عبودية الأطفال في موريتانيا... أجيال تبحث عن الحرية

12 يوليو, 2020 - 16:18

تتواصل ظاهرة استعباد الأطفال في موريتانيا رغم إلغاء العبودية عام 1981، وتجريمها لاحقا بصدور القانون رقم 048 في 3 سبتمبر/أيلول 2007 المتعلق بتجريم الرق وقمع الممارسات الشبيهة بالرق، ثم القانون رقم 031 لسنة 2015 والذي نصت مادته الثانية على أن "الاستعباد يعتبر جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم".

الثلاثينية فاطمة المبروك، والدة الطفل "محمد العبد" ذي التسعة أعوام، الذي أطلق عليه سيده هذا اللقب "كانوا يعهدون لمحمد برعاية الغنم. فيما كنت أزاول الرعي والسقاية وطهي الطعام، وكل الأعمال المنزلية الأخرى، كغسيل الملابس واستجلاب الماء من الآبار، دون أن نحصل على أي تعويض مادي غير السماح لنا بالأكل والشرب".
‍ظل محمد ووالدته وشقيقته مريم (5 سنوات) يعانون لسنوات من نير العبودية قبل أن يتحرروا من ظلم الأسياد، كما تقول والدته لـ"العربي الجديد"، وتضيف: "ابني أصغر ضحية للعبودية بولاية الحوض الشرقي".

استعباد فاطمة وأطفالها

ولدت فاطمة وهي مملوكة لأسرة ملكت بعد ذلك طفليها، وظلت هكذا تعمل بلا أجر كما كانت أمها تفعل حسب قولها. "صحيح أننا لم نكن نتعرض للضرب لكننا عبيد".

ويتم استغلال الأطفال القصر في جميع المهام المنزلية مثل جلب المياه ورعي الماشية وتعهد صغارها، كما يتم تأجيرهم لمشغلين آخرين ويأخذ الأسياد أجرتهم، وفق تأكيد رئيس منظمة مشعل الحرية المعلوم ولد محمود.

يضيف ولد محمود لـ"العربي الجديد": "في مقاطعة النعمة عاصمة محافظة الحوض الشرقي توجد قبائل من قوميات مختلفة، وبعض عائلاتها تمارس العبودية على البالغين وأطفالهم".

شوق إلى الحرية

نال طفلا فاطمة، محمد ومريم، الحرية في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بعد مساعدة منظمة مشعل الحرية، التي سبق لها أن تلقت بلاغات من مكاتبها في مقاطعات وعواصم الولايات الموريتانية عن استعباد عائلات بكاملها في الحدود الموريتانية مع مالي، كما يقول أمين عام منظمة مشعل الحرية، الشيخ الراجل عاليون.

بؤر العبودية في موريتانيا

 تشكل ولايتا الحوض الشرقي والحوض الغربي، الحدوديتان مع مالي، إحدى أكبر البؤر التقليدية للعبودية في موريتانيا، حيث كرست الحروب التقليدية، التي كان تدور رحاها بين القبائل والمجموعات العرقية والغارات والهجمات المتبادلة بين تلك القبائل خلال القرن الـ18، فرصة لسبي الأفراد من قبل المجموعات القبلية التي كانت تشكل قوة ضاربة حينها، وفق ما يؤكده الدكتور أحمد ولد حبيب الله، أستاذ التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، لـ"العربي الجديد".

قبائل تقليدية لا تزال تحافظ على جزء كبير من ثقافتها التقليدية المرتبطة بامتلاك العائلات لعبيد، أورثهم الأجداد للأبناء إلى وقت قريب، فيقال بالدارجة "الحسانية" عبيد أهل (فلان)، ومعناها عبيد أسرة أهل (فلان)، ما يجعل من عبودية الأطفال موجودة بحكم امتلاك بعض العائلات للعبيد تركة من آبائهم، من بين تلك العائلات أطفال يشبون تحت نير العبودية الممارسة على آبائهم وأماتهم. كما يقول أحمد ولد حبيب الله.
وهو ما حدث مع فاطمة التي قالت إنها تزوجت من رجل حر وأنجبت منه طفليها محمد ومريم، لكن بما أنه ابن مستعبدة لا يستطيع الأب مساعدته، ويُمارس عليه ما يمارس على أمه وجده قبل ذلك، ما لم يعتقهم السيد بوثيقة مكتوبة بخط يده أو يشتري العبد حريته بالمال من سيده، أو يتمرد ويهرب وفق تأكيدها.
‍لا تتوقف الظاهرة على تلك المناطق، إذ توجد الظاهرة حتى في نواكشوط وما يبعد عنها مثل كيفة (600 كم إلى الشرق من العاصمة) وبوتلميت في ولاية الترارزة، وإن كانت منتشرة كلما اقتربنا من الحدود مثل النعمة بولاية الحوض الشرقي، كما يقول الحقوقي إبراهيم بلال رمضان، رئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم والسلم الاجتماعي.

الولايتين ومن أهم مطالب منظمة مشعل الحرية، التي تناضل من أجل دفع السلطات والجهات القضائية إلى تحقيقها، تخليص أمهات وأخوة وأخوات من ساعدتهم من العبيد، والذين يتواجدون حتى الساعة لدى أسيادهم في القرى والأرياف على الحدود الموريتانية مع مالي، كما يقول أمين عام منظمة مشعل الحرية، مشيرا إلى أن معظم العائلات التي ما تزال تمتلك العبيد يتنقلون من منطقة إلى أخرى، بحثا عن الماء والمراعي الخصبة لمواشيهم، كونهم يعتمدون في نشاطهم على تنمية الثروة الحيوانية.

وتعمل مكاتب المنظمات الحقوقية في مقاطعات وعواصم الولايات الموريتانية على التحري وجمع المعلومات حول حالات الاستعباد للقصر والبالغين، فضلا عن إرسال مخبرين أحيانا للتأكد من أن هناك ضحايا عبودية، قبل إبلاغ الجهات المختصة بذلك، وفق المعلوم ولد محمود.

قانون لا يطبق

المادة السابعة من القانون رقم 031 الصادر 2015

"كل من استعبد غيره أو حفزه على التخلي عن حريته أو شرفه بغية استعباده، أو استعباد من يعيله، أو من هو في وصايته؛ يعاقب بالسجن من 10 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من 250 ألف أوقية إلى 5 ملايين أوقية (من 6594 إلى 131 ألف دولار)".

"محاكم الاسترقاق المستحدثة للنظر في الجرائم المتعلقة بالعبودية، في مدن نواكشوط، نواذیبو، والنعمة، ولدت ميتة، لعدم تضمنها نيابة خاصة ولا جهة ضبطية، إذ عندما يتعلق الأمر بحالة استعباد يظهر غياب إرادة العدالة والدولة في متابعة الموضوع حتى النهاية".

مدانون خارج السجون

يعترف أحمد سالم ولد بوحبيني، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الحكومية، بأن لجنته سجلت 12 حالة رق، من بينهم أطفال خلال عملية رصد ميداني في مختلف مقاطعات ولاية الحوض الشرقي جرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مستدركا في إفادته لـ"العربي الجديد": "لا يوجد أسواق للعبيد في موريتانيا، والفكرة التي يتبناها المجتمع الدولي حول ذلك غير صحيحة ومبالغ فيها".

لكن محامي منظمة نجدة العبيد الحقوقية العيد ولد أمبارك، يعتبر اعتراف اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بحالات العبودية تلك لا يشكل حصرا كاملا لها، قائلا إن منظمته سجلت أكثر من 63 حالة عبودية لأطفال، يعودون لأكثر من 35 أسرة، قضاياهم لدى محاكم الاسترقاق في مدينة نواكشوط وولاية الحوض الشرقي ومدن نواذيبو وتيرس زمور.

سكان والغريب في الأمر كما يقول ولد أمبارك، هو عدم وجود متهم محكوم في قضية استعباد في السجن، رغم التحسن الملحوظ في البنية القانونية التي تجرم الاستعباد وتعاقب المستعبدين، مضيفا أن الدور القضائي ما يزال محدودا ومترددا في تطبيق القانون، مع استثناءات قليلة في قضايا تتابعها منظمته في محاكم الاسترقاق بمدينتي النعمة ونواذيبو، مؤكدا لـ"العربي الجديد" على عدم تنفيذ أحكام التعويض لجميع الضحايا باستثناء عائلتين، نتيجة لهرب المتهمين خارج الأراضي الموريتانية إلى مالي.

قضايا موثقة

ومن الذين هربوا إلى مالي، المدانان الشيخ أحمد ولد الصيام وانجيه ولد السبتي قبل صدور حكم قضائي غيابيا ضدهما بالسجن لمدة عشر سنوات، وفقا للمادة 4 من القانون رقم 048/2007 عن محكمة الاسترقاق الشرقية بمدينة النعمة، بتهمة استعباد الشقيقتين سلامة (14 سنة) وميمونة (10 سنوات) ومبارك، وفق منطوق الحكم رقم 02/2019 الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
‍وتضمن المنطوق ذاته تغريم المتهمين مليون أوقية قديمة، والحكم على ولد الصيام بتعويض الضحايا مبلغ 5 ملايين أوقية موريتانية قديمة (131 ألف دولار أميركي) وإلقاء القبض على المتهمين وإيداعهما السجن.

مسؤولية الدولة

ما تزال والدة محمد العبد تنتظر تحريك قضيتها وقضية ابنها محمد من قبل المحكمة، التي لم تعقد جلسة لها حتى اليوم كما تقول، رغم أنها تقدمت بشكوى إلى منظمة مشعل الحرية التي رفعت بدورها ملف قضيتها إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ومن ثم إلى محكمة الاسترقاق بولاية الحوض الشرقي ضد أسيادهم السابقين في يونيو/حزيران 2017.

ويحمل الساموري ولد بي، رئيس حركة الحُر الموريتانية المدافعة عن حقوق أبناء العبيد السابقين المعروفين محليا بـ "الحراطين"، المسؤولية للدولة فيما يتعلق بالتنفيذ وحماية وضمان حقوق الجميع في موريتانيا.

"الوقائع السابقة مخيبة للآمال، وتثير اتهامات بوجود أطراف مستفيدة من استمرار العبودية في السلطات الموريتانية الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية"، يقول عبد الله آبو جوب مسؤول ملف حقوق الإنسان في منظمة انبعاث الحركة الانعتاقية ايرا غير الحكومية، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن تبني الدولة لقانون تجريم العبودية، الذي ما زال حبرا على ورق، يعد نفاقا واستهلاكا دبلوماسيا وسياسيا أمام المجتمع الدولي فقط.

ويرد المحامي أحمد سالم ولد بوحبيني رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الحكومية، نافيا وجود أطراف في سلطات الدولة الثلاث مستفيدة من استمرار الاستعباد، قائلا: "لا يوجد مستفيد من وجود العبودية أيا كان".

وأضاف أن لجنته كمؤسسة دستورية ساهرة على ترقية ثقافة حقوق الإنسان في موريتانيا، تجدد المطالبة بتفعيل الاتفاقيات القضائية المتعلقة بتسليم المطلوبين للعدالة بين الدول، لكي يتسنى تطبيق الأحكام القضائية الصادرة في المدانين في قضايا استعباد. لكن المشكلة في نظره تكمن في عدم التقدم حتى الآن بطلب إلى الدول التي يوجد فيها هاربون مدانون لتسليمهم، في ظل عدم تفعيل الاتفاقيات القضائية لتسليم المطلوبين الموقعة بين موريتانيا وجارتيها السنغال ومالي.

المصدر : نقلا عن العربي الجديد 

أعد التقرير من نواكشوط : محمد الدده

 

 

 

 

 

‍