جائزة نجيب محفوظ تمثّل لي فرصة للخروج بالخطاب الروائي الموريتاني إلى أفق عربي أرحب، وهي كذلك تحقق للسرد الموريتاني اعترافاً عربياً مهماً".
هذا ما يقوله الروائي والشاعر الموريتاني الشاب محمد عبد اللطيف، لرصيف22، تعليقاً على إعلان لجنة جائزة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي، للعام 2019/2020، في السابع من أيار/ مايو، فوز روايته "كتاب الردة" بجائزة أفضل رواية عربية، فيما فازت الكاتبة المصرية ريم أحمد رفعت أحمد بسيوني بجائزة أفضل رواية مصرية، عن روايتها "أولاد الناس... ثلاثية المماليك".
كان الخبر مفرحاً للأوساط الثقافية الموريتانية، فهذا هو التتويج الأرفع لعمل روائي موريتاني باللغة العربية.
حكاية الشنقيطي المهاجر
تقدّم الرواية الصادرة عن دار مدارك وعدد صفحاتها 267 من الحجم الوسط، بلغة جزلة ورشيقة وسبك غير معقد، عرضاً لأحوال المجتمع الشنقيطي في السعودية (الجالية الموريتانية في السعودية) وتحوّلاته الاجتماعية وتقلباته وصراعاته، من خلال بطلها عبد الله الذي تتقاذفه هويات عدّة، كواحد من أهل الحجاز المطبوع بطابع متعدد الإثنيات، وشخوص المهاجرين الذين تقاذفتهم بقاع الأرض عبر حقب زمنية مختلفة.
وعبر متابعة تجربة البطل الإنسانية وتحوّلاته الشخصية والفكرية والعقدية والعاطفية وقصته مع الغواية والعوالم التي أدخلته فيها محبوبته مينا وعالمها الغائص في الملذات، هو القادم من عوالم التلقين والمتون الفقهية والمحافظة، تعرض الرواية مسار خلاصه الفردي، وانتقاله من التطرّف إلى نقيضه، وسفره بين الشك والوثوقية والقطعية واليقينية والاعتدال والغلو، ومراحل تطور علاقته بالله.
وعبر مشاهداته، نلمس بعض التحوّلات التي حدثت للمجتمع الشنقيطي في السعودية، وتحوّل النظرة إليه من مجتمع مكوَّن من أناس معروفين بالعلم والورع إلى أناس ينتشر بينهم الدجل والشعوذة والدعارة المقنعة بالزيجات الصورية.
وتحتوي كذلك الرواية على ملامح من المتغيرات التي طرأت على الحركة الفكرية في السعودية، حيث نشأ وعاش بطل الرواية، وحيث وُلد وعاش الكاتب، وتطورات أنماط التديّن فيها، وتقدّم لنا صورة بانورامية للمجتمع المديني والمكي المتشكل من فسيفساء من المهاجرين، وتحاول سرد قصة تطورهم عبر الأجيال.
ومن خلال تلك الصورة وشخوص أهلها، يتجاوز الكاتب الفضاء الشنقيطي منتقلاً إلى فضاءات أوسع وأرحب، كعوالم وقصص أبناء إفريقيا جنوب الصحراء.
كل ذلك يأتي على ذلك لسان راوٍ تغلب عليه مسحة من التصوف، راوٍ يقدّم من خلاله الكاتب مصفوفة ثقافية وفكرية ثرية، يستخدم فيها التراث والتاريخ المحلي لموريتانيا ولفضائها المجاور وللأدبيات الصوفية، عارضاً علاقة الإنسان الموريتاني مع الحج وكيف كانت رحلاته الكفاحية بداية لتأسيس أسر موريتانية في السعودية.
وعن الإشكاليات التي أراد ولد عبد اللطيف تقديمها في روايته، يقول لرصيف22: "حاولت نقاش مشكلة التدين، كأول عمل موريتاني ضمن أعمال معاصرة عربية قليلة ناقشته، ودعاني ذلك إلى نقاش مطول للتراث الكلامي وإفرازات ما وُصف بالصحوة، إضافة إلى نقاش مشاكل جانبية مثل الهوية والوصم الاجتماعي".
أزمات الرواية الكثيرة
الاحتفاء الدائر اليوم بالرواية، سبقه سيل من الهجوم عليها وعلى الكاتب عند صدورها، فقد اتهمه البعض بتشويه صورة المجتمع الموريتاني في السعودية مطالبين بمصادرتها، وقُدمت شكاوي في حقه.
وقال محمد عبد اللطيف لرصيف22: "بعد صدور الرواية، قُرئت مجتزأة بشكل وافق مصالح ذاتية لشخصيات ضالعة في مشاكل مجتمعية في الجالية، وتسعى إلى تمثيلها قسراً. ووجدوا آذاناً صاغية لدى سفارة موريتانيا في الرياض وحدثت مشاكل جمة أثناء معرض الكتاب الدولي في الرياض، تم التغلب عليها بدعم الناشر".
وبعد الفوز بالجائزة ظهرت كذلك بعض سهام التشكيك في أحقيتها بالفوز، واتهم البعض لجنة الجائزة التي تُمنح برعاية وزارة الثقافة المصرية بأنها اتخذت قرارها ضمن توجّه لتشجيع الأعمال التي تنتقد بعض التيارات التي تناصبها بعض الأنظمة العربية العداء. لكن محمد عبد اللطيف لا يعتقد ذلك، ويقول: "أعتقد أن هذا تحليل سياسي لا يمت للأدب بصلة".
وكان المجلس الأعلى للثقافة في مصر قد أعاد إحياء جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 2017، بعد توقفها لمدّة 20 عاماً، ورفع قيمتها المالية إلى 75 ألف جنيه (4800 دولار).
ويشير عبد اللطيف إلى أنه "دائماً لا يحدث إجماع حول مَن يفوز بأي جائزة، حتى نوبل نفسها، لذلك أرى أن منح الجوائز يجب النظر إليه ضمن سياقه طالما لم يثبت غير ذلك. أما مواقف الرواية السياسية، فهي لا تتناص مع أي طرح سياسي من وجهة نظري، بل تكرّس نظرة فردية للخلاص ولم يرد ذكر أي اتجاه سياسي بصفة نقدية".
"أن تفوز رواية موريتانية بجائزة عربية بهذه القيمة، مؤشر في تقديري على أن السرد الموريتاني نجح في كسب رهان الحضور على المستوى العربي، يقول الصحافي الموريتاني مولاي علي ولد الحسن لرصيف22.
وبرأيه، "هذا يضع في الواجهة تحدّي مواكبة الوتيرة التي تتطور بها الرواية العربية، ومن ثم العالمية، على صعيد التناول والثيمات الفنّية، خاصة أن المجتمع الموريتاني بتنوعه اللغوي والثقافي ما زال يضم بين تضاعيفه وتفاصيل حياته، روايات كثيرة لم تُكتَب بعد".
أحمد ولد جدو كاتب موريتاني