يشكو الصائغ الموريتاني الشيخ ولد خليل من انتشار الغش بعد اكتشاف الذهب السطحي في موريتانيا، الأمر الذي أدى إلى حالة من الفوضى في سوق الذهب المحلي الذي قام على أنقاض سوق "لمعلمين" (شريحة الصناع التقليديين)، إذ انتشر باعة الذهب من صغار المنقبين في السوق.
ويجرى غش الذهب في موريتانيا أثناء إعادة تصنيع القلائد والخواتم وغيرها من المصوغات، وتحديدا خلال مرحلة صهر الذهب إذ يتم إضافة الحديد للمعدن للتلاعب بمواصفاته، بحسب ما قاله ولد خليل الذي يمتلك محلا في سوق الذهب وسط نواكشوط لـ"العربي الجديد" وهو ما يؤكده الصائغ حبيب ولد ميلود الذي يعمل منذ 15 عاما في سوق الذهب المحلي، قائلا "تمر صناعة الذهب من قبل الصناع التقليديين بثلاث مراحل، أولها عملية "الذوبان" للمعدن الخام، ثم سكبه على مواد كيمائية لعزله وتصفيته قبل تهيئته في شكله النهائي وفق المقاسات التي يريدها الزبون"، مشيرا إلى أن تصفية المعدن تتم باستعمال مواد كيماوية، مثل الفوسفات والكبريت ومحلول السيانيد"، وهو ما يؤكده موسى ولد التلمودي رئيس نقابة الكرامة للصناعة التقليدية والحرف لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن صناعة الذهب تتم بطرق بدائية وتقليدية، وإن كانت الغرفة الوطنية للصناعة التقليدية والحرف والوزارة الوصية على القطاع لا تحسب صياغة الذهب ضمن قطاع ومنتوجات الصناعة التقليدية.
ويتم الكشف عن العيار الحقيقي للمصوغ بماء الأسيد، وكذلك ما يعرف لدى الصناع بـ"الحجر الأسود" والذي يتم حك المصوغات به عقب سكب ماء الأسيد عليها، لتذوب المكونات غير الذهبية، لكن هذه الطريقه لا يمكن لأحد القيام بها غير الصائغين بحسب ولد التلمودي.
ويرجع محمد الأمين ولد وافي نائب رئيس غرفة الصناعة التقليدية والحرف الحكومية سبب عدم تطور سوق الصناع التقليديين إلى "غياب المستثمرين وضعف القدرات المالية لدى هؤلاء الصناع وهو ما يفسر بدائل الوسائل وعدم توثيق المعاملات بينهم وبين المشترين، معترفا في حديث لـ"العربي الجديد" بأن غرفة الصناعة التقليدية لا تسهم بشكل كاف في تطوير القطاع، نظرا لغياب الاهتمام، وسوء التسيير والنظرة الدونية التي جعلت هذا القطاع لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
استغلال جهل المشترين
تفضل الموريتانيات شراء الذهب المصنوع محليا، كون الصناعة المحلية التقليدية أرخص، وتستجيب لأذواقهن في صياغة القلائد والخواتم والأساور وفق المقاسات والأحجام والعيارات المطلوبة من الزبون بحسب ولد ميلود، والذي لفت إلى أن بعض الصائغين الجدد هم من يخدعون الراغبات في الشراء ممن لا يأخذن احتياطهن عبر الحصول على فاتورة فيها رقم العيار وبيانات البائع، "أما الصناع التقليديون المهرة، فلا يزورون الذهب لأن الكشف عن تزويره بسيط وسيخسرون سمعتهم وثقة الناس"، مؤكدا إمكانية كشف التزوير من خلال طرق مختلفة أهمها وأكثرها استخداما، وضع قطعة الذهب على مواد كيماوية تقوم بعزل الذهب وتصفيته عن غيره من المعادن كما أن ملمس الذهب يختلف عن غيره بالنسبة لأهل الخبرة وأصحاب المهنة، لكن ولد خليل يقول إن تمييز الذهب عن غيره من المعادن سهل بالنسبة للصائغين الذين يمارسون المهنة لكنه صعب بالنسبة للمشترين والمشتريات، ومن بينهن الأربعينية تكبر بنت الداه التي اشترت قلادة قبل شهر لابنتها كشفت لها صديقتها أن عيارها ليس 24 قيراطا، فعادت بنت الداه إلى صاحب المحل الذي اشترت منه القلادة في سوق "لمعلمين"، فأنكر الصائغ أن تكون هذه القلادة هي تلك المباعة لها، حينها اقترح عليها بعض الحاضرين التأكد من مكونات القلادة عبر وضعها على مادة (الأسيد) الذي أذاب أغلب مكونات القلادة، ما عدا سلك ذهبي مدور، هو كل ما فيها من الذهب الخالص حسب ما وصفت لـ"العربي الجديد"، مسترسلة بالقول:" اشتريت القلادة بـ 300 ألف أوقية (ما يعادل 900 دولار أميركي) والصائغ نفى مسؤوليته عما حدث، وأمام تهديدي بتقديم شكاية إلى الشرطة تدخل أصحاب المحلات المجاورة، وعرضوا علي تسوية تقضي بدفع الصائغ مبلغ 100 ألف أوقية (ما يعادل 300 دولار)، وهي التسوية التي قبلت بها على مضض، لأني لا أملك وصل شراء ولا دليلا يدين الصائغ".
ويعترف رئيس نقابة الكرامة للصناعة التقليدية والحرف بأنهم سجلوا حالات من التزوير والغش مشددا على أنهم يتعاملون مع المتورطين فيها عبر كل الوسائل القانونية، لكنه يصر على أنها حالات محددة، والتعامل معها باعتبارها ظاهرة غرضه تشويه سمعة الصناع التقليديين قبل أن يعود مستطردا "سوق الذهب مفتوح ولا يخضع لأي رقابة أمنية، وكباقي الأسواق الحرة لا يمكن الجزم بمصداقية ونزاهة المنتوجات عموما، لكن أوكد أن حالات الغش والتحايل من طرف الصناع التقليديين حالات نادرة جدا".
الشراء بدون فاتورة
ينقسم الذهب المباع في موريتانيا إلى عيار 18 وعيار 21 و 24 قيراطاً والذي يسمّى "إبريكه" ولكل منهم سعره المحدد، بحسب موسى ولد التلمودي، والذي يرى أن "لا حاجة إلى فاتورة (وثيقة البيع)، لأن بائعي الذهب أغلبهم موثوقون ومعروفون بأمانتهم، كما أن البساطة التي تطغى على أكثر الموريتانيين عامل أساسي في عدم الشراء بفاتورة بحيث تتضمن جميع معلومات البائع وعنوان المحل ونوع البضاعة ومعياره ووزنه وثمنه"، وهو ما يؤكده الصائغ ولد خليل مشيرا إلى عدم حصول الزبائن على ما يوثق عملية شراء الذهب، لأن التعامل في سوق الذهب المحلي عرفي، ولا توجد سوى محلات قليلة يتوفر أصحابها على وسائل توثق المعاملات.
ويعتبر محمد الأمين ولد وافي أن الضرر الذي يحدث جراء عمليات الغش ضحيته الأولى هو الصانع التقليدي صاحب الورشة، لأنه قد يكون ضحية لذهب مزور، وعندما يحاول بيع البضاعة المشتراة سيقاد إلى الشرطة، سواء كان على علم بتزوير أو غش الذهب أم لا، وسيطلق عليه من الإشاعات ما يشوه صورته في السوق" كما يقول، مضيفا أنه وقف على تجربة بعض الدول التي تسجل علامة تجارية باسم الدولة عند الجهات المعنية لها خاتم خاص بالذهب، يوضع على كل ما هو مصنوع من الحلي والمجوهرات، بما يعني أن المنتح مضمون من الدولة، قائلا "هذه الطريقة مناسبة لحل هذه المشكلة".
مقترحات للحل
يحدد رئيس نقابة الكرامة للصناعة التقليدية والحرف أولويات نقابته بالدفاع عن حقوق الصناع التقليديين ما يقتضى إعادة صياغة قانون مدونة الصناعة التقليدية، وهي الإطار القانوني المنظم لقطاع الصناعة التقليدية، إذ إن هذه المدونة وراء مشاكل القطاع وبالتحديد في نقطة الجمع بين قطاع الصناعة التقليدية والحرف، قائلا "المطلب الرئيسي للصناع التقليديين اليوم هو الفصل بين قطاع الصناعة التقليدية التراثية والحرف المتشعبة التي تضم الخياطة والدباغة والحلاقة واللحامة وسواها، للتخلص من هذه الفوضى التي لم يسبق لها مثيل، مطالبا بإعادة هيكلة غرفة الصناعة التقليدية وذلك بفتح حملة انتساب لانتخاب مكتب جديد لغرفة الصناعة التقليدية الحكومية والاتحاديات الجهوية وتفعيل دور الغرفة المنوط بها في حفظ حقوق العاملين وتطوير أدائهم لمواجهة أي محاولات لغش الذهب أو التلاعب في مكوناته".
" العربي الجديد"