بينما فضلت أحزاب المعارضة الموريتانية، التي أنهكتها أوضاعها الداخلية، مهادنة نظام الرئيس محمد الغزواني ومنحه وهو الجديد على الحكم فترة سماح لترتيب أموره، اختار الإسلاميون الموريتانيون الصف المتشدد في معارضته وفي الضغط عليه لإحداث التغيير الذي يسعى إليه الرئيس بطريقته المتباطئة، ويريده إسلاميو حزب التجمع تغييرا سريعا ماحيا لآثار النظام السابق.
وكان الدكتور محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح صريحا في انتقاده لأداء حكومة الرئيس الغزواني، حيث أكد في كلمة افتتح بها مجلس شورى الحزب أن “دورة المجلس تنعقد وقد انقضى ما يزيد على 10 بالمئة من مأمورية الرئيس الجديد دون أن يحصل تغيير جدي في المجالات التي تستدعي إصلاحا سريعا وما أكثرها، فقد زادت الأسعار مع بداية العام، ولم تعرف الرواتب أي زيادات فعلية، ولم يُطلع الرأي العام على جدية الحكومة في اتخاذ التدابير الاستباقية للتعاطي مع سنة الجفاف التي بدأنا ندخل مراحلها الأولى العسيرة على المنمين وعلى عموم المواطنين”.
وتابع: “ما تزال الحالة الأمنية في وضعها المتردي الذي حول حياة العديد من سكان المدن وخصوصا العاصمة نواكشوط إلى كوابيس، ولم يتم حتى الآن أي كشف فعلي ورسمي عن فساد العشرية (التي حكمها الرئيس السابق) ولا محاسبة الضالعين رغم صدور تقارير رسمية وانكشاف وثائق مثيرة حملت تهما لا يمكن الاستمرار في تجاهلها، ورغم تنويهنا بتشكيل لجنة للتحقيق على مستوى الجمعية الوطنية”.
يضيف الدكتور سيدي: “أما في الملفات السياسية، فقد اقتصر الأمر على اتصالات ولقاءات هي للعلاقات العامة أقرب منها لما سواها، لذلك ما تزال ملفات السياسة الجوهرية عالقة بما فيها من اختلالات وإشكالات: فلا حديث عن الشروع في تشاور جماعي حول مراجعة السجل الانتخابي وحل المشكلات المزمنة في الحالة المدنية مكينة الصلة بالاستقرار الاجتماعي وتدعيم نسيج الوحدة الوطنية، ولا حديث عن إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات التي مثّل الخرق الواضح لنصوص تشكيلها نقطة استفهام كبيرة ما تزال عالقة، وقل مثل ذلك عن السلطة العليا للإعلام والاستمرار في حرمان المعارضة من حصتها المنصوصة في الإعلام الرسمي، ولم ترخص الأحزاب والجمعيات التي كانت ممنوعة من ذلك ولم يرفع الحظر الإداري عن المراكز العلمية والجمعيات التي أغلقت بقرارات إدارية ظالمة، رغم تقديرنا لعدم التدخل للقضاء حين حكم بإبطال قرار إداري سابق، بل وظهرت مؤشرات سلبية على مستويات من التراجع في بعض المجالات كالمساس بالحريات الأساسية وتدوير المفسدين”.
وأضاف رئيس حزب التجمع: “لقد تعززت اتجاهات مقلقة نحو سياسة المحاور بتخندقات إقليمية تؤثر على موقف الحياد الإيجابي للبلاد، ودولية يخشى أن تعزز المساعي الطامحة إلى شراء الذمم والتموقع غير البريء في المؤسسات السيادية والمرافق الحساسة للبلد، والسعي الحثيث إلى ارتهان السيادة الوطنية لحسابات وأجندات خاطئة وخطيرة”.
وقال: “كذلك لم يتم الالتزام بالمواعيد القانونية المحددة للتشاور مع زعيم المعارضة الديمقراطية في تكريس لأسلوب سابق في التعاطي مع المؤسسات الجمهورية، كما لم يتم التصريح العلني بممتلكات الرئيس في مخالفة واضحة للقانون وتشجيع ضمني لاستمرار عدم الشفافية”.
وقال: “لقد حرصنا في قيادة الحزب على الانضباط بموقف حزبي قوامه تحمل مسؤولية زعامة المعارضة ورسم أفق لها بالتعاون مع الشركاء، مع إعطاء فرصة للرئيس والحكومة لاختبار نياتهم في بعض مجالات الإصلاح المعلنة، وهو ما دفعنا لتثمين بعض الخطوات التي رأيناها جديرة بذلك مثل الانفتاح، ولو بشكل محدود، على الطيف السياسي، واتخاذ بعض الخطوات المعبرة عن نيات إصلاحية في قطاعات حيوية أهمها القطاع الصحي”.
ويتابع: “إن تلك الخطوات ومستوى تقبلها منا ومن غيرنا من قوى المعارضة وفرت فرصة لإيجاد مناخ مناسب لإطلاق حوار وطني كنا وما زلنا نعتبره واجب الوقت لإخراج البلد من أزماته، ووضعه على السكة التي تسمح له باغتنام ما لديه من فرص وما يزخر به من ثروات وما يمتلك من مقومات نهضة، ولكن كل تلك الدعوات ظلت تقابل حتى الآن بتصامم وتجاهل، بل بتصريحات وتلميحات متكررة جوهرها الزهد في الحوار، وهو ما يوشك أن يفوت فرصا لانتقال توافقي تستحقه موريتانيا وتحتاج إليه”.
وفي نفس السياق جاء بيان مجلس شورى حزب التجمع، الهيئة التشريعية العليا للحزب، ليطالب الحكومة “باتخاذ إجراءات فعالة وسريعة للتخفيف من الظروف المعيشية الصعبة للمواطنين من خلال العمل على خفض الأسعار وزيادة الرواتب، وتوفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وأمن”.
وأكد مجلس شورى حزب التجمع أنه “لا يزال ينتظر من النظام خطوات أكثر جدية، فلا يكفي لتجاوز آثار العشرية الأخيرة بما تضمنته من استهداف المعارضة وإقصائها وتخوينها واختطاف البلد ونهب خيراته والعبث برموزه واستغلال مؤسساته، فلا يكفي لتجاوز ذلك الإرث مجرد وعود ببرامج وخطط ونيات حسنة رغم تثمين المجلس لذلك ولكل إصلاح لمصلحة الوطن والمواطن”.
وقد قوبلت انتقادات حزب التجمع بردود وانتقادات مضادة من أنصار الرئيس الغزواني، حيث أكد الإعلامي البارز عبد الله الفاغ مختار الداعم للرئيس الغزواني في تدوينة خاصة بالموضوع: “كنت أتوقع حملة قوية من حزب التجمع على سياسات الحكومة، مباشرة بعد زيارة ولد الغزواني لدولة الإمارات العربية المتحدة”.
وقال: “ما سيفت في عضد هذه الحملة كون ولد سيدي، رئيس حزب التجمع، لم يعط أي دليل على مؤشرات التراجع، ربما لأنه يحاول دائما أن يزاوج بين السياسة والصدق”، مضيفا: “ثم إن التسخين السياسي يحتاج جوا غير الذي نعيشه اليوم”.
وكان الغريب في هذا الجدل الذي أثارته انتقادات حزب التجمع لنظام الرئيس الغزواني، الموقف الذي عبر عنه القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور الرئيس السابق لهذا الحزب حيث كتب في تدوينة علق فيها على خطاب خلفه: “خطاب التأييس والعدمية ورؤية كل شيء بعين لا تقدر ولا تنصف تعتبر الحال كما كان في السوء أو أكثر، خطاب لا يصمد أمام أجواء الانفتاح وسياسات التواصل والإجراءات التي طالت مجالات مهمة والخطوات التي استهدفت المهمشين والأكثر احتياجا فضلا عن رمزيات مهمة ودالة”.
وقال: “من المسؤولية أن نرى الأمور كما هي بدون تهويل ولا تهوين، لا نضخم ولا نسفه، اقتصدوا في الأحكام وإياكم والمبالغة، والزموا الميزان العدل، وعن تقويم سياسة نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أتكلم”.
“القدس العربي”