لستُ متابعاً ولا مهتماً لكل هذه الضجة الإعلامية حول فيروس كورونا، ولم أكن لأكتب هذه السطور على الإطلاق، شيءٌ واحد فقط أثار حفيظتي ودفعني للكتابة، إنه الفضول الصحفي والإعلامي أولاً، ثم حديث أولادي وزوجتي المتواصل عن كورونا، وكذا سيل الرسائل التي تصلني تباعاً على واتس أب حول ذات الموضوع، أضف لذلك وصول الأمر حداً مستفزاً بالحديث عن إغلاق المساجد.
منذ أن بدأ الحديث المبكر حول كورونا، قبل نحو ثلاثة أشهر، وأنا لا آبه لمثل هذا الشيء مطلقاً، ليس لعدم قناعتي بحقيقته ومدى خطورته، أو بوجوده بشكل فعلي، ولكن لإيماني المُطلق أولاً، بأن ما أصابني لم يكن ليخطئني، وما أخطأني لم يكن ليصيبني، ولأنني لو أنفقتُ مثل جبل أحُد ذهباً، ما تقبَّله الله مني حتى أؤمن بالقدر خيره وشره، وثانياً لإيماني العميق بقول المولى سبحانه "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيَّدة"، ولقناعتي الراسخة أيضاً بأن العالم بأسره لو اجتمع على أن يضرني بشيء، فلن يستطيع ذلك إلا بشيء قد كتبه الله عليّ.
إنَّ تحليلي الشخصي لظاهرة كورونا المُستعرة عالمياً، والمتصدرة للـ ترِيند العالمي أيضاً خلال الشهرين الماضيين، وشهر مارس الحالي على وجه التحديد هي كالتالي: لقد كان ظهور فيروس كورونا لأول مرة في مقاطعة ووهان الصينية، أواخر ديسمبر من العام المنصرم، حقيقة مؤكدة وثابتة لا غبار عليها، وكونه فيروس خطير يصيب الحيوانات والبشر على حد سواء وسريع الانتشار... الخ، كل ذلك مؤكد وموثَّق من خلال بيانات وإحصائيات منظمة الصحة العالمية على الأقل، ولا خلاف عليه، لكنه تطوَّر بعد ذلك لسياقات أخرى سأذكرها تباعاً في ثنايا المقال.
الشيء الذي يمكن أن نختلف عليه هو هذه الضجة وهذا الكم الهائل من الهلع والذعر والخوف، أو "التخويف" إن جاز التعبير، من هذا الفيروس، الذي يرجع سببه بتقديري إلى الطيبة الزائدة وحسن النية، لدى الشعوب عموماً، وبخاصة في عالمنا العربي، والبسطاء منهم ومحدودي التعليم على وجه الخصوص، يقابله خُبث ومكر واستغلال السياسيين للأحداث.
لقد تطور مسار فيروس كورونا بتقديري إلى ثلاثة سياقات مختلفة، تتحكم بها ثلاث جهات ذات مصلحة مباشرة من كل هذه الضجة الكبرى، بصرف النظر عما إذا كانت تلك المصلحة مادية أو سياسية أو غيرها، وهي على النحو التالي:
السياق الأول: إعلامي
جميعنا يعلم بأن الإعلام بكل وسائله وأشكاله المختلفة، يلعب دوراً هاماً ومحورياً في تحديد الاتجاهات السائدة للبشر حول العالم، وتوجيهها صوب ذاك الاتجاه السائد، ليس لأن وسائل الإعلام تكذب أو تضحك على الناس، مع أن الكثير منها يفعل ذلك، خصوصاً وسائل الإعلام الرسمية التابعة للحكومات، ولكن لأن الإعلام بطبيعته يبحث عن الإثارة، لجذب القارئ والمشاهد والمستمع، والإثارة هنا لا تعني بالضرورة تزييف الحقائق، ولا تعني كذلك التناول السلبي للقضايا ذات الاتجاه السائد عالمياً، كما هو الحال مع كورونا في اللحظة الحالية، وإنما لأنها تريد الاستفادة القصوى من هذا الاتجاه، لتعزيز قوتها وحضورها وتأثيرها على أكبر نطاق ممكن.
على سبيل المثال.. مع بروز الـ تريند الخاص بفيروس كورونا وتصدره للمشهد الإعلامي العالمي تجد أن:
- القناة الفضائية الفلانية تبرز الخبر في كل نشراتها – لأنها تريد الاحتفاظ بجمهور مشاهديها القدماء وإضافة مشاهدين جُدد.
- الموقع الإخباري الفلاني يبرز الخبر كذلك في كل عناوينه – لأنه يريد جذب المزيد من القراء.
- اليوتيوبر الفلاني يتحدث عن كورونا في قناته على اليوتيوب، لأنه يريد أكبر عدد من المشاهدات لمقاطعه.
- الكاتب الفلاني يكتب مقالاً حول كورونا، لأنه يريد الحصول على أكبر عدد من القراءات لمقاله، وكاتب هذا المقال هو خير مثال على ذلك... وهكذا، تجد كل إنسان يحاول الاستفادة من هذا الـ تريند الصاعد بقوة، لخدمة أهدافه ومصالحه، الأمر الذي من شأنه زيادة قوة وزخم هذا الـ تريند، أو الاتجاه السائد، وهو ما نراه اليوم عياناً حول كورونا، وكلها مصالح مشروعة بنهاية المطاف، ولا نقول فيها شيئاً.
السياق الثاني: تجاري
يتعلق بالمصالح التجارية للشركات، فجميعها تمتلك مواقع على شبكة الإنترنت، وصفحات خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومثل هذه المناسبات والأحداث، تشكل لها أهمية كُبرى، وفرصة عظيمة لتسويق منتجاتها وعلاماتها التجارية، فتقوم بتوظيفها على الفور لزيادة حضورها في السوق العالمية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المبيعات حول العالم، ولذلك تجد أنَّ:
- شركات الملابس تتحدث عن كورونا، بطريقة أو بأخرى.
- شركات الأدوية تتحدث عن كورنا، وتجد بأن غالبية محتوى صفحاتها، قد تحول للتوعية بمخاطرها.
- شركات الأحذية، شركات اللحوم، شركات الدواجن، شركات الأغذية، ....الخ، كل الشركات بلا استثناء.. لماذا؟
لأنها تريد زيادة حركة العبور والمرور إلى صفحات مواقعها، وهذا يؤدي إلى زيادة التعريف بعلاماتها التجارية، وبالتالي زيادة المبيعات لمنتجاتها أيضاً، كما أن زيادة المبيعات لمنتجاتها، تعني زيادة التحويلات المالية إلى حساباتها البنكية، المربوطة بتلك الصفحات، والتي هي متاجر الكترونية بالأساس، وكلها مصالح مشروعة على أية حال، ولا نستطيع القول بأنها تكذب أو تستغل كورونا للتدليس على الناس.
السياق الثالث والأخير: سياسي
هذا السياق تحديداً يختلف كلياً عن سابقيه (الإعلامي والتجاري)، فرواده والمتحدثون باسمه، هم أصل البلاء ومنبع النفاق، وموطن الدجَل والكذب، وهم الطاعون المُميت والقاتل، إنهم باختصار "فيروس كورونا الحقيقي"، خذوا على سبيل المثال حكومات وأنظمة الدول العربية، كلها تقريباً تتحدث عن كورونا.. لماذا؟ هل لأن قلوبها على شعوبها مثلاً ؟! أم لأنها صاحبة الدراية والخبرة في كيفية الإدارة الصحيحة لمثل هكذا كوارث وأزمات، في مثل هذه الظروف الحرجة والصعبة؟!
الجواب البسيط، والمعلوم حتى للطفل الصغير، هو لأنها وجدت من كورونا مناسبة رائعة لإلهاء شعوبها وتخويفها بهذا الفيروس القاتل، من أجل أن تنسى قضاياها الحقيقية والحيوية، التي لطالما ناضلت من أجلها، كالمطالبة بالحرية والكرامة والمساواة والعيش الكريم ... الخ، لا أريد التقليل من خطر الفيروس ذاته بطبيعة الحال، كما لا أريد التقليل كذلك من حجم الوفيات بسببه، ولكني سأختم مقالي بالقول لكامل شعوب عالمنا العربي، لا تصدقوا نصائح أنظمة وحكومات بلدانكم، فتصبحوا كأولئك الملأ، الذين اتَّبعُوا أمر فرعونَ ومَا أمرُ فرعونَ برشيد، يَقْدُمُ قومَه يوم القيامةِ فأورَدهُم النارَ، وبئْسَ الوردُ المَورود.
كاتب صحفي وإعلامي يمني