موريتانيا: مخاوف من تأثير رياح التطبيع

21 سبتمبر, 2020 - 12:52

تواصل الحكومة الموريتانية، حسب مصادر مقربة من مطبخ القرار، مقاومة حازمة ذات نفس طويل، للضغوط والإغراءات التي تقوم بها الأنظمة المنجرفة وراء التطبيع، وذلك بعد أن سجلت غياباً مشرفاً عن حفل الإعلان الرسمي للتطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل.
ورغم ذلك، تعكس إدراجات كبار الساسة والمدونين مخاوف من رياح التطبيع الهابة هذه الفترة والذي تسعى الولايات وحلفاؤها في السعودية والإمارات والبحرين، لتسويقها بشتى الطرق.
وكان مصدر في وزارة الخارجية الموريتانية قد سرب لوسائل إعلامية محلية ولمدونين مقربين من نظام الرئيس الغزواني تكذيباً لترشيح موريتانيا للتطبيع القريب مع إسرائيل، حيث أكد «بأن موريتانيا غير مقبلة على التطبيع مع إسرائيل» وأنه «لا وجود لأي ترتيبات أو استعدادات بهذا الخصوص».
وأشار المصدر إلى «أن ما يروج له بعض خصوم النظام مجرد شائعات لا تقوم على أي أساس».
ويؤكد هذا الموقف أن نظام الرئيس الغزواني قد استفاد من دروس مقاومة قرار التطبيع الذي اتخذه الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع بضغط أمريكي عام 1999 والذي قوبل برفض شعبي واسع قبل أن يؤدي لسقوط نظام ولد الطايع عام 2005.
ولم يخف إسلاميو موريتانيا المنضوون في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية كامل تخوفهم من تأثر موريتانيا بإرهاصات التطبيع، حيث ذكرت قيادتهم السياسية، في بيان نشرته الجمعة، «بموقفهم الثابت من قضية الأمة الأولى، وبحالة الإجماع الوطني الرافض للمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة».
وحذر البيان «من الانجرار وراء أنظمة التطبيع المسايرة لمخططات المحتل وحلفائه بهدف تصفية القضية خدمة لمصالح الكيان الصهيوني الغاصب».
وضمن التدوينات التي يغص بها هذه الأيام عالم التدوين، كتب الوزير السابق سيدي محمد ولد محم: «متى يدرك الإسرائيليون أن مشكلتهم الكبرى في جوهرها ليست مع الإمارات أو البحرين، ولا مع أي من الدول العربية باستثناء تلك التي يحتلون أراضيها في فلسطين وسوريا ولبنان، ومتى يعون أنه لا حاجة لهم بتوقيع اتفاقيات سلام معها لأنها ليست في حالة حرب معهم منذ مؤتمر مدريد».
وقال: «إنكم أيها الإسرائيليون تغالطون أنفسكم وتغالطون العالم بالقول إن الفلسطيني لا يريد السلام، في الوقت نفسه الذي يدرك فيه الجميع أن الفلسطينيين هم أكثر شعب سعى إلى السلام معكم وقدم التنازل تلو التنازل دون أي مقابل يذكر، وأنهم لا يطلبون الآن أكثر من تنفيذ اتفاقيات السلام التي وقعتم معهم وبإشراف وحضور وشهادة دولية».
وأضاف: «بذكائكم تدركون أن الجغرافيا ليست في صالحكم، وكذا الديموغرافيا ليست في صالحكم، والفارق الذي يعطيكم التفوق عسكرياً وتكنولوجياً يتقلص مع الوقت، وميزان القوة متغير في كل أبعاده، واستراتيجية الصراع ومعادلاته لا تُبنى وفق حسابات انتخابية آنية في إسرائيل أو الولايات المتحدة، وبالتالي فإن عليكم بناء سلام عادل وحقيقي قابل للبقاء مع محيطكم يبدأ بإنهاء الاحتلال ورفع الاستيطان من كل الأراضي العربية المحتلة، ومنح الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته كاملة السيادة على أرضه».
«عدا ذلك، يضيف الوزير ولد محم، فإنكم قد تكسبون معارك محدودة هنا أو هناك، لكنكم لن تحسموا الصراع لصالحكم مطلقاً، بل ستطيلون من أمده وتغامرون بدفع مستقبلكم ومستقبل المنطقة نحو المجهول».
وقال: «أما القيادات الفلسطينية، فإن عليها التعاطي مع مستجدات الصراع بحكمة وتعقل، وألا تنجر إلى فخ الصراعات العربية، مدركة أنها قد تخسر بعضاً من الدعم العربي مؤقتاً دون أن تقبل بخسارة العلاقة مع أية دولة عربية ولا الانسحاب منها لصالح إسرائيل، بل عليكم العمل على استعادتها مهما كان الثمن، فلا يعقل أن تعمل إسرائيل جهدها ليلاً ونهاراً لفتح مكاتب وسفارات لها في دول ظلت تُصنف معادية لها في وقت تسحب فيه السلطة الفلسطينية ممثليها من دولة عربية تحت أي ظرف ومهما كان الحال».
وكتب مدير تحرير وكالة «الأخبار» الموريتانية، هيبة الشيخ سيداتي: «رفضت القوى الحية في الشعب الموريتاني تطبيع نظام ولد الطايع، وأجمعت على محاصرة سفير الكيان الصهيوني حتى سقط ولد الطايع وطرد السفير صاغراً».
وقال: «التطبيع شؤم، والإقدام عليه انتحار سياسي وعزلة عن المجتمع؛ من يتوقع من التطبيع دعماً مالياً يعيش الوهم، فالصهاينة ليس عندهم ما يعطوه، وداعموهم في أزمات خانقة، ولن يبارك الله في مال سببه التطبيع، ولن يجلب الصهاينة لبلدنا سوى الأزمات والمشاكل، ومن ينصح نظام غزواني بالتطبيع يحاول إضعافه وإسقاطه من عيون الشعب».
ومن داخل الصف المؤكد للانجرار الموريتاني وراء أنظمة التطبيع، كتب المدون الموريتاني النشط الشيخ الحضرمي: «عرض بن سلمان على الرئيس غزواني أثناء زيارته للسعودية ترتيب لقاء مع رئيس وزراء العدو، وقيل إنه اعتذر عن ذلك منتظراً أن يصبح التطبيع سياسة عربية، واعتقد أن موقف الجامعة العربية الأخير يوحي بأن التطبيع أصبح سياسة عربية، ثم إنه من غير الوارد أن يرفض الرئيس أمراً أصبح سياسة معلنة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن المؤكد أن التطبيع تحت الطاولة لم ينقطع أصلاً؛ وموريتانيا أيدت رسمياً قرار الإمارات التطبيعي، يمكن أن تتحجج الحكومة في الوقت الراهن بأن إعلان التطبيع سيلحق ضرراً كبيراً بسمعة النظام في الداخل، وسيشكل ضغطاً كبيراً عليه ويرفع من أسهم خصومه، وهي حجج مقبولة لتأجيله حتي يقف النظام على رجليه، وفى كل الأحوال يظل التطبيع أمراً حتمياً بالنسبة لنا».