قلق في موريتانيا والمغرب العربي من "دق طبول الحرب" والطريقة التجانية في الجزائر تتدخل

4 نوفمبر, 2021 - 21:10

شكلت حادثة قصف وحرق الشاحنتين الجزائريتين ومقتل سائقيهما الثلاثة أبرز موضوع ينشغل به الرأي العام المغاربي منذ يومين، لما يؤكده من استمرار تدهور الوضع بين المغرب والجزائر، واتجاه المنطقة الحبلى منذ عقود بتداعيات أزمة الصحراء، نحو الحرب.
وأكدت الحكومة الموريتانية «أنها تتابع الوضع في المنطقة باهتمام بالغ ومراقبة فائقة خاصة إذا كانت يتعلق بدولتين شقيقتين» في إشارة منها لحادثة قصف وحرق شاحنتين اتهمت الجزائر جارها المغرب بتنفيذها، فيما نفى المغرب ذلك».
أكد ذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية وزير الثقافة المختار ولد داهي، أمس في تعليق له على الحادثة، داعياً خلاله «الصحافيين إلى توخي الدقة والتعامل مع هذه الأخبار بحكمة وحذر لأنها تتعلق بدول شقيقة» حسب قوله.
وأضاف: «كل تطور في العلاقات بين الدول، وخصوصاً الشقيقة والصديقة، يهمنا ويشغلنا ونتابعه». وجاء هذا الموقف تابعاً لبيان بيان لإدارة الاتصال بقيادة أركان الجيش الموريتاني نفت فيه القيادة ما تداولته مواقع ومنصات إعلامية بخصوص تعرض شاحنات جزائرية لهجوم شمال موريتانيا، مؤكدة «عدم حدوث أي هجوم داخل التراب الوطني الموريتاني».
ودعت الأركان الموريتانية «الجميع لتوخي الدقة في المعلومات، والحذر في التعامل مع المصادر الإخبارية المشبوهة».
وقد اتضح أن ما يهم موريتانيا في هذه الحادثة هو التأكيد على أنها لم تجر على أراضيها، غير أن تصريح الوزير أظهر كذلك أن موريتانيا قلقة لدق طبول الحرب على حدودها بين جارتيها المغرب والجزائر. لكن التطور الجديد اللافت للنظر في تطورات هذا الحدث، هو دخول الخلافة العامة للطريقة التجانية على خط هذه الأزمة، حيث نددت هذه الخلافة في بيان أمس «باغتيال ثلاثة مواطنين جزائريين يعملون في النقل من طرف القوات المغربية المسلحة». وأضاف البيان: «تلقت الخلافة بمزيد من الأسى والحسرة والألم نبأ اغتيال ثلاثة من رجال الجزائر غدراً وظلماً وعدواناً، بينهم اثنان من منتسبي الطريقة التيجانية ومن حاملي الورد التجاني، ومنهم أصيل من مدينة عين ماضي وله قرابة مع الأسرة التيجانية».
وتابعت الخلافة تقول: «قضوا حتفهم في طريق الأمن، وطريق الأمان التي ارتاده أجدادهم لنشر الإسلام وإيصال القوت لإخوان لهم في الديار الموريتانية، بعد أن تم فتح المعبر الحدودي للتبادل التجاري».
وأضاف البيان «إن دماءهم سالت في موعد مع التاريخ، تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة، وإننا نحسبهم مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً، وصدق الله تعالى القائل: وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».
وزاد : «إن ثقتنا كبيرة في دولتنا وجيشنا للتكفل التام بإظهار الحق والانتصار للحق، فلها السلطة والسلطان» كما «أنها هي من تقيم الحجة والبيان».
يذكر هنا أن الجزائر التي ولد فيها الشيخ أحمد التجاني، مؤسس الطريقة التيجانية، والمغرب التي دفن فيها هذا الشيخ، تتنازعان، ضمن صراعهما على النفوذ، السيطرة على هذه الطريقة التي يتبع لها الملايين عبر العالم.
ومن شأن إصدار الخلافة التجانية لهذا البيان أن يشد تعاطف التجانيين المنتشرين في بلدان المغرب العربي وإفريقيا، مع الجزائر في هذه الحادثة، وهو ما لن تسكت عنه المملكة المغربية التي يرتكز توجهها الإفريقي على الدبلوماسية الروحية.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت أمس الأول «عن مقتل ثلاثة جزائريين إثر تعرضهم لـما سمته الرئاسة «قصفاً همجياً» أثناء تنقلهم على المحور الرابط بين نواكشوط وورقلة». وأشار البيان إلى أن «عدة عناصر تشير إلى ضلوع قوات الاحتلال المغربية بالصحراء الغربية في ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور».
ويرى مراقبو هذا الملف أن الجزائر والمغرب أصبحتا تتجهان بشكل مؤكد نحو المواجهة العسكرية، وهو ما تشير له التطورات المتسارعة التي حدثت، مثل إعلان الجزائر قطع العلاقات مع المغرب هذا العام، إضافة إلى اتهامه بدعم جماعة انفصالية جزائرية، ثم إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وتبع ذلك قبل أيام، وقف إمدادات الغاز وإغلاق أنبوبه المتجه إلى إسبانيا عبر أراضي المغرب. ويؤكد المحلل السياسي إسماعيل يعقوب، في قراءة سريعة لبيان الرئاسة الجزائرية حول حادثة الشاحنات التي قتل سائقوها «أن غضباً عارماً يستشف من البيان ظل مكتوماً لأيام».
وقال إنه يجب ربط الحادثة بثلاث سياقات جوهرية، أولاها سياق المكان، وهو ما سماه البيان طريق ورقلة/نواكشوط والتبادلات التجارية بين الشعوب، في إشارة إلى أن الحادثة ضرب مباشر لمصالح تجارية جزائرية.
أما السياق الثاني، يضيف المحلل، فهو الحديث عن استخدام سلاح متطور «وهو تعبير عن الطيران المغربي المسير» وتسميته للجهة المعتدية بقوات الاحتلال المغربية في الصحراء الغربية؛ ووصفه للحادثة بأوصاف من قاموس عنيف «اغتيال جبان همجي وحشي حقير لن يمر دون عقاب».
وقال إن السياق الثالث هو عدم الدخول في جدل حول مكان الاغتيال؛ هل هو أرض موريتانية أم صحراوية أم جزائرية، اتقاء للفت الانتباه عن الحادثة وعن تداعياتها. وهكذا بدأت تتضح، يضيف إسماعيل يعقوب، فحاوي الرسالة السياسية لعملية القصف المحددة هذه: فهل يريد المغرب جر الجزائر للمواجهة العسكرية في الصحراء الغربية قبيل وصول الدبلوماسي الإيطالي الأممي دي ميستورا إلى المنطقة، ومن ثم جرها لطاولة المفاوضات المباشرة بعد أن أعلنت انسحابها كمراقب؟ أم أن الجزائر في إطار ما سمته العقاب، ستلجأ إلى تمريرة ليس بها تسلل عبر مسيرة قادمة من الصحراء الغربية تصيب عصفورين بحجر، وتشمل تحسيناً في تسليح البوليساريو وإدخال الطيران المسير على الجبهة الصحراوية ضمن توازن جديد للرعب.
وقال: «قد يكون المغرب أراد، فيما يخصه، من خلال العملية، تحقيق ثلاثة أهداف نفسية وسياسية ودبلوماسية، تتمثل في القصاص لسائقيه في مالي، التي اعتبر جزء من نشطائه على «السوشيال ميديا» أن يداً موالية للجزائر هناك وقفت وراء حادث اغتيالهم؛ وضرب إمداد مفترض للجيش الصحراوي بشكل مباشر؛ ثم استدراج الجزائر لعمل عسكري يقوي حجته في طرفية الجزائر في القضية الصحراوية».
أما وزير الإعلام السابق محمد ولد أمين، فقد حذر في تدوينة له أمس، من اندلاع الحرب، قائلاً: «أحذر من اندلاع الحرب، فأول الرقص حنجلة، والتصعيد بدأ بالشاحنات المغربية في مالي ووصل للشاحنات الجزائرية».
وأضاف: «إذا اندلعت حرب فستكون فرنسا مع المغرب، وستكون إسبانيا مع الجزائر، وسيتوزع الأوروبيون بين الطرفين كي تكون الحرب حرباً ضروساً وطويلة الأمد».
وقال: «إن أمر الحرب أمر مفزع، فالحرب تعني نسف كل الجهود التنويرية والإنمائية في لحظة غضب، اللهم إليك وحدك المشتكى».

لمطالعة أصل هذا المحتوى في مصدره؛ اضغط هنا

إضافة تعليق جديد