ولد عام 1943 في محلة الزيتون في غزة، ودرس فيها مختلف مراحل التعليم، قبل أن تحتضنه موريتانيا في قلبها نصف قرن، إذ قد وصل إليها قبل خمسين عاماً بعد نكبة 1967.
إنه الفلسطيني الشهم مازن نجاتي، أستاذ مادتي العلوم الطبيعية واللغة الإنكليزية، الذي توفي أمس في نواكشوط بعد ثلاث وخمسين سنة قضاها مصباح علم يتجول بين فصول وأقسام ثانويات موريتانيا.
وقد درّس مازن نجاتي جيلاً كاملاً من أبناء موريتانيا، حيث بكاه طلابه بعد أن دفن أمس في أديم موريتانيا بعيداً عن أرض فلسطين التي أنجبته سراجاً أضاء مدارس أبناء شنقيط.
وسبق له أن أكد، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، أنه «كان يدرّس 36 ساعة في الأسبوع خلال بعض مراحل عمله في قطاع التعليم في موريتانيا».وممن أسف عظيم الأسف على رحيل الأستاذ مازن نجاتي، القاضي الموريتاني محمد المختار الفقيه الذي كان له الفضل في استصدار الجنسية الموريتانية للسيد مازن.
وكتب أمس عن ذلك يقول: «الأستاذ مازن نجاتي البكري فلسطيني قدم إلى هذه البلاد بعد نكسة 1967 حاملاً معاناة فقدان ما تبقى من فلسطين على ظهره».
وقال: «احتضنت موريتانيا مازن كما احتضنت غيره من فلسطينيي الشتات لا مناً ولا صدقة، بل التزاما بالواجب الديني والقومي، فكانوا أوفياء حيث جادوا بما يملكون من علم وخبرة، فتخرجت على أيديهم أجيال من المتعلمين».
وأضاف: «جاءني الأستاذ مازن، رحمه الله تعالى، ذات يوم من العام 2016 في مكتبي متابعاً طلباً للتجنيس قدمه منذ سنوات كغيره من الإخوة الفلسطينيين الذين طالت غربتهم بين ظهرانينا… حكى لي عن حياته وعن معاناته مع انعدام الأوراق المدنية وحاجته للسفر للعلاج، فبذلت ما في وسعي حتى وفقني الله تعالى لاستصدار مرسوم تجنيسه، فهاتفته مبشراً، فحضر إلى مكتبي ومعه ابنته من زوجته الموريتانية المنحدرة من ولاية لعصابة كما قال، فسلمته المرسوم الرئاسي».وقال: «لم ألتقه بعدها حتى بلغني اليوم نعيه، تغمده الله تعالى بواسع رحمته».
وأكد الدكتور أبو العباس إبرهام، أحد طلاب نجاتي، في تدوينة تأبينية لأستاذه أمس: «درسني الفلسطيني مازِن نجاتي مادّة العلوم الطبيعيّة في إعدادية تفرغ زينة في نواكشوط؛ وقد حُوِّل لاحِقاً؛ ولكن بقي بيننا وبينَه تواد وتواقُف، خصوصاً أنّني كنت ألقاه يومياً في الأحياء».
وقال: «درّسني عدّة فلسطينيين في مساري التعليمي، وأوّل معلِّمة ابتدائية لي، ولمدّة سنتيْن، كانت فلسطينية ولم نكن نقول لها غير «سيِّدَتي» أما ابنتاها، رشاء وسناء، فرغم أنّهما كانتا أصغر قليلاً منا وكان الصفّ روضة لا صفاً لهما على الحقيقة، فإنّهما كانتا تاج المجالس، وكان يتعيّن الحذر من الوقوع في خاطِرهما، وقد درّسني لاحِقاً، ووجيزاً أيضاً الثوري عبد الرحمن فؤاد، الغاضِب أبداً، الذي كان يعدّ الصفّ بعد المناداة بالأسماء ثمّ يصرُخ «فيه حمار زيادة» قبل أنْ ينهال على الدخيل بصفعة وركلة».وأضاف: «كان هؤلاء الفلسطينيون قد قدِموا إلى موريتانيا منذ منحتهم الحكومة الموريتانيّة التغطية وجوازات السفر في السبعينيات، وقد انقسَموا إلى متعاونين أمنيين، أفقنا عليهم في مدرسة الشرطة وفي التدريبات العسكرية، وسرعان ما قفَل هؤلاء إلى السلطة الفلسطينية والتحقوا بأدوارِها الأمنية بعد أوسلو، أمّا الأبقى أثراً فبقوا يُمارِسون التعليم والتجارة والأعمال الهندسية والتقنية».
وأضاف الدكتور أبو العباس: «كانوا أفقَر من بقيّة أبناء الشام، وبالأخصِّ اللبنانيين، الذين وجدوا فُرصاً في الأعمال، أمّا أولادهم فكانوا عملياً موريتانيين وكانوا أصدِقاءنا اليوميين، وكنّا نُقارِن بين أمزجة الجيل الأوّل، فعبد الرحمن فؤاد كان صنديداً؛ أمّا مازِن فكان خفيف الهوى، ليِناً، مع غضبة خفيفة في مسائل التنظيم والاحترام، وقد حظي باحترام الجميع وكان بمعنى ما من المعاني، شخصية وطنية، وها يترجّل اليوم».
وأسف المدون سيدي محمد على وفاة مازن نجاتي قائلاً: «كان الأستاذ والأب الوقور الحنون، كان الكل يجله ويقدره ويحبه لطيبته وتعففه، وكان قومياً عربياً حتى النخاع، وفتحياً يسارياً، وكان ابنه نجاتي وبناته يدرسون معنا».
وأضاف: «كان حب فلسطين الأبية في قلوبنا، رحم الله أستاذيّ، مازن وأبو داود الفلسطينيين، اللذين ربيانا على حب فلسطين وعلى الدفاع عن الحق والوقوف في وجه الظالمين».
القدس العربي