سجل الموريتانيون بامتياز، حسب المراقبين، رقما قياسيا في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهته الأخيرة لآلة الحرب الصهيونية التي عاثت فسادا في الأرض، وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها ورثة الأرض المقدسة.
خارج المساندة الرسمية بالبيانات والتصريحات، وقف الشعب الموريتاني بمختلف أطيافه وأجياله إلى جانب المقاومة في أيام المواجهة العشر، كل حسب ما لديه: فقد قدم الفقراء تبرعاتهم، ونسج الشعراء قصائدهم، وكتب المدونون إبداعاتهم، وتغنت الفتيات ببطولات الناطق باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة صاحب الكوفية الملثم، وبمحمد ضيف أبي خالد.
طالعتنا مواقف نبيلة في خضم أيام القصف العشرة: ففي أقصى الشرق الموريتاني تبرعت فتاة صغيرة بنعجة هي كل ما تملكه، وتبرع مسن في ولاية العصابة وسط موريتانيا ببقرة، اشتراها أحد رجال الأعمال رابحة وضم مبلغها للتبرعات المالية.
وأخرج متقاعدو الجيش المسنون بنادقهم من أغمادها، وطالبوا الحكومة بإرسالهم إلى جبهة القتال مؤكدين «أن تحرير فلسطين من العبث الصهيوني مسؤولية كل فرد».
وارتدت مذيعات التلفزيون الكوفية الفلسطينية، ورسمت نساء عديدات علم فلسطين وشما على الخدود الجميلة.
غير أن أغرب ما سجل حتى الآن هو قصة الفتاة الموريتانية التي كانت تستعد للزواج من خطيبها بعد شهر أو شهرين من الآن، حسبما تأكيدات المدون البارز حبيب الله أحمد.
الفتاة طلبت مهرا استثنائيا من خطيبها ووعدها بتقديمه مهما كلف الثمن، وهذا المهر العجيب ليس ذهبا وليس فضة ولا منزلا ولا سيارة ولا «آيبادا» ولا «آيفونا» ولا أم أربع كاميرات ولا مبلغا كبيرا؛ فقد طلبت الفتاة من خطيبها أن يحضر مهرا آخر يكون إما خوذة جندي صهيوني أو حذاءه أو بندقيته أو جمجمته، أو يمهرها قطعة غيار من آليات صهيونية مدمرة: دبابة أو صاروخا أو ناقلة جند، وإن لم يجد شيئا من هذا فهي تقبل بأن يكون مهرها حفنة من رمال القدس أو غصنا أو ورقة من أشجار بيت المقدس.
وإضافة لكل هذا، لزم العلماء والأئمة والمسنون محاريب الدعاء، سائلين الله نصره على الصهاينة المحتلين والمغتصبين.
وانصبت التدوينات والتغريدات والصور والهاشتاغات، على شبكة التواصل الاجتماعي سيلا جارفا داعما للفلسطينيين.
وكان أبرز ذلك، تغريدات المفكر الموريتاني الدكتور أبي العباس التي كتبها تحت وسم « #فلسطينـقضيتي» فقد نالت إعجابا واسعا، يقول في إحداها: «ما يحدُثُ في فلسطين الآن هو إعادة توحدّ الخارِج بالداخل الفلسطيني، وإعادة ترتيب شبكة التضامُن العربي وتوجّهها إلى الشعب بدل الأنظمة، وذلك بعد استبداد الصهيونية بالحكومات العربية؛ مع توازنات عسكرية جديدة وتغيّر شبكة الوعي والتضامن الدولي فإن القضية تأخذ دفعاً جديداً، إلى الأمام!».
وكتب في أخرى «اجتمَع العالم على إلزام الناس في بيوتِهم في زمن الجائحة إلاّ أن الصهيونية حزمت أمرَها على إخراج الناس من بيوتهم التي سكنوها عبر القرون».
وأبدع أبو العباس في تغريدة ثالثة يقول فيها «بعد أفول الإله الأمريكي اتخَذت الصهيونية العربية إلهاً جديداً هو إسرائيل ليحميها من المخاطِر الإقليمية المحدِقة، ولكن، كما في عبادة العجل، فإنّه يبدو أنّهم هم من سيحمون هذا الإله الجديد، الذي شاخَ وداخ وكثر عليه الصياح من كلّ مكان؛ كما أنّ ارتباطَهم بالعجل مُسرِّع لأفولِهم».
وقصف أبو العباس من يسميهم الليكود العربي قائلا «تتصرّف الأنظِمة العربيّة بمنطِق إخوة يوسف: يمكِن لنا أن نقتل أخانا، ثمّ نكون من بعدِه قوماً صالحين. ولكن ها هي العاقِبة: أولاً، لن تتمكّنوا من قتل أخيكم؛ ثانياً: لن تكونوا قوماً صالحين في كلتا الحالتين».
وأجاد الدكتور عباس في تغريدة قال فيها «تطمَع إسرائيل ومن ورائها الصهيونية المحليّة أنّها ستنعم بسلامٍ أبدي بينما معظَم حروب إسرائيل هي ضدّ الأطفال (أكثر من 60 في المئة من سكان غزّة هم أطفال)؛ يطمعون بسلامٍ مستقبلي بينما يزرعون العداوة في المستقبَل؛ إذا لقوا سلاماً بهذه الطريقة فليضعوه في عيني».
القدس العربي