تواصلت في موريتانيا على الصعيدين المحلي والدولي، تفاعلات القرار الذي أصدره قاضي التحقيق بحق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز و12 من كبار معاونيه وأقربائه ومعارفه، حيث استنكر محامي الرئيس السابق هذا الإجراء الذي حول موكله إلى “نصف سجين”.
وأصدر المدير العام للأمن الموريتاني أوامر بمنع الرئيس السابق ومجموعته الخاضعة لرقابة القضاء من السفر تنفيذاً لقرار قاضي التحقيق، الذي وجه للمجموعة تهماً، بينها تبديد المال العام، وغسيل أموال، ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية،و تبديد ممتلكات الدولة، ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، واستغلال النفوذ، وإساءة استغلال الوظيفة، والإثراء غير المشروع.
ورفع منسق فريق محامي الطرف المدني (الدولة) النقيب إبراهيم ولد أبتي، من مستوى الضغوط لاستكمال مقاضاة المتورطين بملف الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، حيث طالب الفريق الرئيس السابق بالكشف عن “مصدر ثروته الضخمة التي تبجح بها في عدة مناسبات خلال فترة حكمه”.
وشدد فريق محامي الدولة الذي يضم 60 محامياً، التأكيد “بأنه ينتظر من القوانين المعمول بها خاصة فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة للرئيس السابق أن “تضع حداً لعدم المساءلة عن أفعال كهذه أفرغت المؤسسات العمومية من المصداقية”.
وأضاف الفريق في بيان له أمس: “لا شك بأن تقديم أشخاص ضالعين في ملف الفساد أمام النيابة العامة وتوجيه الاتهام إليهم في إطار ملف “الفساد” كان أمراً منتظراً يتوق إليه كل من يصبو إلى أن تكون حماية موارد الدولة والأموال العامة إحدى الأولويات الأساسية في بلد محدود الموارد، حري به ترشيدها، ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء يشكل منطلق مساطر قضائية جديرة بأن تمكن الدولة الموريتانية من جهة من استرجاع الأموال النقدية والعينية الباهظة التي سلبت منها، ومن جهة أخرى معاقبة من ارتكبوا هذه الجرائم البالغة الخطورة التي تم ضبطها ومعاينتها طبقاً للقانون”.
“وفضلاً عن كل ذلك، يضيف الفريق المحامي، يُتوخى من المسطرة الجنائية المقامة اليوم بتهم الفساد وتبديد الأموال العامة وغسيلها في حق مسؤولين عموميين بارزين من بينهم رئيس الجمهورية السابق السيد محمد عبد العزيز، أن تضع حداً لعدم المساءلة عن أفعال كهذه أفرغت المؤسسات العمومية من المصداقية فهددت انسجام المجتمع وتماسكه”.
ولم يعد، والحالة هذه، من المستساغ أن يظل الفاعل الرئيسي يتمتع بحصانة دستورية وهمية للتهرب من المساءلة”.
وقال: “يتعين اليوم على المتهمين وعلى رئيس الجمهورية السابق، خصوصاً الذي صرح بأنه يملك ثروة باهظة أقر بأن مصدرها لم يكن ما تقاضاه من مرتبات وامتيازات منحتها له الدولة، أن يبين من أين له هذا الثراء الفاحش طبقاً لمقتضيات المادة 16 من قانون الفساد”.
وزاد: “مما لا ريب فيه أن الصمت المطبق في مواجهة السؤال الوجيه “من أين لك هذا؟” يشكل خروجاً على ما استوجبه الشرع الإسلامي في مواجهة تهمة أكل الغلول، كما أن المحتجين بهذا السكوت يعتمدون على قراءة تتنافى، نصاً وروحاً، مع مقتضيات الدستور حول ما لرئيس الجمهورية من حصانة إبان قيامه بمهامه الرسمية المسندة إليه، لا في غيرها، وهو كذلك ارتداد ونشاز عما عليه الإجماع دولياً من واجب مساءلة رؤساء الجمهورية عما ارتكبوه من جرائم الحق العام أثناء توليهم لمناصبهم”.
“وفي مستهل هذه المسطرة القضائية، يضيف المنسق، لا يسع فريقنا إلا أن ينوه بما تبذله البلاد من مساع وجهد يرمي إلى استرجاع الدولة الموريتانية ما سُــلب من أموال، وذلك من خلال استخدام آليات قانونية واضحة في جو تطبعه السكينة، ويحترم فيه القانون شكلاً ومضموناً طبقاً لما به العمل في دولة القانون والحق، وتشبثاً بما يحكم مهنة المحاماة من أخلاق وواجبات وثوابت مهنية سيواصل فريقنا بالوسائل القانونية المتاحة وأمام المحاكم الوطنية والأجنبية القيام بكل إجراء من شأنه أن يمكن بلادنا من استرجاع ما بدد من أموال نقدية كانت أو عينية، إضراراً بالدولة الموريتانية”.
وفي الخضم نفسه، علق محامي الرئيس السابق محمد أشدو على ما صدر بحق الرئيس السابق من قرار يقضي بمتابعته: “نرى، ويرى كل من له عقل، وكثير من الرأي العام الذي بدأ يعي ويفيق، أن سيل التهم التي تحدث عنها السيد وكيل الجمهورية في بيانه والدعاوى التي وجهها، إنما هي تهم ودعاوى سياسية وكيدية بامتياز بغية تشويه سمعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه وعهده الوطني التقدمي ومنعه من ممارسة السياسة، وبغية تشويه سمعة القضاء أيضاً، ولا أصل لها ولا فرع من القانون والوقائع”.
وقال: “ومن أغرب ما رأيناه خلال هذه الأيام مما يجري في هذا الوطن العزيز، أن وكلاء الجمهورية والقضاة فيه عن القانون وعن مواده، يتجاهلون ويخرقون ويدوسون ويمزقون الدستور ومواده الآمرة الصريحة وهو أبو القوانين، وميثاق الأمة، الذي يشكل خرقه جريمة معاقبة وخيانة عظمى”.
وتساءل المحامي: “أو ليست المادة 93 نصاً دستورياً، وتقول بالحرف الواحد: لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية. فمن لا يحترم الدستور لا يحق له أن يتكلم عن القانون!، إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان وما يزال، وسيبقى، متمسكاً بالشرعية وبالدستور الذي ظل يحترمه ويصونه؛ وخاصة ترتيبات المادة 93 التي تحصنه من المساءلة، وتمنع منعاً باتاً تحريك أي دعوى عمومية ضده من طرف القضاء العادي”.
وضمن ردود الفعل الدولية على هذه الأحداث التي تشهدها موريتانيا، وصف المبعوث الأمريكي الخاص إلى منطقة الساحل السابق بيتر فام، اتهام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ووزيريه الأولين وعدد من المسؤولين بالفساد، بأنه “تغير إيجابي استثنائي”.
وأضاف المبعوث الأمريكي في تغريدة هي أول تعليق من دبلوماسي أمريكي على ملف الفساد: إن نما حدث يدخل ضمن التغيرات الإيجابية في موريتانيا منذ تولي الرئيس محمد ولد الغزواني للسلطة قبل عامين”.