الصحافة والمشاهير في موريتانيا: علاقة متأزمة

30 يوليو, 2020 - 21:07

تتسم العلاقة بين الصحافيين ومشاهير المجتمع في موريتانيا بالشدّ والجذب. ويغلبُ عليها، في الكثير من الأحيان، الصراعات وتضارب المصالح، خاصّة حين يحصل الصحافي على معلومات مهمة، أو يصل إلى خبر مهم سيخدم مسيرته المهنيّة. حينها، لا يتوانى عن نشره وإضافة بعض البهارات إليه ليكون أكثر إثارة، فتتحوَّلُ العلاقة بين الطرفين إلى عداوة وتنافُر. ويعمد كل منهما إلى تصيُّد الأخطاء، والبحث عما يقضي على مستقبل الطرف الآخر. وتوجد في موريتانيا نماذج كثيرة للقضايا التي أثارت عداوةً بين الصحافيين ومشاهير المجتمع. أشهرها، قضية هيئة خيرية كانت ترأسها حرم الرئيس السابق، ختو بنت البخاري، والتي كشفت الصحافة الموريتانية عن خبايا تمويلها، وحفرت بعيداً، باحثة عن أسرار السيدة الأولى التي فرضت نفسها على المشهد السياسي في موريتانيا، ولعبت دوراً محوريّاً في الحملة التي قادت زوجها، سيدي ولد الشيخ عبد الله، إلى الحكم.
وتعتبر ختو بنت البخاري السيدة الأولى الأكثر إثارة للجدل من بين "رئيسات" موريتانيا، بسبب نفوذها القوي إبان حكم زوجها، وتدخلها في شؤون الدولة، والتمويلات التي تمنحها الدول والمؤسسات لموريتانيا. وظهرت في وسائل الإعلام تعرض مشاريعها وآراءها في القضايا الاجتماعية. وأنشأت هيئة خيرية باسمها، وجلبت التبرُّعات والتمويلات لهيئتها بفضل علاقاتها الواسعة.
ودخلت في صراع مع الصحافة التي انتقدت تزايد نفوذها، واتّهمتها بالفساد المالي، واستغلال السلطة بنشر وثائق وأسرار عن الهيئة التي ترأسها. وانتقل صراعها من الصحافة المحلية إلى الصحافة السنغالية. مما تسبب في تزايد خلافها مع جنرالات الجيش التي قادت انقلاباً عسكرياً أنهى حكم أول رئيس منتخب ديمقراطياً في موريتانيا.
وبعد الإطاحة بحكم زوجها، واجهت بنت البخاري أوقاتاً عصيبة بسبب ما نشرته الصحافة واقتحَمَت الشرطة منزلها عدة مرات، واقتادتها قسراً إلى التحقيق. وتمَّ تجميد جميع الدعاوي القضائية، بعد أن توصّل الفرقاء السياسيون في موريتانيا، إلى اتفاق يقضي باستقالة الرئيس وتنظيم انتخابات جديدة.
ومن أهمّ القضايا والأسرار التي أذاعها الصحافيّون الموريتانيون عن حياة المشاهير في موريتانيا، تلك المعلومات التي نشرتها الصحافة الموريتانية عن صفقات سرية قام بها وزير النفط السابق، زيدان ولد احميده، في عهد الرئيس السابق، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
واجتهدت عدة صحف موريتانية في كشف خبايا الملف، وتوصّلت إلى معلومات خطيرة تؤكّد أن الوزير قام بصفقات سرية مع شركات نفط أجنبية لاستخراج النفط، واستغلالها في موريتانيا مقابل مبالغ مالية زهيدة تدفع للدولة، وملايين عديدة تدخل في حسابه الشخصي.
وكشفت تحقيقات الصحافيين، الكثير من التفاصيل حول التلاعب الكبير الذي كان حقل النفط يتعرَّض له في ظل النظام السابق. ونشرت الصحف الصفقات المشبوهة التي أبرمها الوزير مع شركات أجنبية عاملة في مجال النفط، وتفاصيل جلسات توقيع الاتفاقات التي تلحق أضراراً جسيمةً بموريتانيا على مستويات عدة مادية وبيئية، وذلك من خلال عقود تقاسم النفط مع هذه الشركات وملاحقها التي أعطت تلك الشركات صلاحيات واسعة جعلت من شبه المستحيل على الحكومة الموريتانية مراقبة أعمالها، وجعلها أشبه ما تكون بدولة داخل الدولة.
وتم توقيف الوزير واستجوابه من طرف شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية، إلا أنه استطاع التنصل من المسؤولية عن توقيع هذه الاتفاقيات، باعتبار أن النظام السابق هو المسؤول عنها. ورد الوزير على اتهامات الصحافيين له، بأنّه كان مأموراً ضمن حكومة. فهو، بالتالي، ليس مسؤولاً عن أي ضرر قد تسببه تلك الاتفاقات بموريتانيا. وبمساعدة بعض الأطراف الضالعة في عمليات التلاعب بثروات البلد، استطاع الوزير أن يتوصل إلى اتفاق مع الحكومة، وتم تعديل تلك الصفقات بشكل يمكن موريتانيا من استعادة حقوقها التي فرّط فيها النظام السابق ووقف التحقيق مع الوزير.

العربي الجديد