ملف الفساد يصل لمرحلة الاتهام وأقارب الرئيس السابق يتظاهرون

10 مارس, 2021 - 13:13

تخلى الموريتانيون عن انشغالاتهم لمتابعة مجريات التحقيق في ملف الفساد الذي يتورط فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من أقطاب نظام حكمه وأقربائه.

وواصل قطب التحقيق في النيابة العامة بولاية نواكشوط الغربية الأربعاء الاستماع لبقية المشمولين بالملف بعد أن استمع الثلاثاء لعشرة منهم.

واستمع قطب التحقيق، حسب مصادر مقربة من الملف، لكل من الوزير الأول الأسبق يحيى ولد حدمين، والوزير الأول الأسبق محمد سالم ولد البشير، ووزير الاقتصاد والمالية السابق المختار ولد اجاي، ووزير التهذيب الوطني السابق با عثمان، ووزير التجهيز والنقل السابق محمد عبد الله ولد الوداعه، وزير الصيد والاقتصاد البحري السابق الناني ولد اشروقه، ووزير البترول والطاقة والمعادن الأسبق الطالب ولد عبدي فال، والمدير السابق للميناء نواكشوط المستقل حسنه ولد اعل، والمدير العام للشركة الموريتانية للكهرباء محمد سالم ولد أحمد الملقب، ورجل الأعمال المقرب من الرئيس السابق محمد الأمين ولد بوبات.

وتجري هذه التحقيقات في ظل إجراءات أمنية مشددة، ومع أن الوضع هادئ، فقد لوحظت ضحى الأربعاء تظاهرة صغيرة لمجموعة قليلة من أقرباء الرئيس السابق، كانت ترفع وتنادي بشعارات منها “لا لتصفية الحسابات؛ لا للاستهداف القبلي، لا لظلم الرمز القائد عزيز”.

وقضى الرئيس السابق ومجموعته ليلة الأربعاء بإدارة الأمن بينما سمح الأمن للنساء المشمولات بهذا الملف بالمبيت في بيوتهن.

وأكد فريق الدفاع عن الدولة أن “الملف وصل إلى مرحلة الاتهام وأنه يسير بشكل طبيعي بعد إحالته رسميا إلى القضاء”.

وأكد المحامي إبراهيم ولد أبتي في تصريح لوكالة “الأخبار” الموريتانية المستقلة “أنه ينتظر قرارات وكيل الجمهورية بوصفه الوحيد المخول قانونيا بتوجيه الاتهامات إلى المشمولين في هذه القضية”.

وبدأت جلسات الاستماع إلى المشمولين في الملف من طرف قطب نيابة مكلف بالفساد يتألف من وكيل الجمهورية ونائبيه، ثم قطب تحقيق مكلف الفساد مكون من قاضي تحقيق رفقة قاضيين آخرين.

ووفقا لخبراء متابعين للملف، فإن المتوقع هو أن يوجه القضاء اتهاما لبعض المشمولين مع إيداعهم السجن، وأن يوضع آخرون تحت المراقبة القضائية، فيما قد يتم حفظ الدعوى الخاصة بالبعض الآخر.

هذا وتابع كبار السياسيين والمدونين الموريتانيين مجريات وتطورات تحريك ملف القضاء، حيث أكد الدكتور أبو العباس ابرهام أن “ما حصَل في موريتانيا في العشرية الماضية لا يُشبِهُه إلا حالات معينة من الحُكم العسكري الملبرَل في أمريكا الجنوبية (عندما يقوم أحد الـCaudillo بالاستثراء؛ أو في بعض الفساد الإفريقي كما في توغو أياديمي)، وهو أنّ رئيس الدولة استربَح من أعمال البناء وصفقات الخوصصة”.

وقال “لقد أخذ الصفقات الكبرى على مدى عشر سنوات بنى فيها مشاريع الدولة بدون مناقَصات حقيقيّة وبتربّح فاجِر وبعدم شفافية في هويات شركاتِه، التي أدارَتها أسماء شكلية، حيث قام باحتكار للصفقات، صفقات الطرق والإعمار والتموين، وأرسلَها تباعاً إلى شركاتِه الوهمية، متقاسِماً الأرباح مع شركائه في نفس الوقت الذي يتبجّح فيه سياسياً بالإنجاز، الذي هو في الحقيقة استثمار اقتصادي له”.

وأضاف أبو العباس “لقد أحيط بثُمُرِه، ولكن ما هو أهم هو إنهاء هذا الاقتصاد السياسي الذي خلقَه، فهذا هو غطاء خلدوني لصعود رجال أعمال مزيفين ليس لهم من رأس مال إلا العلاقات، وأحياناً القرابات، مع رجال الدولة، ولا يبدو أنّ هذا الاقتصاد السياسي قد توقّف، بل يبدو مستمِّراً من خلال حلقة أخرى من صعود رجال الأعمال الجدد والحفاة الذين يتطاوَلون في البنيان، فلا بدّ من ثورة هيكلية في طريقة أداء الأشياء ونشرها والنفاذ إلى تفاصيلها وإلا فإنّه، مرّةً أخرى، أمير المؤمنين يأمُر للشعراء من بيت المال”.

وكتب المحامي محمد ولد أمين وهو من وزراء الرئيس السابق قبل أن يتحول إلى أشرس معارضيه “لدى شخص محمد ولد عبد العزيز مشاكل جدية مع القانون، وأحسن مكان لتصفية تلك المشاكل هي سوح القضاء؛ أمره كشخص موكول للقضاء وسيقول فيه كلمته الفصل”.

وعلق الوزير السابق سيدي محمد ولد محم رئيس الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق ضمن معمعان هذه القضية الكبرى قائلا “عجب أن يتحدث البعض عن أكبر عملية تحقيق برلماني وقضائي في تاريخ البلد شملت العديد من الملفات وحجزت فيها تحفظيا عشرات المليارات، على أنها مجرد تصفية حسابات شخصية بين رئيس سابق وخلفه في السلطة”.

وأضاف “رغم أن الكل يتحدث عن عمليات فساد كبيرة خلال الفترة الماضية، وقد أشار التحقيق إلى بعضها، ورغم أن الرئيس السابق يتحدث بعد خروجه من السلطة عن حيازته لأموال طائلة جدا دون إفصاح عن مصادرها وهو ما يدفع إلى الاشتباه لكون الرجل لم يمارس نشاطا ربحيا بشكل معلن، وظل خلال مساره المهني في وظائف وأسلاك يمنع على من يشغلها التربح، فإن البعض ما زال يتحدث عن هذا الملف دون إدراك لأبعاده وما يمثله من تحول في آليات وطرق وإرادة الحرب على الفساد”.

وقال “إن علينا النظر بتوازن وواقعية، وأن ندرك أننا نعيش لحظات مهمة من تاريخ الحرب على الفساد في هذا البلد، وأن هذا الملف بدأ برلمانيا وانتهى بيد القضاء دون أي تدخل من السلطة التنفيذية مطلقا؛ والكرة الآن بيد القضاء الذي لا يشكل مجرد المثول أمامه نقيصة ولا منقصة من أحد، فكل متهم بريء حتى تثبت إدانته، هذا إذا وُجه إليه الاتهام أصلا”.

وأكد في الأخير “نتمنى صادقين أن يقدم قضاؤنا تحقيقا بمصداقية عالية، ومحاكمة عادلة للمتهمين، وأحكاما لا تستهدف متهما ولا تحابيه، وأن يُعيد للشعب ما نهب من ممتلكاته”.