حسم تشكيلة لجنة التحقيق البرلمانية في تسيير النظام السابق

11 فبراير, 2020 - 12:17

حسمت الفرق البرلمانية الموريتانية التشكيلة النهائية للجنة التحقيق البرلمانية التي ستباشر قريبا التدقيق في جوانب وملفات وصفقات غامضة من تسيير الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

وانتخب النائب احبيب ولد اجاه المقرب من الرئيس الغزواني رئيسا للجنة، بينما انتخب النائب الصوفي ولد الشيباني وهو من حزب التجمع المحسوب على الإخوان نائبا للرئيس، وانتخب النائب يحيى ولد أحمد الوقف رئيس الوزراء السابق مقررا، والنائب نيانغ ممادو سكرتيرا أولا، والنائب المعارض محمد الأمين ولد سيدي مولود سكرتيرا ثانيا.

وتضم اللجنة إضافة للمذكورين كلا من النواب المرابط بناهـي وكامارا علي گلاديو ولالة منت أمبارك عن حزب الاتحاد الحاكم، والنائب الدان ولد عثمان عن كتلة الأغلبية.

ويرأس اللجنة النائب احبيب ولد اجاه وهو محام وإداري مالي، وقد تولى الشؤون القانونية في حملة الرئيس الغزواني، كما تولى رئاسة فريق الحزب الحاكم في البرلمان بعد تولي الرئيس الغزواني للسلطة، خلفا للنائب محمد يحي ولد الخرشي المحسوب على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والذي أبعد عن هذا الموقع.

ويتوقع أن تناقش لجنة التحقيق البرلمانية خلال الأسبوع الجاري ميزانيتها وخطة عملها، لتبدأ نشاطها بعد ذلك وبعد الحصول على توضيحات من وزارة العدل حول الملفات التي ستحقق فيها وما إذا كان بعض هذه الملفات يخضع للتحقيق من طرف القضاء.

يشتعل في هذه الأثناء جدل حول ما إذا كان الرئيس السابق محصنا ضد المساءلة في قضايا التسيير

ويشتعل في هذه الأثناء جدل في شبكة التواصل وعلى مستوى المواقع الإخبارية حول ما إذا كان الرئيس السابق محصنا ضد المساءلة في قضايا التسيير، حيث ذهب البعض إلى أنه لا تمكن مساءلته إلا في قضايا تتعلق بالخيانة العظمى.

وأفتى سيدي محمد ولد محم الرئيس السابق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية وأحد أكبر مساعدي الرئيس السابق في هذا الجدل مؤكدا أن “أي تورط لرئيس الجمهورية في تضييع الأموال العمومية أو تهريبها أو تفويتها بشكل متعمد يعني إخلالا بواجباته الدستورية، ويشكل بالتالي خيانة عظمى موجبةً للمتابعة”.

وقال: “مفهوم الخيانة العظمى ارتبط تقليديا بأعمال التخابر مع العدو والتنازل عن السيادة وتسريب أسرار الدولة”، مشيرا إلى أن “تطور هذا المفهوم حديثا قد أخذ منحى جديدا مختلفا عن دلالاته التقليدية المعروفة”.

وأضاف: “تنص المادة 93 من الدستور الموريتاني كنظيراتها في الدساتير المستمدة من المنظومة الدستورية الفرنسية (الجمهورية الخامسة) على ما يلي:

“لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى.

لا يُتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني وبالأغلبية المطلقة لأعضائها، وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”.

وتابع ولد محم فتواه قائلا: “يعتبر البعض أن هذا النص يُشكل حصانة مطلقة لرئيس الجمهورية، لأن مفهوم الخيانة العظمى بمعناه التقليدي يعني في العادة أعمال التخابر مع العدو أو التنازل عن السيادة كليا أو جزئيا أو تسريب أسرار الدولة ونحو ذلك، وتستبعد مطلقا كل الأفعال والتصرفات المتعلقة بالتسيير الإداري والمالي للدولة.

ورغم أن مفهوم الخيانة العظمى ظل في نظر فقهاء القانون الدستوري من أكثر المفاهيم الدستورية إطلاقا وميوعة وحتى غموضا في بعض الأحيان، إلا أن تطور هذا المفهوم حديثا قد أخذ منحى جديدا مختلفا عن دلالاته التقليدية المعروفة، وبخاصة على مستوى الفقه الدستوري الفرنسي إذ أضحت الخيانة العظمى تعني “كل إخلال بالواجبات الدستورية لرئيس الجمهورية أيًا تَكن طبيعته”.

وقال: “يعني هذا أن أي تورط لرئيس الجمهورية أو حتى علمه أو سكوته على أعمال ولو ذات طابع تسييري صرف تَرتب عليها ثراء دون سبب أو تضييع أموال عمومية أو تهريبها أو تفويتها بشكل متعمد، يعني إخلالا بواجباته الدستورية، ويشكل بالتالي خيانة عظمى موجبةً للمتابعة”.

وستحقق اللجنة التي ينتظر الجميع نتائج عملها في تسيير العائدات النفطية والمعدنية، وفي إبرام الصفقات العمومية، وفي بيع العقار العمومي داخل العاصمة، كما ستنظر في صفقات التنازل عن تسيير الموانئ والمطارات، وفي العقود المبرمة في مجال الطاقة والصيد وفي ظروف تصفية عدد من الشركات العمومية العملاقة.

وتعتقد المعارضة الموريتانية أن جميع هذه القطاعات شهدت في عهد الرئيس السابق فسادا ونهبا غير مسبوق.

ويؤكد التوجه نحو التحقيق في فترة تسيير الرئيس السابق أن موريتانيا مقبلة على زلزال سياسي حقيقي: فبعد أن كانت المعارضة هي وحدها الجهة الداعية للنظر في مساءلة الرئيس السابق، انضم إليها نواب وقادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الأغلبية الحاكمة)، وهو ما يؤكد تحييد الرئيس الغزواني لسلفه الرئيس السابق.

وكان الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز قد أكد في مؤتمر صحافي عقده في ديسمبر الماضي أنه “ترك خزائن الدولة ملأى”، لكن رئيس الوزراء الحالي إسماعيل بده الشيخ سيديا فند ذلك في توضيحات أمام البرلمان يوم 31 يناير الماضي حيث أكد أمام النواب أن “حالة خزانة الدولة كارثية حيث كان رصيدها في يوم انصراف الرئيس السابق عن السلطة، مبلغ 26.4 مليار دولار يقابله تركة التزامات بمبلغ 200 مليار دولار”.

وفي نفس السياق وعن التحقيق في فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز المثيرة للجدل، كتب أحمد الشيخ رئيس تحرير صحيفة “القلم” منتقداً التركة التي خلفها، قائلاً: “ها هو يسلم إلى خلفه بلداً مستنزفاً: هدية مسممة، هل ذلك عن قصد؟ بلد مشلول بالكامل؛ فالاقتصاد محتضر، والنظام المصرفي يغرق، والدين الخارجي والداخلي هائل، والنسيج الاجتماعي ممزق، وإدارة يستطيع كل من هب ودب أن يدعي فيها ما يشاء، شريطة أن يكون متنفذاً جداً، وقضاء خاضعاً تماماً، ونظاماً لإبرام الصفقات على مقاس الطائفة وحدها، والتعليم والصحة في حالة موت سريري، وانعداماً كاملاً للأمن، والموارد السمكية في يد رجل واحد يوزع الحصص كما يحلو له، وقطاع معادن لا تستفيد منه إلا أقلية “كريمة النسب”، وزراعة لا تزال تلتهم المليارات، من أجل تحقيق نتيجة تكاد تساوي الصفر.. وعاصمة فاسدة تسود فيها الفوضى، حيث تم بيع المدارس، واحتلال الساحات العمومية، على رؤوس الأشهاد جهاراً ونهاراً، ونهبت الاحتياطيات العقارية، هل تريدون المزيد؟”.

وقال: “لا بد من وقت طويل وفضاء واسع لتنظيف أحد عشر عاماً من سوء الإدارة والنهب والإهمال؛ إنها تركة ثقيلة لدرجة أنه من المشروع أن نتساءل ما إذا كان البلد يمكن أن يتعافى منها من جديد”.