أغلق الشاب عثمان ولد خليفة أبواب دكانه في سوق ولاية تيرس الزمور شمال موريتانيا، وجهز نفسه مع أصدقائه بآلات الحفر وجهاز التنقيب عن الذهب وبعض المواد الغذائية، ثم توجهوا نحو منطقة كليب اندور العسكرية المغلقة في الشمال التي أعطت الحكومة الموريتانية الضوء الأخضر للتنقيب فيها عن الذهب.
موت في كل مكان
يحكي عثمان للجزيرة نت بكل مرارة تجربته الصعبة في رحلة البحث عن الذهب، ويقول إنه يحمد الله على أنه لا يزال على قيد الحياة بعدما خسر كل شيء.
وإذا كان عثمان قد عاد حيا إلى أهله فإن آخرين يموتون تحت الأنقاض في آبار حفروها بأيديهم أو في الطريق الذهاب أو العودة إلى كليب اندور أو -كليب الموت- كما يسميه أهل الشمال.
وفي الوقت الذي عاد فيه عثمان إلى بيته بكثير من التعب وخيبة الأمل، كانت أسرة ماصى في مدينة زويرات تستقبل جثمان والدهم بحزن عميق الذي توفي في حادث سير على الطريق المؤدي إلى كليب اندور، بعدما توجه هناك بحثا عن رزق لأبنائه.
وتتذكر ابنته الغالية ماصى (20 عاما) تاريخ وفاته باليوم والشهر وتستحضر بحسرة كيف كانت تطلب منه عدم الذهاب، وتقول للجزيرة نت بنبرة يملؤها الحزن "الدولة لم تقم بأي شيء من أجل سلامة المواطنين.. تقول إنها منعت السفر عبر الشاحنات لكننا نشاهدها كل يوم تذهب محملة بالأمتعة والبشر متكدسين فوقها".
طريق الموت
من لم يمت على الطريق في حادث سير، فإنه يموت تحت أنقاض الآبار التي يحفرها المنقبون عن الذهب دون أن تكون هناك أي وسيلة لإنقاذه.
استقبلت أسرة حندوم في الأسبوع الثاني من مايو/أيار خبرا مفجعا قادما من الشمال، فقد توفي شابان منها، أحدهما ابنهم والثاني زوج ابنتهم بعدما دفنا ببئر عميق في كليب اندور.
ويروى ابن عم العائلة محمد زدفي للجزيرة نت لحظات معرفة الأسرة بالخبر، وقال "الخبر كان صادما وقد تأثرت كثيرا بسبب الفاجعة، وقرروا منع أي أحد منهم الذهاب إلى هناك".
وتغيب الإحصاءات الرسمية المعلنة من الحكومة الموريتانية لأعداد من ماتوا في الشمال من المنقبين عن الذهب، لكن الناشطين الشباب في زويرات يتحدثون عن موت ما يزيد على 20 شخصا وجرح 39 آخرين.
ويقول الناشطون إن بعض الشباب توفوا في حوادث سير لشاحنات، والبعض الآخر في انهيار الآبار المحفورة بطرق بدائية، وإن محاولات إنقاذهم تجري بطرق بدائية أيضا.
حقيقة أم وهم؟
رغم هجرة الكثير من الموريتانيين نحو الشمال بحثا عن الذهب، فإن الحديث عمن تغيرت حياتهم بسبب الحصول عليه يبقى قليلا، مقارنة مع أفواج الرجال التي تحط الرحال يوميا هناك، هكذا يرى أمم بوزومه الناشط في مدينة زويرات شمال موريتانيا.
ويؤكد أمم بوزومه أن أكبر مستفيد من الإقبال على التنقيب هم رجال الأعمال وبعض أصحاب النفوذ في مدينة زويرات ونواكشوط الذين يؤجرون شاحناتهم ومولدات الكهرباء ومعدات الحفر والمحروقات.
ويضيف "الرجال يخسرون أموالهم من أجل الذهاب إلى مناطق التنقيب وأصبحوا يخسرون أنفسهم دون أن يكون لذلك مردود على جلهم.. في الأسابيع الماضية أرسلت الحكومة أربع جرافات من أجل المساهمة في إنقاذ الأرواح وتقليل الخطر على الموجودين داخل الآبار".
وفي حين تدخل خزينة الدولة منذ بداية ظهور التنقيب حتى اللحظة الأموال من التراخيص التي تعطي للأفراد والسيارات والشاحنات من أجل الذهاب إلى هذه المناطق، فإن أهالي الضحايا يتهمونها بالتقصير مع المنقبين ومع عائلاتهم.
ورغم المخاطر الجمة، وعدم قدرة الدولة على إنقاذ من تنهار عليهم الآبار، لا يزال المئات من الرجال يحفرون ليلا نهارا ويكسرون الصخور دون كلل أو ملل من أجل الحصول على فرصة العمر حتى لو أودى ذلك بحياتهم.
المصدر : الجزيرة