرتقبة في المستقبل بسائر الشريط الساحلي الجنوبي، ليمكّن استراتيجيا كذلك من إصلاح هياكل اقتصاد المنطقة ليس فقط من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية التي ستمكن من بناء مجتمع محلي، بل أيضا من أجل دمج هذا الاقتصاد في الدائرة الإقليمية للاعتماد المتبادل، وفي حركة العولمة الاقتصادية.
لا تبعد لكويرة عن العاصمة الاقتصادية لموريتانيا نواذيبو سوى بـ15 كيلومترا، لذلك يرجح أن يثير تشييد ميناء بها حفيظة الموريتانيين. كيف سيدبر المغرب هذه المعركة القادمة سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا؟ وإجمالا ماذا يمكن أن يترتب عن إعمار الكويرة؟
> طبعا سيزاحم ميناء الكويرة المرتقب ميناء مدينة نواذيبو القريب والذي يعتبر شريان النبض الاقتصادي لموريتانيا، ذلك أن ميناء الكويرة الذي يأتي في سياق التركيز على قطاعات الجدوى الاقتصادية بالنسبة للمنطقة، سيمكنها بالدرجة الأولى من احتلال موقع ريادي في اقتصاد النقل بين الشمال وجنوب الساحل، وذلك في سياق اهتمام دولي بالنقل البحري يؤكده معطى أن 80 في المائة من التجارة الدولية محمولة بحرا، لأن السفن أكبر وسائط النقل حمولة. غير أن الميناء لن تكون وظيفته الوحيدة هي شحن وتفريغ السفن، إذ يمكن أن تضاف إليها صناعات في المدينة-الميناء في أفق تأسيس منطقة حرة، فضلا عن أن المؤهلات الطبيعية للمنطقة تؤهلها لاستقبال منشآت ومحطات سياحية.
لكل ذلك يُرتقب أن يدشن المغرب حوارا سياسيا ودبلوماسيا مع موريتانيا، حتى لو كان إحداث الميناء شأنا سياديا خالصا له، وذلك من منطلق الحرص على طمأنة جاره الجنوبي بأن المشروع سيساهم في تنمية المنطقة ككل وليس فقط مركزه، خاصة أنه يتموقع في منطقة حدودية بين البلدين، وهو ما سيُفيد بأن المغرب مسعاه اقتصادي وغير سياسي على أساس تقاسم العوائد الاقتصادية للمشروع برغم اختلافه مع موريتانيا بشأن موقفها من قضية الصحراء، ومع ذلك سيراهن المغرب على أن يساهم اقتناع موريتانيا بأهمية تبادل المنافع الاقتصادية معه بإحداث تحول في موقفها السلبي من سيادة المغرب على صحرائه.
بالنسبة للجزائر، سيُجهز المشروع المينائي بالكويرة على طموحها بالنفاذ إلى واجهة المحيط الأطلسي عبر اقتطاع جزء من التراب المغربي المفضي إليه لفائدة وكيلتها «البوليساريو»، خاصة أن المعطيات تشير إلى ورود إنشاء المغرب بموازاة مشروع الميناء لقاعدة عسكرية، وهي مسألة لا تجسد فحسب سيادة المغرب على المنطقة وإنما تبقى موضوعية بالنظر لضرورة حماية الميناء ومرافقه الحيوية، بغض النظر عن قطع إمكانية تسلل ميليشيات «البوليساريو» إلى شاطئ الكويرة وذلك بعد إخراجها من المنطقة العازلة وبسط السيادة المغربية عليها إثر تحرير معبر الكركرات مؤخرا.