عجز العشريني الموريتاني التجاني ولد اباه، عن استرداد مبلغ 2000 دولار أميركي، من شركة للتسويق الشبكي تنشط في بلده وتعمل في 30 دولة أخرى، بعد اشتراكه معهم منذ يونيو/حزيران 2018، أملا في ربح وفير، وعده به صديق دراسته الجامعية، والذي نشط في استقطاب المشتركين الجدد، مقابل الحصول على عمولة عن كل من ينجح في ضمه لشبكته وبيع منتجات الشركات له.
ويعرف التسويق الشبكي أو الهرمي بأنه ترويج لسلع توفرها شركة من خلال شبكة من المروجين يحصلون على عمولة مركبة، أي كلما زاد عدد أفراد شبكتك ممن يقتنون السلعة، زادت عمولتك شريطة أن تواصل الارتباط بالشركة عن طريق اشتراك تدفعه شهريا، وبالتالي فإن العاملين بالتسويق الشبكي يسعون إلى ضم المزيد من الأشخاص لشبكتهم وهو ما يعد أهم من بيع المنتج نفسه وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" المهندس شغالي ولد جعفر، الخبير في التسويق الرقمي.
وتختلف الشركات بحسب المنتوجات التي تسوق وتقدم للزبون، فمنها ما يركز على المكملات الغذائية ومنها ما يقدم مواد للتجميل ومنها من يوسع نشاطه ليشمل الحجز والدورات التكوينية، بحسب ما يقوله الهادي ولد محمد الحافظ الناشط في مجال التجارة الإلكترونية.
وعود خادعة
بعد ثلاثة أشهر من اشتراكه، لم يتمكن ولد اباه من بيع القلادة التي حصل عليها من الشركة، أو حتى استقطاب مشتركين جدد، ما جعله يطالب بمبلغ الاشتراك، لكنهم رفضوا رده كما يقول لـ"العربي الجديد"، متسائلا عن سر استمرار الشركة في اصطياد المزيد من الضحايا من خلال المشتركين الجدد.
وتشهد شركات التسويق الشبكي إقبالا، بحسب تأكيد عبد الوهاب ولد اباه نائب مدير مكتب الشركة التي اشترك فيها التجاني في مقاطعة تفرغ زينه بنواكشوط ، مشيرا إلى تسجيلهم ألف مشترك في عامي 2018 و2019، قائلا لـ"العربي الجديد": "في الغالب لا نعلم بانسحاب المشترك من النشاط نظرا للإقبال المتزايد".
وأحصى معد التحقيق 7 شركات للتسويق الشبكي تنشط في نواكشوط، وتدعي تلك الشركات أن مقراتها في ماليزيا وهونغ كونغ من أجل إقناع الزبون بأن لها امتداداً دولياً وفق ما وثقه ولد محمد الحافظ، مؤكدا أن هذه الشركات تستخدم أساليب متنوعة لإقناع الزبائن المستهدفين بكونها تمارس نشاطا جديا، إذ تنظم مؤتمرا سنويا لتكريم الزبائن ممن نجحوا في تحقيق مبيعات وعمولات عالية، وتنظم رحلات للخارج، وبرامج تدريبية تقوم على فنون الإقناع من أجل خلق جو ملائم للتغرير بالشباب الجدد.
وتتراوح مبالغ الاشتراك التي يدفعها المشتركون بين 300 ألف أوقية (840 دولارا) وتصل بمرور الوقت إلى 800 ألف أوقية (2240 دولارا) ويحصل المشترك على منتج حسب مبلغ الاشتراك، وفق ما يوضحه عبد الوهاب ولد اباه، والذي يعد من يعملون مع بالثراء والكسب السريع مع مرور الوقت في حال الاستمرار بالنشاط واتباع تعليمات الشركة كما يقول.
لكن 5 من المشتركين الذين تراوحت مبالغ اشتراكاتهم المدفوعة بين 1000 و2000 دولار، أكدوا أنهم لم يحصلوا على أية أرباح من الشركة التي تتحفظ الجريدة على اسمها، تحت مبرر عجزهم عن التسويق لمنتجات الشركة التي لا تباع أصلا في السوق كما يقولون، مؤكدين أن الهدف الأساسي لتلك الشركة وغيرها من الشركات التي دخلت السوق بعدها، هو استقطاب مشتركين جدد، إذ يتعين على كل مشترك استقطاب مشتركين وفقا لقاعدة تقوم على أن الشبكة تبدأ بواحد على يمين المشترك الجديد وآخر على يساره، على أن يتم منح المشترك مبلغ 50 دولاراً عن كل من يضمه لشبكته، وكلما زاد عدد المشتركين تزايدت قيمة العمولة، كما يقول العشريني ضياء الدين ولد محمد والذي اشترك ودفع مبلغ 2000 دولار، في مقابل حصوله على ساعة لا تساوي هذا المبلغ كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه تعرض للخداع من خلال وعود الشركة بأنه سيربح من خلال بيع منتجات الشركة، مثل الساعات ومواد التجميل والتي تعاني من الكساد في السوق.
ويبرر عبدالوهاب ولد اباه ذلك قائلا: "الكثير من الشباب يستعجلون النتائج، ولا يركزون على التدريب على التسويق رغم أهميته"، مضيفا أن مشتركين لم يحالفهم الحظ، أو لم يكونوا على مستوى من الإيمان الكافي بالنشاط، أو تعرضوا لظروف تخصهم، ولم يستطيعوا مواصلة نشاط التسويق الشبكي كما يقول، مضيفا أنهم غير ملزمين بإعادة أي مبالغ للمشتركين المنسحبين، لأنهم يتعاملون مع شباب راشدين يفترض أنهم واعون بما يفعلونه.
خارج الإطار التنظيمي
لا تخضع أنشطة شركات التسويق الشبكي في موريتانيا لإطار تنظيمي، وفق ما أكده أببكر ولد محمد باب، مدير الصناعة في وزارة التجارة والسياحة، لـ"العربي الجديد".
وتنظم المادة 200 من قانون مدونة التجارة رقم 5-2000 الصادر في 18 يناير/كانون الثاني 2000 عمل الشركات التجارية التي تمارس نشاطها في موريتانيا أو تلك الكائن مقرها على الأرض الموريتانية، وتنص المادة 203 على أن "تقيد الشركات التجارية في سجل التجارة وفقا لمقتضيات المادة 38 وما بعدها من هذه المدونة. ويتقدم بطلب التقييد بعد إكمال إجراءات التأسيس" ويفترض تطبيق المادة على تلك الشركات، إضافة إلى أن سجل التجارة يلزم كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، الذين يزاولون نشاطا تجاريا على التراب الموريتاني، سواء أكانوا موريتانيين، أم أجانب وفق المادة 39 منه بتسجيل شركاتهم، والتي تنص على أن كل فرع أو وكالة لكل مؤسسة موريتانية أو أجنبية؛ كل ممثلية تجارية أو وكالة تجارية لدولة أو مجموعات أو لمؤسسات عمومية أجنبية(...)؛ يجب على كل مجموعة ذات نفع اقتصادي، وكل شخص معنوي منتم إلى القانون الخاص يمارس نشاطا اقتصاديا التسجيل في سجل التجارة.
ويؤكد الهادي ولد محمد الحافظ، أن هذه الشركات عبارة عن سماسرة متعاقدين مع شركات مصنعة تقدم لهم منتوجات راكدة، فتتولى تلك الشركات تسويق تلك المنتجات بهذه الطريقة الاحتيالية وتجني الأرباح الخيالية على حساب سذاجة بعض المشتركين حين تقدم لهم نموذجا خياليا من شخصية جنت أرباحا باعبتاره مثالا ناجحا لتخاطب غرائزهم في الربح السريع والسهل.
وتعترف فاطمة القاضي حماده، مديرة مكتب شركة للتسويق الشبكي، بحدوث عمليات احتيال مع هذا أو ذاك من المشتركين الجدد، لأن التبادلات في الأسواق قلما تتم بمثالية كما تقول لـ"العربي الجديد"، مبررة ذلك بأن المشاكل التي تحصل غالبا ما تتعلق، بالثقة والتزام الزبائن، أحيانا. فالمشترك يمكن أن يطلب منه أحد الزبائن كمية من البضائع ويرسل طلبا لتوفيرها، وفي النهاية يتعين عليه تحمل تكاليفها إن تراجع الزبون عن طلبها"، مضيفة أن هذا حصل معها أكثر من مرة.
الاستيلاء على أموال المشتركين
أحجم الشبان الخمسة، والذين وثق معهم معد التحقيق إفاداتهم، عن التقدم بشكاوى ضد شركات التسويق الشبكي، بسبب عدم امتلاكهم عقودا تنظم العلاقة بينهم، وبين تلك الشركات.
ويعيد المحامي محمد أحمد الحاج صاحب مكتب خاص للاستشارات القانونية، عدم تقدم الشباب الذين تعرضوا للاحتيال بشكاوى إلى ضعف الثقافة القانونية لدى هؤلاء الشباب، رغم أن المادة 376 من الأمر القانوني رقم 162-83 الصادر بتاريخ 9 يوليو/تموز 1983 المتضمن القانون الجنائي تنص على أنه "يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 10 آلاف أوقية (حوالي 28 دولارا أميركيا) وتصل إلى 300 ألف أوقية (حوالي 840.34 دولاراً) كل من استعمل اسما كاذبا، أو صفات غير صحيحة، أو التجأ إلى التحايل بالغش لإثبات وجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذا أو اعتمادا، وهي لبعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من نجاحه أو إصابة أو غيرها من الحوادث الوهمية ويكون قد تسلم أو حاول أن يتسلم أموالا أو منقولات أو سندات، أو ممتلكات أو أوراقا مالية، أو عودا أو لإيصالات (...)وإذا وقعت الجنحة من شخص لجأ إلى الجمهور بقصد إصدار أسهم أو حصص (...) فيجوز أن تصل مدة الحبس إلى عشر سنوات والغرامة إلى مليون أوقية".
وتعد طريقة الاستقطاب للاشتراك، نوعا من الاحتيال على الأفراد، إذ تقوم على استغلال حاجتهم ونقاط ضعفهم، بتقديم أساليب الإغراء التي تدعو للمجازفة من أجل مكاسب ليست مضمونة بحسب المحامي الحاج.
تجاهل رسمي
يجب على الدولة اتخاذ إجراءات جدية تجاه هذا النوع من النشاط الاحتيالي والذي ستكون له تبعات على ضحاياه من الشباب، وخاصة في حالة الشركات التي تفرض اشتراكا بمبالغ كبيرة وفق ما يقوله ولد محمد الحافظ، لكن المستشار الإعلامي لوزير الاقتصاد والمالية الموريتاني أحمد ولد محمدو، قال إنه لا يعرف شيئا عن حيثيات نشاط التسويق الشبكي في موريتانيا، مضيفا أنه يحتاج إلى وقت كي يبحث ويتعرف على ما يحصل.
وأكد محمدو أنهم لم يتطرقوا في مباحثاتهم العملية بالوزارة، لموضوع التسويق الشبكي، قائلا إن الموريتانيين لم يصلوا بعد إلى مستوى كبير من حسن توظيف الأدوات الإلكترونية التي تمكنهم من خلق نشاط اقتصاد رقمي كما يقول. وهو ما أكده أبيكر، موضحا بالقول: "نحن في الوزارة لا علم لنا بشيء عن ذلك، ولا نبحث عنه، لأننا نرى أننا غير معنيين به أصلا".
العربي الجديد