بعد سبعة أشهر من تحقيقات شرطة الجرائم الاقتصادية بإشراف النيابة العامّة؛ دخل ما بات يعرف بملف العشرية تطورا جديدا وحاسما في مساره القضائي تمثّل في استدعاء المشمولين بالملف للمثول أمام وكيل الجمهورية.
تطور جديد نتجت عنه موجة من الإقالات من مسؤوليات وزارية وإدارية واقتصادية وحزبية لشخصيات تسلّمت استدعاءات من النيابة العامّة. مرحلة جديدة قد تأخذ بعض الوقت، على ما يبدو، نظرا لعدد المشتبه بهم إذ يقدّر عددهم بحوالي 50 شخصا وكذلك تعقد وتداخل ملفات التحقيق.
مبادرة برلمانية
التحقيق بدأ على مستوى البرلمان بطلب من نواب المعارضة في ديسمبر 2019 نال دعم جميع الكتل ما أدّى إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بالإجماع في 30 يناير 2020 مكلّفة بالتحقيق في سبعة ملفات مرتبطة بفترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بين عامي 2008 و2019 أو ما أصبح يُعرف "بالعشرية".
الملفات تشمل صفقات مع شركات دولية وإفلاس شركات عمومية وصفقات الطاقة وبيع الأراضي العمومية بنواكشوط. لكنّ مشمولات التحقيق توسّعت لاحقا لتشمل ملفات أخرى مرتبطة بالبنية التحية الطرقية والجوية بالإضافة إلى ملف عرض التنازل عن جزيرة بالمحيط الأطلسي.
حظيت اللجنة بدعم واسع من الطيف السياسي والرأي العام، كما أكّد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في مؤتمر صحفي، 6 من مارس 2020 على حياد الدولة تجاه التحقيق وجديتها في تطبيق ما ينتج عنه. لكنّ مؤيدين للرئيس السابق نظَروا للتحقيق باعتباره مجرد "تصفية للحسابات" مع رئيس سابق لم يقبل أن يتقاعد من المشهد السياسي.
الرئيس السابق رفض التعاطي مع اللجنة ورفض تلبية دعوتها له للاستماع إليه، وذلك على عكس وزراءه وكبار المسؤولين في نظامه الذين تتابعوا في تسجيل إفاداتهم أمام اللجنة التي استعانت كذلك بخبرات قضاة محكمة الحسابات وخبراء من مكاتب دراسات دولية.
من البرلمان إلى القضاء
وقد أثمر عمل اللجنة تقريرا مفصّلا في الملفات التي حقّقت فيها، موصية بإحالتها إلى القضاء للتحقيق فيها وهو ما صادقت عليه الجمعية الوطنية في جلسة عقدت يوم 29 يوليو 2020، ليتم تسليم الملف إلى وزير العدل، الذي أحاله، بدوره، إلى قطب مكافحة الفساد بالنيابة العامّة الذي أعلن، في بيان، يوم 5 أغسطس عن تسلّمه للتقرير ومباشرته للتحقيق الابتدائي.
كما أدّى تقرير اللجنة، بالإضافة إلى ذلك، إلى إحداث تغيير حكومي أطاح بعدد من الوزراء الذين وردت أسماءهم في التقرير، وذلك من أجل تفريغهم للدفاع عن أنفسهم كما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية غداة تشكيل الحكومة الجديدة.
النيابة العامّة أوكلت لإدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية بإدارة الأمن الوطني التحقيق في الملف، حيث باشرت من جديد الاستماع للأشخاص الذين وردت أسماءهم في تقرير اللجنة البرلمانية بمن فيهم الرئيس السابق الذي استدعته يوم 18 أغسطس ورفض التجاوب مع المحقّقين متمسِّكا، بناء على نصيحة فريق دفاعه، بحصانته الدستورية عن الأفعال التي ارتكبها أثناء ممارسته للسلطة.
تحقيقات الشرطة شملت مسؤولين ورجال أعمال تم اعتقال بعضهم لعدة أيام، كما صادرت عدة ممتلكات يعتقد أنها تعود للرئيس السابق ومقرّبين منه وطلبت من المصارف تجميد حسابات عدد ممن وردت أسماءهم في التحقيق.
تحقيق مطوّل
وقد أدّى طول التحقيق لطرح العديد من الأسئلة حول مصير التحقيق، وهو ما دفع الوزير الأول، أثناء عرضه لبرنامج حكومته يوم 27 يناير 2021، للتأكيد على أن التحقيق مستمر متوقّعا أن تتم إحالة الملف للنيابة العامة خلال أيام.
أيام طالت لتتحول إلى أسابيع، ولم يتم تحريك الملف إلا بعد ظهر 8 من مارس، من خلال استدعاءات وصلت إلى المشتبه بهم للحضور في صباح اليوم التالي إلى إدارة الأمن الوطني التي تولّت نقلهم في أفواج إلى قصر العدل حيث يواجهون النيابة العامّة.
تطوّرات غير مسبوقة في التاريخ الموريتاني، ينظر إليها البعض باعتبارها تحقيقا تم بحرفية عالية على مستوى السلطة التشريعية وانتقل إلى السلطة القضائية التي تعاملت معه بمهنية دون أن يكون للسلطة التنفيذية دور فيه على عكس ما كان يجري في السابق. لكنّ شبهات التسييس لا تزال حاضرة لدى البعض من أنصار الرئيس السابق وكذلك لدى آخرين يتحدثون عن أنّ الملف قد لا يسفر عن شيء وأن يجرى ليس سوى ذرٍّ للرماد في العيون..
نقلا عن الصحراء