انشغال بتصريحات مثيرة للحقوقي بيرام ولد الداه

24 فبراير, 2020 - 10:43

استمرت موريتانيا بحكومتها وساستها ومدونيها وشارعها أمس في انشغالها بالتصريحات المثيرة التي أدلى بها الأسبوع الماضي الحقوقي بيرام ولد الداه، ووصف فيها نظام موريتانيا بنظام “الأبارتهايد“.
وأثارت تصريحات ولد الداه الحقوقي والنائب في البرلمان الموريتاني، جدلا كبيرا لكونه اتهم فيها عرب موريتانيا بممارسة الرق الشنيع ولوصفه موريتانيا ببلد “الآبارتهايد” وقياسه لها بدولة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا.
وجاءت هذه الاتهامات ضمن خطاب ألقاه الحقوقي بيرام ولد الداه في جنيف قبل يومين بمناسبة استلامه جائزة “الشجاعة في مواجهة الرق” الممنوحة له في دورة 2020 لـ”قمة جنيف لحقوق الانسان والديمقراطية”.
وسخر الساسة والمدونون الموريتانيون صفحاتهم للرد على هذه التصريحات ولتكذيبها. حيث نشروا على صفحاتهم، صورا مجمّعة لاثني عشر وزيرا في الحكومة الموريتانية الحالية، مؤكدين “أن هذا تمثيل المجموعات العرقية الكبير في الحكومة يفند ما ذهب إليه ولد الداه، وهو بعيد، حسب قولهم، من نظام “الآبارتهايد” الذي ساد في جنوب إفريقيا والقائم على فصل كامل بين السود والبيض”.
وضمن مواجهة العاصفة التي أطلقتها تصريحات الحقوقي ولد الداه، أوفدت الحكومة الموريتانية مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، حسنه ولد بوخريص إلى جنيف لعرض موقف موريتانيا أمام الدورة الثالثة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التي ستنطلق أشغالها اليوم بمدينة جنيف.
وضمن هذا الحراك الذي أثارته تصريحات ولد الداه، خرج العشرات من شباب مجموعة “الحراطين” (زنوج موريتانيا المستعربون) في تظاهرة أمام قصر الرئاسة بنواكشوط مطالبين الرئيس الغزواني “بإنصاف مجموعتهم وإنهاء معاناتها”.
وخاطب الشباب المذكورون في بيان وزعوه أمس، الرئيس الغزواني قائلين: “سيادة الرئيس، إن الصمت لم يعد ممكنا وإن الكلام وحده ليس كافيا وإن استمرار الوضع المر مع جيلنا هو أمر مستحيل فقد آن الأوان أن تتحمل الدولة مسؤوليتها اتجاه مواطنيها وتوفر لهم العدالة والمساواة والكرامة والحرية”.
ويضيف البيان: “أما نحن، فأقسمنا أن تنتهي المعاناة قبل أن تصل الأجيال القادمة وأن نصنع دولة تسع الجميع وإننا ماضون في هذا التوجه طالما رقابنا تحمل رؤوسنا فقد قررنا أن ندفن الظلم أو يدفننا وألا تكون هنا على هذه الأرض إلا دولة واحدة للكل”.
وزاد البيان: “سيادة الرئيس، إن هذا الواقع الذي لا يطاق يفرض عليكم من موقع مسؤوليتكم اتخاذ الموقف والإجراء اللازم لإقامة العدالة وحفظ الأمن والاستقرار ومستقبل الوطن، وقد وجدنا من خلال مسيرة الأحداث التاريخية الموريتانية منذ ما قبل نشأة الدولة الحديثة إلى اليوم ضرورة ملحة تدفعنا لإحداث القطيعة التامة مع كل ما يمت لماضينا بصلة، ماضينا المؤلم المثقل بعذابات الأجداد واضطهاد الأحفاد وحاضرنا المقتصر على تجرع الظلم والاقصاء والتهميش الذي تكرسه وتجدده الانظمة المتعاقبة وأصبح من المستحيل أن يستمر تغاضينا عن كلما يحدث ولا يمكن أن نعمى أو نصم عن معاناة وصراخات استنجاد المظلومين منا ولا أن نغض الطرف عن رعاية الدولة الصامتة لذلك الجلاد الذي يسم حياتنا بالوجع محتميا بسلطة الادارة والقضاء والعسكر والدين والمجتمع التقليدي”.
وأضاف البيان “أن مقتضيات الاحترام اللائق بنا كجزء من شعب الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي تحكمونها منذ 2019 كأغلبية هشة ومهمشة داخل وطنها، تحتم عليكم كسلطة قائمة ضرورة إيقاف أسباب التذمر والقلق المسيطر على شعب ينهشه الفقر ويدمره الجهل والبطالة وتحرمه عنصرية المتحكمين في الحياة العامة”.
وأدرج الأستاذ الجامعي والإعلامي الدكتور الشيخ معاذ هذه الزوبعة ضمن إرهاصات عهد الغاز الذي تقبل عليه موريتانيا، فأوضح “أن موريتانيا بحاجة لخلق مناخ من السكينة والمصالحة حتى لا تفتح ثغرة في جدار وحدتها سيكون منفذا لتدخلات أجنبية كارثية”.
وقال: “الآن بدأ العالم ينتبه لنا وستكون كل الطرق مؤدية لنا، سواء كانت طرق تعاون واستثمار أو طرق مؤامرات ودسائس، وغازنا الذي يسيل له لعاب القوى العظمى يوجد في منطقة حساسة، ويشترك معنا فيه بلد بيننا وإياه ثارات وحزازت وجراح لما تندمل رغم الابتسامات والاحضان والزيارات”.

وقال متحدثا عن تصريحات ولد الداه “كنت أعتقد أن بيرام ولد الداه قد تغير في خطابه وفي تعامله مع الأحداث، بعد سلسلة تصريحات متفائلة تلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لذا كان غريبا جدا حديثه في جنيف، وصادما أن يصدر منه وفي هذا التوقيت وبعد أن أصبح رقما سياسيا هاما، حديث عن أشياء لا وجود لها مثل نظام “الابارتهايد”.
وأضاف: “يعرف الغرب وتعرف سفاراته ومخابراته ويعرف أهل جنيف ألا وجود لهذا النوع من التمييز العنصري في موريتانيا، ولكنه قد يتغاضى عن كل ذلك في سبيل خلق بؤرة توتر تبرر تدخله، فعلينا أن نتذكر أنه في الوقت الذي يسقط فيه الوطن في أيدي الآخر لا مجال آنئذ للحديث عن اللون أو العرق أو الامتياز؛ كلنا حينها مُستعبدون وخونة وعملاء، والأمثلة كثيرة من البلدان التي دمرها بعض أبنائها وجاؤوا مع المحتل على ظهور الدبابات وفي أول انعطافة تخلى عنهم ولفظتهم الشعوب ودمغهم التاريخ”.