ما السرّ الذي يجعل بعض الأفراد يأكلون كثيراً ولا يسمنون؟

24 مارس, 2021 - 09:59

يعتبر البعض أن الحياة التي نعيشها على الأرض غير عادلة على كافة المستويات، بدءاً من الزعم بأن بعض الأفراد يولدون وفي فمهم "ملعقة ذهب"، فيكون باستطاعتهم تحقيق كل ما يطمحون إليه دون مجهود أو تعب، وصولاً إلى أولئك الذين بوسعهم تناول ما يحلو لهم دون اكتساب الوزن.

في المقابل، هناك من يعتبر نفسه "مظلوماً" في علاقته مع الطعام، شاكياً من أنه قد يكتسب كيلوغرامات إضافية بمجرد المرور من أمام بائع الشاورما مثلاً، ومشاهدته وهو يلف السندويشات اللذيذة، أو حتى التفكير بالوجبات السريعة دون تناولها، في حين ينظر بنوع من الغيرة إلى أولئك الذين يلتهمون كميات كبيرة من الطعام "الدسم" والحلويات الشهية وتبقى أجسادهم نحيفة، حتى من دون ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة.

فما الذي يجعل بعض الناس يأكلون كثيراً ولا يسمنون؟

معدل الأيض الأساسي

من منّا لا يعرف شخصاً يأكل كل ما يريد، بحيث أنه ينغمس في تناول الحلويات والوجبات السريعة طوال اليوم، ومع ذلك لا يصاب بالسمنة أو حتى يكتسب وزناً إضافياً على الإطلاق؟

يبدو أن الأمر مرتبط بشكل كبير بارتفاع معدل الأيض الأساسي أو معدل الاستقلاب الأساسي، أي كمية الطاقة التي يحتاجها الجسم للحفاظ على وظائفه (BMR)، وفق ما أكدته الأخصائية في علم التغذية، سالي الزين.

في الحقيقة، عندما لا نقوم بأي نشاط بدني شاق، فإن أجسامنا تنفق بعض الطاقة من أجل الأنشطة الأساسية مثل التنفس، ضخ الدم وعمل الدماغ.

من هنا، أوضحت الزين في حديثها مع موقع رصيف22، أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في معدل الأيض الأساسي يحرقون سعرات حرارية أكثر أثناء الراحة، مقارنة بأولئك الذين يعانون من بطء في معدل الأيض الأساسي، ونتيجة لذلك، لا يكتسب هؤلاء وزناً على الرغم من تناول كميات كبيرة من الأطعمة.

وكشفت سالي أن معدّل الأيض الأساسي يختلف من شخص إلى آخر، كما أنه يتناقص مع تقدم العمر ويزداد مع زيادة كتلة العضلات: "عند الحديث عن الـ BMR هناك بعض العوامل التي لا يمكن التحكم بها، مثل حقيقة أن الرجل بشكل عام يحرق الدهون أكثر من المرأة، كما أن العمر يلعب دوراً أساسياً، بحيث أن الشباب يحرقون الدهون أكثر من كبار السن، وأخيراً يبرز عامل الطول، إذ إن الشخص الطويل تكون كتلة العظام لديه أكبر من غيره، فيحرق الدهون بشكل أكبر".

أما بالنسبة للعوامل التي يمكن للمرء التحكم بها، فهي تقوية الكتلة العضلية عن طريق ممارسة الرياضة التي من شأنها حرق الدهون على المدى البعيد، بالإضافة لشرب كميات وافرة من المياه، اتباع نظام غذائي متنوع وتقسيم الطعام إلى عدة وجبات وتناولها ببطء، مع أهمية الحصول على قسط جيّد من النوم.

وشدّدت الزين على أن ارتفاع معدل الأيض الأساسي لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج الأمر إلى وقت وصبر، منوهة بأن المسألة قد تكون في بعض الأحيان مرتبطة بالاستعداد الوراثي للسمنة، بحيث أن هناك أجساماً تمتص الدهون بطريقة أسرع وأكبر من غيرها.

واعتبرت سالي أن مسألة اكتساب الوزن أو عدمه مرتبطة بشكل خاص بما يُعرف بـ calorie deficit أو (عجز السعرات/ نقص السعرات)، أي حساب السعرات الحرارية مقارنة بالنشاط.

وفي ختام حديثها، شددت سالي الزين على أهمية أن يكون المرء مرتاحاً مع جسمه وألا يكون قاسياً على نفسه، بخاصة وأن العامل النفسي يؤثر كثيراً على مسألة الوزن، وذلك يعود إلى ارتفاع معدل هرمون الكورتيزول عند الشعور بالتوتر والقلق، ما يجعل الجسم يمتص الدهون بمعزل عن النظام الغذائي المتبع.

الإدراك

كما أشرنا في السابق، هناك عوامل وراثية وغذائية وحتى سلوكية كامنة وراء مسألة اكتساب الوزن أو عدمه، رغم تناول كميات مماثلة من الطعام مع مستويات مماثلة من النشاط البدني، وعليه يختلف مدى تأثير كل من هذه العوامل على كل فرد.

أحد أهم العوامل لا علاقة له بنوع الجسم أو التمثيل الغذائي، بل يكمن في الإدراك، وفق ما أكدته كاثلين ميلانسون، أستاذة التغذية وعلوم الغذاء في جامعة رود آيلاند.

فقد أوضحت كاثلين لموقع لايف ساينس أن العديد من الأشخاص الذين يخيل لنا أنهم يأكلون ما يحلو لهم دون زيادة الوزن، لا يأكلون في الواقع أكثر من الآخرين، شارحة ذلك بالقول: "قد يعوض صديقكم الذي يأكل الآيس كريم يومياً بشكل طبيعي عن تلك السعرات الحرارية الزائدة عن طريق تناول كميات أقل في وجبة أخرى، أو تناول وجبات خفيفة أقل طوال اليوم. أو ربما عندما يأكل البيتزا، فإنه يأكلها ببطء، ثم يتوقف بعد تناول بضع شرائح فقط".

وفي سياق متصل، يمكن للنشاط البدني أن يحدث فرقاً، لكن ليس بالضرورة أن يقصد المرء صالة الألعاب الرياضية من أجل التحكم بوزنه، إذ إن بعض الأفراد يتحركون ببساطة أكثر من غيرهم، بسبب طبيعة عملهم أو نمط حياتهم، كما أن المسألة قد تكون مرتبطة بالاستعداد الوراثي للرغبة في تحريك الجسم، وعليه يمكن أن تؤدي الحركة الإضافية إلى زيادة معدل التمثيل الغذائي في الجسم أو معدل الطاقة التي يستهلكها الجسم على مدار اليوم، بمعزل عن التمارين الرياضية.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت ميلانسون إنه كلما تحركنا أكثر، كلما زاد عدد الميتوكوندريا داخل خلايا العضلات، ما يعني حرق المزيد من السعرات الحرارية.

ضبط النفس

اعتبرت أستاذة التغذية كاثلين ميلانسون أنه قد تكون هناك اختلافات فيزيولوجية تسمح لبعض الأشخاص بالتحكم بشكل طبيعي بعدد السعرات الحرارية التي يستهلكونها، دون ممارسة ضبط النفس بشكل كبير، إذ تتفاعل العديد من إشارات الجهاز العصبي والهرمونات لتخبرنا عندما نشعر بالجوع أو الشبع: "هذا يسمى بالنظام التنظيمي للشهية، وقد يكون أكثر حساسية لدى بعض الناس من غيرهم".

واللافت أن أحد الهرمونات المهمة المشاركة في هذا النظام هو هرمون اللبتين، الذي يساعد في تنظيم كمية الطعام التي نريد تناولها على مدى فترات زمنية أطول، وليس فقط في تنظيم الوجبة التالية، لذلك قد يقوم الشخص الذي لديه نظام أكثر حساسية بالتهام الكثير من الطعام، ثم يشعر بالشبع في الأيام القليلة المقبلة ويأكل أقل. بمعنى آخر، يمكن لهؤلاء الأفراد إعادة ضبط توازن طاقتهم بشكل تلقائي، لأن نظام إشارات الشهية لديهم يمكن أن يقول: "حسناً، لدينا طاقة كافية".

في الختام، يمكن القول إن ميلنا إلى زيادة الوزن أو الحفاظ على وزننا ليس محدداً مسبقاً، ولكن المسألة ليست تحت سيطرتنا بالكامل، ففي حين أنه لا يوجد مفتاح تشغيل وراثي يسمح لبعض الأشخاص بتناول كل ما يريدون دون زيادة الوزن، فإن الميل إلى زيادة الوزن في الوقت نفسه لا يرجع بالضرورة إلى الافتقار لضبط النفس، ويبقى الأهم تقبل الذات وأن يكون المرء مرتاحاً مع نفسه.