إلى جانب تداعيات ملف كورونا وإكراهات الوقاية منه، سمحت الهدنة الناجمة عن خلو موريتانيا من حالات إصابة جديدة بالوباء، بانشغال الموريتانيين بملف كبير آخر هو التحقيق الذي تواصله لجنة برلمانية منذ شهرين في تسيير الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، لصفقات غامضة في العديد من القطاعات الحيوية.
وينتظر الجميع استدعاء لجنة التحقيق المنتظر للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أكد مصدر مقرب منه استعداده للمثول أمام اللجنة بشرط أن تنقل جلسة استجوابه مباشرة عبر القنوات التلفزيونية.
وقد شوش هذا الشرط على المحققين وعلى المشهد السياسي بعامة نظراً لتوقعات باحتمال أن يكشف الرئيس السابق عن ملفات قد تورط معه عدداً من خصومه الذين يتصدرون الساحة اليوم.
وأكد النائب المرابط ولد بناهي، الناطق الرسمي باسم لجنة التحقيق البرلمانية، أن «اللجنة ستستدعي الرئيس السابق، لأنه كان مسؤولاً عن إدارة البلد لما يقرب من 12 سنة».
وأضاف ولد بناهي، في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية، أن «اللجنة ستقرر قريباً تاريخ استدعائها للرئيس السابق»، مؤكداً «أن ما تقوم به هذه اللجنة هو عمل برلماني، والقانون يمنحها الحق في مراقبة أي عمل حكومي منفذ في الماضي أو الحاضر».
وأوضح أن «اللجنة ستكمل عملها في شهرين، وستحترم الآجال»، مشيراً إلى «أن اللجنة جمعت الكثير من المعلومات حول الملفات التي تحقق فيها».
وقال: «نعتقد أنه يمكننا بالفعل التفكير في كتابة تقريرنا حول الموضوعات التي حققنا فيها، لكننا سنكمل التحقيق في الملفات التي أضافها البرلمان لمهمتنا».
وتتواصل بالتوازي مع هذا نقاشات بين رجال القانون والمختصين حول ما يلزم البرلمان فعله إذا رفض الرئيس السابق المثول أمام المحققين.
وأكد المحامي محمد سيدي عبد الرحمن أن «اللجنة البرلمانية لن تتمكن من إرغام رئيس الجمهورية السابق على الحضور لأن المحاكم لا تملك وسائل قانونية لاستجلاب المشمولين في القضايا المعروضة أمامها، فليس للمحاكم المدنية أن تجبر طرفاً على الحضور وغاية ما بوسعها عندما تتأكد بأن المدعى عليه توصل بالاستدعاء، ولكنه يرفض إجابة داعيها، أن تحكم عليه غيابياً وحينها يكون مرغماً على الطعن بالمعارضة والحرص على متابعة قضيته لأن تغيبه يؤدي لرفض طعنه وخسارة قضيته».
وقال: «إذا ساغ للمحاكم الجزائية وقضاة التحقيق أن تجبر متهماً على المثول وأن تحضره بالقوة (بطاقة استجلاب) فليس لها أن تجبره على الكلام عندما يلوذ بالصمت ويرفض الرد على الأسئلة ويوجب قانون الإجراءات الجزائية على قضاة التحقيق إشعار المتهمين بأن من حقهم أن لا يجيبوا».
«ولهذين الاعتبارين، يضيف المحامي، أعتقد أن رفض المشمولين في ملفات التحقيق المثول أمام اللجنة البرلمانية لا يجيز لها إحضارهم باستخدام القوة العمومية وأنها لا تملك إلا أن تستنتج الخلاصات التي توصلت إليها وتضمنها في تقريرها ولها أن ترتب على تفادي الحضور أمامها ما يترتب عليه وأن تعتبره قرينة على شعور بذنب ما وأن تذكر في تقريرها من تجاوب ومن تصامم ومن لاذ بالصمت».
وصادق البرلمان الموريتاني، الخميس الماضي، خلال جلسة علنية على مقترح بتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق، ليشمل ملفات جديدة هي صفقات الكهرباء الخاصة بشركة «صوملك»، وصفقات البنية التحية الشاملة للطرق والمطارات والموانئ، والاستصلاحات»، إضافة إلى صفقات الشركة الوطنية للصناعة والمناجم «اسنيم» وسياساتها التجارية.
وحصلت لجنة التحقيق البرلمانية على إرادة سياسية حاضنة من خلال تعهد علني من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بعدم التدخل لها في عملها، وعلى سند قانوني قوي فقد صادق البرلمان على جميع طلباتها، كما حصلت على دعم سياسي قوي من مختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان، وعلى فتاوى من خبراء في القانون الدستوري تزكي استدعاءها للرئيس السابق.
وضمن مواكبة كبار المدونين لهذا الملف، كتب المدون الموريتاني البارز، محمد الأمين ولد الفاضل، عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الرئيس السابق في حق نفسه، والتي أوصلته في محصلتها النهائية إلى هذه الوضعية التي يعيشها اليوم. وسرد المدون مجموعة من الأخطاء بينها «تصرف الرئيس بعد صدور البيان الذي أكد مغادرته للسلطة، حيث كان عليه أن يتصرف في تلك الفترة تصرف الرئيس المودع الذي سيترك السلطة بعد أشهر قليلة، لكن الرئيس السابق، يضيف الفاضل، حرص في تلك الفترة على أن يعمق من حجم خلافاته مع المعارضة، وأن يُعَقد ملف رجال الأعمال أكثر، وأن يزيد من حجم الخروقات في تسييره للمال العام».
وأضاف: «استمر الرئيس السابق في ارتكاب المزيد من الأخطاء في حق نفسه، واستمر بعض من يرفعون شعار مناصرته بالدفع باسمه إلى واجهة الإعلام، وظلت الأمور تسير في ذلك الاتجاه إلى أن قرر الرئيس السابق أن يرتكب الخطأ القاتل، وهو الخطأ المتمثل في اجتماعه بلجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وإصداره لبيان يمجد فيه العشرية، ويحدد فيه موعداً لمؤتمر الحزب».
وأدلى القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور بدلوه في هذا النقاش، مؤكداً، في تدوينة له أمس، أن «لا شك في كون التحقيق البرلماني في النظم الديمقراطية مساراً مهماً من مسارات كشف الفساد ووضع لبنات الإصلاح، وهو أفضل الطرق لفتح الملفات ودراسة جوانب الإخلال بالقوانين والمصالح في تسيير الشأن العام، وهكذا كان ارتياح الناس كبيراً مع الإعلان عن تشكيل اللجنة البرلمانية الحالية التي تحقق في عدد من المواضيع المهمة».
وقال: «تكثر المؤشرات والمعطيات على انحرافات كبيرة في العشرية الماضية طالت قطاعات حساسة وبأحجام تبدو كبيرة، ومن حق الناس أن يعرفوا فيحصل اليقين فيما تعددت عنه المعطيات والمؤشرات أو يتضح أن الأمر ليس على النحو المصور، ومعروف أن فكرة التجاوز والأمن من الملاحقة تشكل خطراً على مصائر الشعوب ومصالحها وتشجع استمراء الجرأة على المال العام».
وتابع محمد جميل قائلاً: «لم يكن التحول الذي شهدته البلاد منذ الرئاسيات الماضية تحولاً ثورياً وهو الذي يتيح عادة فتح الملفات بلا تحفظ ومحاسبة السابقين دون تردد، من هنا يصعب توقع ما توقعه كثيرون من لجنة التحقيق البرلمانية بل قد لا يكون من العدل معها رفع سقف التوقعات إلى درجة لا تسمح بها ظروفها والظروف العامة من حولها مع أن تشكيلها ومباشرة عملها وتحقيقها بعض المتوقع منها خطوة مهمة للمستقبل وفتح لباب يخدم الشفافية والرقابة والديمقراطية».
"القدس العربي"