هل خرج الرئيس السابق من الحلبة أم ما زال محتفظا بوجوده وقوته؟

14 فبراير, 2020 - 09:54

 كوابيس بقاء الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز فاعلا في الشأن السياسي المحلي مستمرة لحد الآن على أكثر من مستوى، فما تزال هذه الكوابيس تزعج السلطات التي حكمت بعده، وتقلق أنصار الرئيس المنتخب، بل ويرى البعض أن مقاومة الرئيس السابق ورفضه الخروج من الحلبة، يهدد موريتانيا التي يطمح أهلها، للدخول في عهد الاستقرار والرفاه بعد سنوات حكم الرئيس السابق التي يسميها خصومه “عشرية اللهب”.

وبطريقة هادئة ينتقدها المتسرعون، يواصل الرئيس الغزواني سحب البساط من تحت الرئيس السابق رغم أنه قد غادر السلطة بحكم الدستور في مستهل آب/أغسطس الماضي، فقد بقي متمسكا بتلابيب القطاعات العسكرية والأمنية التي خلف فيها رجاله وخاصته.

معركة الحزب الحاكم

وكان الإجراء الأول الذي اتخذه الرئيس الغزواني في معركة التخلص من تأثير سلفه الذي حكم موريتانيا عشر سنوات متتالية بقبضة من حديد، هو إبعاد الرئيس السابق عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي تتبع له الأغلبية البرلمانية وينتمي له غالبية العمد والمستشارين الجهويين.

فقبل شهرين من الآن، حاول الرئيس السابق الهيمنة على الحزب الحاكم باستدعاء قيادته لاجتماع خاص معه، والتخطيط لمؤتمر خاص للحزب الذي أسسه الرئيس السابق بنفسه عام 2009 وكان يخطط لتولي رئاسته إذا هو غادر السلطة بحيث يكون خلفه الغزواني مجرد رئيس للجهاز الحكومي بينما يتولى الرئيس السابق كامل الشأن السياسي الوطني تحضيرا لعودة أخرى للرئاسة يخطط لها الرئيس المنصرف.

الخروج والإخراج

واختلفت آراء سياسيين وإعلاميين حاورتهم “القدس العربي” حول ما إذا كان الرئيس السابق والملياردير الكبير قد خرج من الحلبة السياسية التي تنكر له الجميع فيها، أم ما زال محتفظا ببقية تأثير.

يقول عبد الله ممدو با المحلل السياسي البارز والناطق الرسمي باسم الرئيس ولد الشيخ عبد الله لـ “القدس العربي” من “المبكر جدا الحديث عن خروج الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من الحلبة السياسية، حيث أن السجال حول وضعه الحالي في الحلبة ومستقبله في الساحة ما زال مستمرا”.

وأضاف “فرغم قرار تنحيته من الحزب الحاكم الذي كان يريد السيطرة عليه للاستمرار في معادلة الحكم، فلا يزال الرحل يصر على الاستمرار في لعب دور في الساحة؛ فمن خلال الخرجات الإعلامية المركزة، أوحى الرئيس السابق بأنه ما زال موجودا وبأنه يمتلك أوراقا عديدة لم يكشف عنها بعد، كما أنه لا يفوت فرصة لتحدي كافة مناوئيه الذين يتهمونه بالفساد، مبديا استعداده للمثول أمام القضاء، إن تجرأ أحد على رفع دعوى ضده”.

“إضافة لذلك، فإن الرئيس السابق ينصب نفسه مدافعا شرسا عن الدستور وعن الديمقراطية، منتقدا، بشدة، أنصاره الذين انفضوا من حوله وساندوا خلفه، كل هذه الجبهات التي فتحها، في آن واحد، توحي بأنه متمسك بإرادة قوية للتأثير في المشهد، وأنه مستعد لكل شيء من أجل هدفه هذا”.

وفي نظرة أخرى، يقول المحلل السياسي محمد الأمين الفاضل “لا أعتقد بأنه سيكون للرئيس السابق أي دور سياسي يذكر، وخاصة على المدى القريب، فبعد أن وصل الخلاف بين الرئيسين السابق والحالي إلى ما وصل إليه، لم يعد من الممكن أن يلعب الرئيس السابق أي دور في الأغلبية الرئاسية”.

وأضاف “بعد أن أعلن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية البراءة من الرئيس السابق، وشكل هيئات جديدة لا نفوذ للرئيس السابق عليها، بل إنها تضم بعض ألد خصومه، أصبح من الواضح جدا أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قد خرج بشكل كامل عن عباءة رئيسه المؤسس، بل إن هذا الحزب لم يعد يقبل بمنح مجرد صفة عضو لرئيسه المؤسس.

لا مكان هنا ولا هناك

وبخصوص علاقة الرئيس بالمعارضة، يضيف الفاضل “الرئيس السابق لن يكون بمقدوره أن يلعب دورا سياسيا مؤثرا من داخل المعارضة، لكونه تعامل معها بسلبية كبيرة جدا، بل إنه كان يتعمد الاصطدام بها”.

وشدد المحلل السياسي الفاضل التأكيد بأنه “من الراجح أن الرئيس السابق لن يجد مكانا في صفوف معارضة لا تحتفظ له بأي ذكرى جيدة خلال الإحدى عشرة سنة التي تولى فيها رئاسة البلاد، بل على العكس من ذلك فإن المعارضة هي في أشد التحمس الآن لمواجهته، وهي لا تنتظر لأن تقف في صف الرئيس الحالي في أي مواجهة محتملة مع الرئيس السابق، لا تنتظر إلا أن يعطي الرئيس الحالي الإشارة ببدء المواجهة”.

تجربة من خارج السلطة

ويقول الإعلامي الهيبة الشيخ سيداتي المدير الناشر لوكالة “الأخبار” لـ “القدس العربي” إن “الرئيس السابق ولد عبد العزيز خرج من دائرة التأثير السياسي في المشهد السلطوي الذي كان أبرز الفاعلين فيه خلال العقد المنصرم، لكن يبدو يسعى لتجربة العمل السياسي من خارج دائرة السلطة فهل سينجح في ذلك أم أنه سيكون مثل سابقيه من الرؤساء الذين حاولوا التأثير في العمل السياسي من خلال المعارضة ولم يوفقوا؟ يمكن القول الآن أنه أصبح خارج التأثير في قرار السلطة بعد أن كان شريكا فيها”.

ويؤكد أبو معتز الجيلاني وهو محلل سياسي “ولد عبد العزيز أُخرج من الحلبة من دون أن يعلم، لذلك لا يزال يعتقد أنه داخلها، أقصد أن ولد الغزواني استخدم حيلة ذكية لإقناعه بترك الكرسي شكلا والتعهد له ببقائه عليه ضمنا وهو ما لم يحدث في النهاية حيث كان تركه للسلطة شكلا وضمنا”.

انعدام سند في الجيش

ويعتقد النائب البرلماني محمد الأمين سيدي مولود “أن الوصف الأدق هو أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أخرج من الحلبة لأنه لا يملك سندا في الجيش حيث أن أغلب الضباط لا ينظرون اليه بولاء أو لا يجمعهم معه ولاء كبير لأنه ليس من أكثر الضباط تكوينا وعلاقة بالوحدات الميدانية مثلا وقد لا يكون تسييره في الآونة الأخيرة مرضيا بالنسبة للكثيرين”.

وزاد “وفي الجانب السياسي من شاهد تخلي أقرب زملائه اليه مثل رؤساء الحزب الحاكم السابقين والوزراء السابقين، يدرك أن المحيط السياسي لم يكن ولاؤه للرئيس السابق بل كان للقصر الرئاسي أو المقعد الرئاسي”.

وقال “ليس للرئيس السابق أيضا أي سند آخر، ولذلك كانت صلته بالجمهور وبالشعب وبالدولة هي الصلة بالقصر الرئاسي فقط ولذلك عندما خرج من القصر الرئاسي وفجر الأزمة السياسية الأخيرة تم إخراجه من الحلبة ولا يملك الآن أي ورقة قوة سوى خرجات إعلامية”.

خرج ولكن…

ويقول محمد سالم ولد محمد الباحث في قضايا الصحراء الكبرى “الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز انتهى من الناحية السياسية نظريا، حيث أن الأمور التي كان يراهن عليها في العودة إلى السلطة فقدها كلها بدءا بكتيبة الأمن الرئاسي التي تعتبر القوة الضاربة والتي زرع فيها عناصره حيث تم نزع سلاحها وتغيير قيادتها، وانتهاء بتراجع الشخصيات السياسية التي أدارت له الظهر علنا”.

وأضاف “الرئيس السابق بقي على الهامش شيئا ما، ولكن لديه القدرة على التشويش والإرباك ولا يخفى أن الرجل يمتلك ثروة مالية هائلة البعض يرى أنها أموال مشبوهة ويتهمه البعض بتجارة المخدرات، والارتباط بالجماعات الإرهابية التي تعتبر واجهة لتجارة المخدرات خاصة بعض المجموعات في الساحل الصحراوي؛ ومع ذلك يحاول اكتساح الساحة السياسية من خلال المدونين والشبكات الإعلامية التي كان يوجهها ويمولها مثل موقع (الرؤية) وغيره”.

وأكد “من الأسباب التي ستؤدي إلى عدم خروجه من المشهد السياسي أنه يمتلك ثروة مالية هائلة تشمل الكثير من الاستثمارات على المستوى الوطني، مع امتلاك العمارات والأسواق والمصارف حسبما يشاع، وله ثروة هائلة في الخارج أيضا”.

لكن الغريب، يقول الكاتب سيدي أحمد عليه، هو “أن الرئيس السابق لم يجد أرضية مناسبة لمخططه فقد انفضت من حوله الجماهير التي كانت قبل ثلاثة أشهر فقط، تلتف حوله وتحمل صوره وتصفق له، وتقسم بحياته”.

وأضاف “كان وضع الرئيس السابق مؤسفا، وكما قال ماو تسي تونغ كلما كان الصعود عاليا كلما كان السقوط شنيعا”.