هل يكون كورونا صناعة أمريكية؟

29 مارس, 2020 - 14:30

استيقظ الرئيس الصيني "شي جين بينغ" من نومه فزعاً على وقع أنباء تتحدث عن وباء رئوي خطير بدأ يتسلل إلى ووهان موقعاً العديد من الإصابات والضحايا وسط حالة من الارتباك والغموض؛ لاسيما في ظل الالتباس حول الحصيلة الحقيقية التي خلفتها العدوى؛ ليهرع الرئيس الصيني بعد استيعابه الفصل الأول من الصدمة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لمناقشة طبيعة الأزمة، مختتماً اجتماعه الاستثنائي بالقول إن الصين ستنتصر على الأعداء دون توضيح هويتهم أو جنسيتهم.

توقفت عجلة الاقتصاد عن الدوران، وهبطت قيمة الأسهم، وأقفلت الشركات والمصانع أبوابها، وحوصرت المدن، وألغيت الرحلات الجوية، في الوقت الذي هرع فيه المواطنون للبحث عن الأقنعة الواقية ومستحضرات التعقيم، ولوازم الحجر الإجباري عملاً بقرار السلطات؛ فالروبورتاج الوحيد في ووهان وسائر المقاطعات الصينية لا يوثق سوى صور الخوف الجماعي، وكاميرات التصوير الحراري، ونقاط تفتيش تصاريح العبور والمغادرة، ولجان الأحياء التابعة للحزب الشيوعي المنتشرة على مداخل المدن، وعداد الضحايا الذي يختطف كل لحظة المزيد من الأهل والأحبة.

وبسرعة قياسية استطاع فيروس COVID-19 اجتياح سائر أرجاء أوروبا والعالم؛ لتتفوق إيطاليا المنكوبة على الصين في عدد الضحايا، وتصبح الولايات المتحدة أكثر الدول في عدد الإصابات المسجلة، يليها إسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيران بعدما أصبحت بؤراً نشطة لتفشي هذا الفيروس الخطير؛ الأمر الذي يضع علامات استفهام جوهرية حول طبيعة الوباء، في ظل محاولة البعض إرجاعه إلى حالة طبيعية من التطور الجيني للفيروس لا علاقة له بالتدخلات البشرية الخبيثة.

 

وعلى العكس تماماً يسعى فريق آخر للربط بين ما يجري في العالم من أحداث وصراعات من جهة وخط الانتشار البياني المريب للفيروس من جهة أخرى معللين أن هذا الغزو الفيروسي ما هو إلا حرب بيولوجية بين الدول الكبرى على زعامة العالم، ويذهب فريق ثالث إلا أن كورونا هو عقوبة إلهية لهذا العالم الظالم المرتد عن فطرة السماء ونصراً وتأييداً للمسلمين الإيغور الذين يتعرضون لبطش السلطات الصينية. وأخيراً يرجع بعض المحللين الجائحة إلى لعبة اقتصادية تقودها شركات الأدوية العالمية لتحقيق الأرباح من خلال نشر الأمراض والأوبئة.

وفي هذا المقال سنحاول الإضاءة والربط بين تفشي هذا الوباء، والتسلسل الزمني لبعض الأحداث التاريخية التي نراها هامة ومحيرة، وتضع علامة استفهام كبيرة حول منشأ هذا الفيروس الخطير، وسرعة انتشاره المثيرة للجدل، والتطور المستمر في خارطته الجينية من بلد لأخرى، والبلدان التي استهدفها وعاث فيها فساداً.

بادئ ذي بدء، منذ أكثر من ثلاثة عقود وحتى في الوقت الذي لم تضع الحرب الباردة أوزارها، كانت الأوساط السياسية والفكرية الأمريكية تنظر بقلق كبير لبداية الصعود الصيني الهادئ نحو القمة وترى فيه خطراً يهدد الليبرالية الغربية. وقد تعاظم هذا الهوس الأمريكي من الصين مع انضمامها لمنظمة التجارة العالمية عام 2001 واكتساحها الأسواق العالمية عامة والأمريكية على وجه الخصوص، بل ومنافسة الولايات المتحدة في الصناعات التحويلية والتكنولوجية الضخمة مثل: صناعة الحواسيب العملاقة، والروبوتات المعقدة، والسيارات الكهربائية، والقطارات السريعة. وتجسدت الهيمنة الصينية أكثر فأكثر بامتلاكها تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس G5 وغيرها من الصناعات التي أدت في المقابل إلى عجز في الميزان التجاري متراكم لصالح الصين، وفقدان ملايين الأمريكيين لوظائفهم؛ نتيجة انتقال الكثير من المصانع الأمريكية إلى الصين للعمل في بيئة رخيصة، وهو ما عرف في تلك الفترة بالصدمة الصينية.

وفي طريقها للهيمنة على خطوط المواصلات التجارية، أعادت الصين إحياء طريق الحرير لربطها بأكثر من 65 دولة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، وأنشأت مؤسسات إقراضية ضخمة لمنافسة المؤسسات المالية الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. أما بالنسبة للاحتياطي النقدي، فتحتفظ الصين باحتياطي نقدي هائل عكس الولايات المتحدة التي يبلغ مجموع ديونها ما يزيد على 20 ترليون دولار، ما يضع الصين على صدارة الدول التي من المرجح أن تعتلي عرش زعامة العالم.

لا ينحصر القلق الأمريكي من التنين الصيني لدى الأوساط السياسية والفكرية الأمريكية فقط، بل كانت السينما الأمريكية مسرحاً خصباً يغذي هذا الفزع، وليس أدل على ذلك من فيلم (العدوى (contagion الذي عرض لأول مرة عام 2011 للمخرج الأميركي ستيفن سودربيرغ، حيث تدور أحداثه حول فيروس غامض يضرب الصين، ويفني مدن بأسرها، تتشابه أعراضه مع فيروس كورونا، ناجم عن أكل الخفافيش؛ ليحدث حالة من الذعر والفوضى في أرجاء العالم. فمن الممكن أن تكون الولايات المتحدة هي من نشرت الفيروس؛ لضرب الصعود الصيني وفق سياسة الضرب من الخلف ولو كلفها هذا الأمر رداً صينياً مشابها، أو انتقلت العدوى إلى أراضيها وأزهقت آلاف الأرواح؛ لاسيما في ظل التكلفة الرهيبة التي ستتحملها الولايات المتحدة إذا ما أقدمت على توجيه ضربة عسكرية لدولة كبيرة بحجم الصين؛ لتعطيل النمو الاقتصادي الهائل وإرغامها على التفاوض على نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة.

بخلاف ذلك فإن الصين ما تزال متشككة من النوايا الأمريكية رغم الحذر في التصريحات، ومحاولتها إفساح المجال لعلماء الفيروسات للبحث عن الخارطة الجينية للمرض، ومع ذلك فإن هذا لم يمنع "ليجان زاهو" نائب رئيس إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية من إطلاق تغريدة مطالباً مدير إدارة مكافحة الأوبئة في الحكومة الأمريكية "روبرت ردفيلد" بتوضيح السلسلة الزمنية للمرض، وعدد المصابين، والمستشفيات التي قامت بعلاجهم. واختتم المسؤول الصيني تغريدته بضرورة قيام الولايات المتحدة بالكشف عن الحقائق كاملة وتحري الشفافية، فمن وجهة نظر المسؤول الصيني لربما يكون الجيش الأمريكي هو من أدخل المرض إلى ووهان خلال مشاركته في مسابقة الألعاب العسكرية الدولية في أكتوبر الماضي. الجدير بالذكر أن "روبرت ردفيلد" كان قد أدلى بشهادته أمام لجنة الإشراف والإصلاح في الكونغرس قال فيها (إن المسؤولين عن الصحة العامة ناقشوا المعلومات عن فيروس كورونا في قاعات محصنة لتدارس المسائل السرية في مناسبات عديدة ”يصعب حصرها). وعند سؤاله إذا ما كان هنالك إصابات سابقة بكورونا قال "ردفيلد": (كان لدينا حالات وصلت إلى المشفى جرى تصنيفها على أنها إنفلونزا، ثم تبين لاحقاً أنها حالات كورونا)، لكنه لم يوضح تاريخ الإصابات، ولا في أي الولايات جرى تسجيلها، والأهم من ذلك لماذا لم تنتقل العدوى إلى المزيد من الأفراد والمحيطين، وهو اللغز الأهم لفهم طبيعة ومنشأ هذا الفيروس المريب.

أمر آخر يعزز فرضية الهجوم البيولوجي على الصين هو ولع ترامب بمؤلفات وآراء مستشاره الاقتصادي "بيتر نافارو" الذي اخترع له منصب رئاسة المجلس التجاري الوطني، ويعتبر "نافارو" الأب الروحي للفلسفة الحمائية والحرب التجارية التي أشعلها ترامب ضد الصين، رغم معارضة الكثير من صقور إدارته. وقد أفرد "نافارو" الصين وحدها بثلاثة مؤلفات هي: "النمر الرابض..ماذا يعني صعود الصين العسكري إلى العالم"، وكتاب "حروب المستقبل مع الصين"، وكتابه الأكثر تداولاً "الموت على يد الصين"، ونقتبس من كتابه الأخير قوله: (إن الشركات الأمريكية لا تستطيع منافسة نظيرتها الصينية لأنها تتنافس في الحقيقة مع الحكومة الصينية، وإن المنافسة الصينية غير العادلة هي السبب في هذه الوضعية الصعبة). ويقصد "نافارو" بذلك انتهاك الصين لاتفاقيات حقوق الملكية الفكرية، واستغلاها اقتصادها المدعوم من الدولة لفرض بضائعها على المواطن الأمريكي، ولا تهتم بالبيئة أو ظروف العمل. ويفهم مما ذهب إليه "نافارو" أنه يرغب في إعادة توطين الصناعات الأمريكية، وإجبار شركات التكنولوجيا والتصنيع الأمريكية العاملة في الصين على سحب استثماراتها هناك، متجاهلاً أن الصين قد نجحت في محورة رأسمالية خاصة لنفسها تتعامل مع اقتصاد السوق من جهة وتحافظ على قيمها الشمولية الشيوعية من جهة أخرى.

وأخيراً، لا يعني ما أشرنا إليه من إضاءات أننا نستبعد بالمطلق أن يكون الفيروس قد تسرب من مختبرات ووهان لبحوث الفيروسات، في ظل التغير الدائم للمعطيات على الأرض؛ وبالتالي تآكل فرضية المؤامرة، أو أنه قد حدثت طفرة في الشريط الجيني للفيروس انتقل من خلالها إلى الإنسان، أو أننا مغرمون بقدوم نظام شمولي ينتهك جميع الأعراف إلى واجهة العالم، ولكن بقناعتنا أن الظرف العالمي الذي أطل فيه الفيروس برأسه بالغ التعقيد والحساسية، وأن زمن الحروب التقليدية قد بات شيئاً من الماضي، وفوق ذلك كله إن هذا الرقم الكبير لأعداد الإصابات المسجلة في الولايات المتحدة ليس دليلاً دامغاً على براءتها؛ لاسيما في ظل تجارب سابقة لم تكترث فيها الولايات المتحدة بأرواح مواطنيها من أجل ما تعتبره لحظة فارقة في تاريخ التجلي الحضاري الأمريكي، والإجماع لدى معظم الأطراف الدولية بأن عالم ما بعد كورونا لن يكون بحال كعالم ما قبلها.

معاذ محمد الحاج أحمد

كاتب وباحث فلسطيني