أكثر من مرة، قال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إنه لن يخرج من المشهد السياسي الموريتاني، ولكنه في هذه المرة رجع للساحة من بوابة الفساد، حيث قررت اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملفات فساد استدعاءه.
وأمس الثلاثاء، قال الناطق الرسمي باسم لجنة التحقيق النائب لمرابط ولد بناهي لإذاعة فرنسا الدولية، إن ولد عبد العزيز سيتم استدعاؤه لأنه تولى مسؤولية تسيير البلاد قرابة 12 عاما.
وأضاف ولد بناهي أن اللجنة مخولة قانونيا ولها كامل السلطة والصلاحيات في مراقبة العمل الحكومي، ولو كان قد تم في الماضي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وافق البرلمان الموريتاني على تشكيل لجنة للتحقيق في الملفات التي تمس مستقبل ثروة البلاد واقتصادها، وقد جاء تشكيل اللجنة بعد خلافات قوية بين الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وسلفه محمد ولد عبد العزيز.
جذور الأزمة
بعد تسلم الرئيس الغزواني مقاليد الحكم في البلاد، ظلت قيادات كبيرة في الحزب الحاكم -منهم وزراء في الحكومة- يصرّحون بتمسكهم بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وبأن البلاد تسير وفقا لبرنامجه ونهجه.
وبعد عودته من رحلة استمرت أشهرا في الخارج، تم استقبال ولد عبد العزيز من طرف وزراء وقيادات سياسية عند مقرّ حزب الاتحاد من الجمهورية، بوصفه رئيسا مؤسسا للحزب ومرجعية وحيدة له.
وفي خطوة استباقية، وقبل أيام من احتفالات البلاد بعيد الاستقلال في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أقال الرئيس ولد الشيخ الغزواني قيادات أمنية وعسكرية وصفت بأنها مقربة من الرئيس السابق، وشملت هذه الإقالات قائد الحرس الخاص في رئاسة الجمهورية وعددا من معاونيه.
وفي حراك سياسي داخل أروقة الحزب ومنتخبيه، ظهرت الأزمة بين الفاعلين في المشهد السياسي الموالي للنظام، وهو ما أطلق عليه حينها "أزمة المرجعية".
وقد بادر أغلب نواب الأغلبية في الالتفاف حول الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني، وأصدروا بيانا أعلنوا فيه دعمهم ومساندتهم له، وأن الحزب يدعمه في توجهاته وبرنامجه.
وفي مؤتمر صحفي عقده في منزله، رد الرئيس السابق ولد عبد العزيز على قرار النواب، وقال إنه سيظل متابعا للحزب وأوضاع البلد ولن يخرج من الساحة السياسية.
استدعاءات للتحقيق
وكانت اللجنة البرلمانية المكلفة بالحقيق في ملفات الفساد استدعت عددا من المقربين من الرئيس السابق، مثل الوزير الأول الأسبق الدكتور مولاي ولد محمد الأقظف الذي تولى المنصب 7 سنوات، وهي أطول فترة قضاها وزير أول في عهد ولد عبد العزيز.
وقد استمعت اللجنة يوم الاثنين الماضي للسيد محمد ولد امصبوع صهر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والذي برز اسمه في الأعوام الأخيرة كأحد رجال الأعمال والنافذين في الساحة الموريتانية.
وبعد أن قررت لجنة التحقيق استدعاء الرئيس السابق، وطرحت ملتمسا للبرلمان من أجل توسيع صلاحياتها، وافق غالبية النواب -من الموالاة والمعارضة- على المقترح، لكن مقربين من الرئيس السابق امتنعوا عن التصويت.
وقد قال النائب محمد عيه -المقرب اجتماعيا من ولد عبد العزيز- إن على اللجنة الابتعاد عن تصفية الحسابات، مستبعدا قيام المسؤولين السابقين بخروق تتعلق بالفساد، وأضاف أن اللجنة قد لا تكون قانونية.
وبدوره قال النائب محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل إن العدالة في التحقيق مطلب أساسي، وليس الهدف من إجراء التحقيق التقليل من شأن بعض الأشخاص.
وقال ولد الشيخ محمد فاضل إن محاربة الفساد ينبغي أن تتجسد في عزل المفسدين والمتهمين بسوء التسيير، وإحالتهم للسجن.
جدل قانوني
وبينما يدور نقاش بين النخب السياسية حول قانونية استدعاء الرئيس من قبل لجنة التحقيق، قال المحامي والخبير الدولي في القانون الجنائي الدستوري الدكتور سيدي المختار ولد سيدي -للجزيرة نت- إنه في القانون الموريتاني لا وجود لنص دستوري مثل النص الفرنسي الذي يحظر استدعاء الرئيس.
وأضاف أن الدستور الموريتاني -على غرار الدستور الفرنسي- يتحدث عن قاعدة "عدم المسؤولية"، بمعنى أن الرئيس لا يُسأل عن أي فعل يرتكبه أثناء مزاولته مهامه، لكنه يستثني من ذلك حالة الخيانة العظمى التي تُسقط تلك القاعدة.
وفي حال ما إذا ثبت على الرئيس السابق الضلوع والمشاركة في قضايا فساد، فإن للبرلمان أن يشرع في محاكمته عن طريق محكمة العدل السامية في إطار الخيانة العظمى.
وقد أكد الدكتور سيد المختار لموقع الجزيرة نت أن الحصانة من التحقيق ليست موجودة، وليس لها أصل دستوري جنائي منشور في الجريدة الرسمية.
وعلى ذلك الأساس يعد استدعاء الرئيس من طرف اللجنة عملا مشروعا بل واجبا قانونيا، كما يقول الخبير.
سيناريوهات
وحول ما يمكن أن يترتب على استدعاء الرئيس السابق، تحدث رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية الدكتور ديدي ولد السالك -للجزيرة نت- عن ثلاثة سيناريوهات يسعى النظام الحالي للوصول إلى واحد منها جراء التحقيق مع الرئيس السابق.
وأول هذه السيناريوهات هو أن يكون النظام يسعى للتحقيق مع الرئيس السابق وكبار معاونيه في ملفات العشرية الماضية، بهدف إسكاته وتحجيم دوره سياسيا من خلال الضغط عليه بملفات الفساد وسوء التسيير.
والاحتمال الثاني أن يكون النظام يسعى لأن يعطي نفسه أهمية في الشارع من خلال محاربته للفساد، وذلك ما سيعطيه فرصة لأن يتدبر أموره، لأن الأوضاع الاقتصادية في غاية الصعوبة.
أما السيناريو الثالث فهو أن يكون النظام يسعى لاستعادة الأموال المنهوبة وتقديم المجرمين للعدالة.
ويرى الدكتور ولد السالك أن هذا الاحتمال الأخير ضعيف لأنه يحتاج لإرادة سياسية قوية، وهي لم تتوفر حتى الساعة، بل ما زال المفسدون يتم تدوريهم في المناصب الكبيرة.
المصدر : الجزيرة