مدينة ولاته، أو كما يحب الموريتانيون تسميتها "بوابة الصحراء"، هي مدينة تقع في محافظة الحوض الشرقي جنوب شرق البلاد.
وقد عرفت المدينة قديما باسم "بيرو" وكانت خاضعة لإمبراطورية غانا، ثم عرفت بعد ذلك باسم "إيوالاتن" أو"ولاتن" ثم الاسم الحالي: "ولاتة".
التأسيس
هناك تضارب في المعلومات حول تأسيسها، فهناك رأي يقول في القرن الأول الميلادي، ورأي آخر يقول في القرن الخامس ميلادي، وهي إحدى أهم مراكز الإشعاع العلمي والديني في منطقة الصحراء الكبرى.
وأول من سكن المدينة من أهلها اليوم، فهي قبيلة "لمحاجيب" وكانت لهم الرئاسة فيها حتى دخول الاستعمار الفرنسي لها سنة 1912م.
الإشعاع الثقافي
ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي عرفت مدينة "ولاتة" بداية نهضة فكرية كبيرة، وأصبحت أحد أهم مراكز الإشعاع الثقافي العربي الإسلامي، وهاجر إليها عدد كبير من علماء تيمبوكتو وفاس وتلمسان ومراكش، كما استقر بها بعض أهالي توات بجنوب الجزائر، وبعض العائدين من الأندلس.
ولا تزال هذه المدينة تحتضن إرثاً تاريخياً ثرياً في نمطها العمراني الفريد، الذي ظلّ يحافظ على طابعه المميز، وهو مزيج من النمط الأندلسي، وهندسة قصور الصحراء الصامدة في وجه الظروف الطبيعية والمناخية القاسية.
شُيدت المنازل العتيقة في هذه المدينة من الحجر الجيري، ويغطي جدرانها الطين الأحمر، وتستقبلك مداخلها الرئيسية بالرسوم والزخارف الملونة. أما الجدران الداخلية، فتزينها الرسوم والكلمات المنقوشة بالخط العربي، بينما صُنعت أبواب المنازل من خشب السنط الأحمر الأصلي، وتؤطرها زخارف ورسوم وأقواس وأشكال هندسية باللون الأبيض. ولمنازل ولاته التقليدية ممرات طويلة، تفضي إلى الساحة الداخلية للمنزل الذي عادةً يتكوّن من طابقين.
تضم ولاتة مركزًا سياحياً يُقدّم الصناعات التقليدية وعناصر الثقافة المحلية، وتحتضن متحفاً للمقتنيات والأدوات التقليدية النادرة، كما لا تزال مكتباتها تحتفظ بعشرات الآلاف من المخطوطات التاريخية الأصلية، التي ترجع إلى عهد الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا. ويحافظ السكان المحليون على تقاليدهم وثقافاتهم المتوارثة في الأزياء ونمط العيش والنظام الغذائي، ما يمكّن الزائر من التعرف إلى نمط حياة بدو الصحراء على هذه الأرض منذ آلاف السنين.
ولاتة في التاريخ
ولقد زارها الرحالة ابن بطوطة سنة 753هـ=1352م ، والتقى بقاضيها العلامة: محمد بن عبد الله بن ينومر الملقب "المحجوب"، ووصف أهلها بأنهم محافظون على الصلوات وعلم الفقه وحفظ القرآن، ونوه بدورها الثقافي والتجاري وكرم أهلها.
وتحدث في رحلته عن الازدهار الشديد الذي تعرفه هذه المدينة بحكم موقعها بين الاقاليم السودانية (مالي) وبين سجلماسة والواحات المغربية، ووصف رخاء معيشة أهلها بقوله (ويجلب أليهم تمر درعة، وسجلماسة، وتأتيهم القوافل من بلاد السودان فيحملون الملح ويباع الحمل منه بولاتن بثمانية مثاقيل إلى عشرة ويباع في مدينة مالي بعشرين مثقالا وربما يصل إلى اربعين مثقالا وبالملح يتصارفون كما يتصارف بالذهب والفضة يقطعونه قطعا ويتبايعون به). (الرحلة ص 658).
وذكرها كذلك "ابن خلدون" ووصف دورها التجاري في إمبراطورية "مالي"، وقال: "إنها على التخوم الشمالية لمالي في حدوده مع المغرب الأقصى".