أثار النائب البرلماني الموريتاني بيرام ولد الداه وهو حقوقي مناهض متطرف للرق، غضبا وجدلا كبيرا في الأوساط السياسية بعد أن اتهم عرب موريتانيا بممارسة الرق الشنيع ووصف موريتانيا ببلد “الأبارتهايد” ودولة الفصل العنصري.
وجاءت هذه الاتهامات التي جعلت بعض المدونين يصفون ولد الداه بـ”المجنون”، ضمن خطاب ألقاه الحقوقي بيرام ولد الداه في جنيف قبل يومين بمناسبة استلامه جائزة “الشجاعة في مواجهة الرق” الممنوحة له في دورة 2020 لـ “قمة جنيف لحقوق الانسان والديمقراطية”.
وقال ولد الداه “إننا، نحن السود الموريتانيين، وذراري العبيد منذ قرون أو ضحايا التمييز حاليا، نعرف ثمن جهود النهوض التي تحدونا إليها بداهة حالتنا، وكما هو شأن العديد من الزنوج عبر التاريخ والحضارات، فقد فتحتُ عينيّ على الحصيلة العنيفة لدونيتي الناتجة، كما شُرح لي، عن لون بشرتي الداكن، وعن الأصول الوثنية لأسلافي، وعن مشيئة إلهية بحتة”.
وأضاف في خطاب قوبلت مضامينه برفض واسع في موريتانيا “إن ذوينا، في الماضي القريب، ونسبة مهمة منهم في الوقت الراهن، يقومون، خدمة لشريحة من مواطنينا، برعاية القطعان، وحفر الآبار، وإعداد الوجبات، وتحضير أسِرّة النوم، ومرافقة القوافل تحت لفح الشمس اللاهبة، غير منتعلين، دون رواتب أو تعويضات عن العمل. وكانت نساؤنا (ومازال بعضهن)، شبه العاريات، تُحجزن للاغتصاب، ويُمنح نسلُنا عربونَ زفافٍ أو هدية لمولود جديد، كما كنا، ونحن المبعثرون في أرجاء البلاد بفعل التتريك، نُساق للبيع والمقايضة مقابل بنت لبونٍ من البقر، أو جمل”.
وقال “فالكلمات، الناقلة للأفكار المخربة للمنظومة الرجعية، كما لمقترحات الإصلاح، تظل سلاحنا الحصري؛ إننا نريد أن نقنع بدلا من أن نثير المخاوف، فالخوف يقود إلى المزايدة، والمزايدة تقتل، ونحن نفضل الحياة”.
وكان أول من رد على خطاب ولد الداه هو رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في موريتانيا أحمد سالم ولد بوحبيني النقيب السابق للمحامين الموريتانيين الذي أكد الخميس “أن لجنته فوجأت بتصريحات الناشط السياسي والحقوقي بيرام ولد الداه التي تتنافى مع الجو القائم من انسجام بين الجهات العمومية ومنظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان.
وقال “كنا نتمنى أن تكون مساهمة بيرام إيجابية وواقعية وتنتهز فرصة هذا الجو، لأن هو أول من أشاد به”.
ووصف رئيس لجنة حقوق الإنسان في موريتانيا خطاب بيرام ولد الداه “بأنه يذكره بأسطورة العبودية وبأسوار العبيد والأغلال”، مؤكدا “انه كان على بيرام أن يدعو المنظمات غير الحكومية التي منحته الجائزة لزيارة موريتانيا في هذا الجو الذي يشهدُ انفتاحا ودعما لجهود جميع مؤسسات المجتمع المدني في ميدان حماية وترقية حقوق الإنسان”.
ودعا ولد بوحبيني “المنظمات التي كرمت بيرام إلى زيارة موريتانيا للاطلاع على حقائق الأوضاع”.
وانتقد وزير الإعلام السابق سيدي محمد محم تصريحات ولد الداه وقال “أن يهاجم النائب في الجمعية الوطنية بيرام الداه اعبيد ومن منبر دولي بلده، ويصفه بنظام الآبارتايد، أمرٌ يَندى له جبين كل وطني، والسكوت عنه جريمة، خاصة إذا كنا جميعا ندرك أنه كان من النزاهة والوطنية والصدق مع الذات أن يُعبر هذا النائب عن قناعاته، إذا كانت هذه حقيقة قناعاته، وأن يصدح بها من منبر الجمعية الوطنية الموريتانية قبل أي منبر آخر، وأمام الذين انتخبوه وفاءً بأمانتهم، وكلمةَ حق في وجوه ظالميهم”.
وقال “كم أتمنى أن يكون ما شاهدته وسمعته غير صحيح”.
وتصدى القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور لتصريحات ولد الداه وعلق عليها بقوله “استمعت لخطاب يتحدث فيه الرئيس بيرام ولد الداه يوم 18 من فبراير الجاري وخلفه لافتة لمؤتمر في جنيف لعله الذي نال فيه الجائزة الأخيرة، عن موريتانيا وحال أهلها، وصفها فيه بنظام لابارتايد المغروس في غرب إفريقيا وتحدث عن أقلية بيضاء تحكم وأكثرية سوداء تحكم (بضم التاء)، ونسب الظلم والحيف للنمط العربي الإسلامي السائد، وأشار مرات لمصطلح الشريعة بإيحاءات سلبية لا تخفى”.
“لقد بدا لي هذا الكلام، يضيف ولد منصور، مجانبا للصواب ولا يخلو من نفس تحريضي، أعرف أنه توجد في موريتانيا مظالم بعضها حقوقي وبعضها عرقي واجتماعي، وأدرك أن البعض يتستر على هذه المظالم وينكر ماضيها المؤلم ويتنكر لبقاياها المشهودة، وأحس أن بعض المكونات تعاني تهميشا وحيفا لا تخطئه العين، ولا أشعر أن سياسة التمييز الإيجابي تأخذ مداها وهي شرط في العدالة المطلوبة جبرا وتعويضا، أعرف كل هذا وأعرف أنه لا يبرر وصف هذه البلاد بالأبارتايد، لا قوانينها تبرر ذلك ولا ممارساتها تصله أو تقترب منه”.
وقال “مارسوا السياسة كما تشاؤون وانتقدوا السلطة أو دافعوا عنها (كل من موقعه) ولكن لا تبالغوا ولا تحرضوا والبلد أهم وأكبر مصلحة وسمعة من تجاذباتكم”.
أما حبيب المدون النشط حبيب الله ولد أحمد فقد وصف النائب ولد الداه بالمجنون، وقال “هل الرئيس بيرام الداه بخير؟؛ نرجو ألا تكون صحته البدنية تحسنت على حساب صحته النفسية: يجلد بلده ظلما وعدوانا ويصفه بأنه بلاد(آبارتيد) ويستعدى عليه الأجانب، ويكذب على الدين والتاريخ والجغرافيا والمجتمع إرضاء لمنظمات يهودية مقابل منحه جوائز لو قرأ عن أصلها ومصدرها وطبيعتها وهدفها لتعفف عن تسلمها”.
وأضاف المدون “لا يا بيرام، شعبك بحاجة للتعايش والسلم والتسامح، الأجانب لن يرحموك، ولا حضن ستجد فيه الحنان خارج وطنك، لا تبع وطنك وشعبك ولو منحوك كل كنوز الأرض؛ شفاك الله بدنيا ونفسيا، وأعادك معافى لوطنك الذي مهما آذيته فلن تجد وطنا سواه”.
القدس العربي