آدم مولود... الموريتاني الذي قرر أن يكون عارضاً للأزياء

3 فبراير, 2020 - 10:54

كنت أريد أن أظل مغموراً في موريتانيا لأن الشهرة في هذا المجال تجلب المتاعب، ولن تفيدني لا معنوياً ولا مادياً، وسلبياتها كثيرة". كان هذا ما أراده في البداية آدم مولود (27 عاماً)، الشاب الموريتاني، لكن قبل سنوات قليلة، ظهر اسمه كعارض أزياء مشارك في مسابقة عالمية، وهو ما أثار الجدل. 

واصل آدم العمل في هذا المجال برغم الانتقادات والمآخذ، وتحدث لرصيف22 عن قصته مع عالم الأزياء منذ البدايات وصولاً إلى رد فعل عائلته المحافظة والمجتمع الموريتاني الذي ينبذ الفن بصفة عامة، فكيف إذا كان عرض أزياء للرجال؟ 

البداية والمصادفات 

يحكي آدم بداية دخوله لهذا العالم، فيقول:"كنت كأي شاب يحب الاهتمام بمظهره وشكله، وزاد ذلك الاهتمام حين ذهبت للدراسة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مصر. هناك وجدت الناس يهتمون أكثر بشكلهم، ففتحت حساباً على إنستغرام وفيه كنت أضع صوري بشكل عفوي على الموقع. كان التفاعل مع صوري يزيد يومياً، وفي عمر 22 سنة، تواصل معي مصور طالباً مني أن أكون عارضاً في جلسة تصوير احترافية يريد فيها تقديم بعض الأفكار التي تدور في رأسه… كانت هذه بدايتي مع الموديلنغ (عرض الأزياء)".

يتابع آدم: "بعد نشر تلك الجلسة، بدأ الناس بالتواصل معي عبر الخاص، لسؤال إن كنت موديل (عارض) وإن كنت أحب أن أجرب. بداية، كنت أجيب بالرفض، فهذه كانت آخر فكرة تدور في ذهني ولم يكن عرض الأزياء ضمن هواياتي على عكس تقديم البرامج والنشرات أو التمثيل مثلاً، كما لم أعتقد أنني أمتلك مقوماته".

يواصل آدم سرد حكايته: "كنت أدرس في الإسكندرية وأشعر بضغط كبير نتيجة صعوبة الدراسة وعدم القدرة على العمل الذي كان معظمه في القاهرة، حين تواصل معي شخص من شركة دعاية في القاهرة، وقال إنني لن أخسر شيئاً إذا ذهبت وقدمت لديهم، مطمئناً إياي بأن لي حرية الاختيار إن أعجبني العمل أم لم يعجبني". 

 يضيف: "المهم ذهبت للقاهرة وخضعت للتجربة وقد وقع اختيارهم علي، وفي انتظار بعض الأوراق المتعلقة بالعمل مع الشركة، أتى شخص من شركة كبيرة وقال لهم من دون مقدمات: أنا أريد ذلك الأسمر، وكان ذلك أول تصوير لي ضمن عمل احترافي بمقابل مادي… بعد ذلك قلت لنفسي إنني لن أخسر شيئاً، فالفكرة جميلة، حيث سأرتدي ثياباً جميلة ويتم تصويري باحترافية وأتقاضى بدل ذلك أجراً دون تعب، إذ كانت فكرة ساعة من العمل تدر عليّ دخلاً دون جهد كبير مغرية جداً. ثم اعتبرت أن الأمر قد يساعدني في دراستي، فبدل أن أظل معتمداً على ما يرسل لي أهلي من مال، وخاصة أنني أدرس في جامعة خاصة، سيكون لي مصدر دخل مساعد".

ويردف آدم قائلاً: "قررت خوض التجربة دون أن أخبر أحداً. كنت أريد أن تظل سراً بعيداً عن أهلي... طبعاً هم معتادون رؤية صوري على إنستغرام وفيسبوك لكن لا يمكن أن يعلموا أن للأمر علاقة بعرض الأزياء".

بنت الجيران كشفت الأمر

برغم محاولات آدم أن يظل خارج الأضواء، وصلت أصداء عمله في عرض الأزياء لأهله وللموريتانيين. 

يقول: "برغم كل محاولاتي إخفاء الأمر فقد شاع عملي، حين شاركت في مسابقة خاصة بعارضي الأزياء من تنظيم شركة modelmanagement وهي شركة أمريكية لها فروع في كل أنحاء العالم. كان من المفترض أن أكثر عشرين مشاركاً يحصلون على التصويت عبر الإنترنت يذهبون لحفل ضخم في برشلونة، وقد جئت أنا في المرتبة 21، لكن هذه المسابقة شهرتني وأحدثت ضجة، فقبلها كانت دائرة الناس التي تعرفني مقتصرة على الإنستغرام وأغلبيتهم من الشرق الأوسط ولا يوجد بينهم موريتانيون، وإن كان هناك فهم قلة، لكن تلك الضجة نقلتني من ألف متابع على إنستغرام، إلى مئة ألف".

يشرح آدم: "أحسست ببعض الفزع لأن أهلي قد يعلمون بعدما تحولت إلى مصدر للجدل وأصبح كل شخص يقول رأيه فيّ، وهذا طبعاً متوقع، لأن الناس في موريتانيا لم يتعودوا مشاركة الرجال في مسابقات عارضي الأزياء، والمجتمع ذكوري لا يتفهم اهتمام الرجل بشكله ومظهره، وتسيطر على عقله الجمعي فكرة أن الرجل بكماله لا بجماله. ومن يهتم بشكله يعتبر ناقص الرجولة ومنبوذاً". 

"وصلتني تعليقات على ذلك النسق بالفعل"، يقول آدم معلقاً: "في الأول كان لدي شبه انهيار، لأن التعليقات كانت تأتيني من أناس لا معرفة لي بهم يتجرأون على إهانتي وشتمي، ويعبرون لي عن كرههم بدون سبب، لكن كان لدي صديق يساعدني بالدعم المعنوي ويقول لي لا بد أن تواصل. ودعمه أثر في كثيراً وساعدني". 

على إثر تلك التعليقات، قرر آدم أن يحاول إخفاء الأمر عن عائلته، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه.

"بنت جيراننا رأتني وأخبرت والدتي أنني أعمل في مجال عرض الأزياء. اتصلت بي والدتي وهي في حالة غضب. لم تكن منزعجة من عملي في المجال بقدر انزعاجها من إخفاء الأمر عنها، فبرّرت لها أنني كنت اتخذه هواية تدر علي دخلاً، ولم أكن أظن أحداً سيعلم به، وسألتها هل والدي منزعج، فقالت لي لا ليس منزعجاً، لكن لا تقم بأمر يؤلّب الناس عليك".

ارتاح آدم كثيراً لموقف والده وقال عن ذلك: "حين علمت أن والدي ليس غاضباً، خاصة أنه رجل متدين ومحافظ جدا ً، ارتحت كثيراً"، مضيفاً "أهلي ليسوا منفتحين لكن يقتنعون بالحوار وطبعاً تزعجهم بعض صوري التي قد تكون جريئة". 

بعد الضجة، حاول آدم أن يتوقف قليلاً عن العمل وأن ينتبه للدراسة بعدما شعر أنه أهملها كثيراً، برغم تأكيده أنه استمر بالنجاح فيها بتفوق. 

ويضيف: "مع الوقت زاد عدد المتابعين وتحديداً الموريتانيين منهم، وبات لدي اليوم 700 ألف متابع على إنستغرام… هكذا ازداد اهتمام الإعلام بي وتدفقت العروض، لكنني بقيت أنظر للأمر على أنه مجرد هواية تدر دخلاً، فأنا أدرس الهندسة وأريد المواصلة فيها وفعلاً تخرجت من الكلية".

مع ذلك، تطورت الهواية التي باتت تمنحه تقديراً في الكلية وخارجها وعرّفته على شخصيات ونجوم لم يكن يتوقع لقاءهم وتحولهم لأصدقاء حسب قوله، من هنا "لم يعد الأمر مجرد استفادة مادية بل صاحبه تقدير معنوي". 

ويقول: "تطور الأمر معي حين وجدتني مستفيداً من وضعي كمؤثر (إنفلونسر)، إذ أصدرت شركة عرض أزياء شهيرة مقالاً اختارت فيه أكثر  ثمانية عارضين من الشركة تأثيراً على إنستغرام عبر العالم، وكنت أنا العربي الوحيد بينهم… بعدها أصبحت الشركات تطلب مني القيام بدعايات لها عبر حسابي".  

وسط كل هذا التطور في العمل والشهرة المتزايدة، ظل آدم يحاول ألا يكون مشهوراً في موريتانيا. ويتحدث عن السبب قائلاً: "كنت أريد أن أظل مغموراً في موريتانيا خاصة أنني من عائلة معروفة بمحافظتها… وفعلاً اتبعت استراتيجية لذلك، وهي التركيز على إنستغرام والخروج من فيسبوك لينساني الموريتانيون". 

يُذكر أن جنسية آدم الموريتانية ساعدته كثيراً في مجال عرض الأزياء، إذ يقول: "شاركت مرة في أحد الاختبارات ولم أكن أظن أنه سيتم اختياري، وعندما حصل واختاروني سألت المشرفة عن السبب فقالت إن لدي شكلاً مميزاً هو مزيج بين العربي والأفريقي، وأنفع للكثير من الوضعيات إذ  أصلح للشكل الخليجي والهندي والأفريقي نتيجتي سمرتي المميزة". 

ويعلق: "كوني موريتانياً ذا شكل مميز، جعلني منتجاً جديداً على العين".

المواصلة رغم النقد والشتم

لم يتوقف نقد الموريتانيين لآدم، إذ كان يشتد ويخفت حسب الظروف، مع ذلك قرر المواصلة. وهو سعيد اليوم بالرسائل التي تصله من شباب موريتانيين باتوا يتحمسون للعمل في مجال عرض الأزياء ويسألون عن كيفية الدخول إليه.  

"يجب علينا في موريتانيا أن نتوقف عن بعض التناقض والازدواجية، فنحن لا نحب عرض الأزياء ولكن لا يوجد محل خال من صورة عارض أجنبي، إذ نروج لمنتجاتنا بصور العارضين الأجانب"

وبرغم عودته إلى موريتانيا وعمله في مجال دراسته، يقول آدم إن عروض عمل في مجال عرض الأزياء تستمر بطرق بابه، لكنه يفضل حالياً التركيز على عالمه كإنفلونسر، "لأن لا حدود جغرافية له"، ويصف مكوثه في موريتانيا بـ"مجرد فترة انتقالية".

ويقول آدم: "يجب أن نتوقف عن بعض التناقض والازدواجية، فنحن لا نحب عرض الأزياء ولكن لا يوجد محل خال من صورة عارض أجنبي، إذ نروج لمنتجاتنا بصور العارضين الأجانب، فلماذا لا نتعامل مع عارضين محليين ونحن لدينا شباب يصلحون لتلك المهنة؟". 

 

ويرى أن التسويق يكون أكثر نجاحاً عبر العارض المحلي، لأن الأخير يشبه الناس، مردفاً: "لاحظت قيام بعض المحال بالترويج لمنتجاتها عبر عارضين محليين وهي خطوة جيدة ستفتح أفقاً للشباب، كما بدأت بعض العروض المحلية تصلني، وأنوي مستقبلاً تأسيس شركة معنية بالإنفلونسرز في موريتانيا".

القليل من الشجاعة لا يضر

بالنسبة لآدم، فإن ما ينقص المبدع الموريتاني هو الشجاعة، ويقول:"للكثير من الشباب مواهب ورغبات يكتمونها ولا يستطيعون إشهارها وممارستها خوفاً من الانتقاد، وبالتالي فهم يرضخون للضغط، لكن علينا أن نتجاوز كلام الناس لنقوم بما نحب ونريد، ولا بد أن نكسر هذا الحاجز، ولا بد أن يكون هناك من يبدأ وبالتأكيد سيتعرض للهجوم، لكن الزمن سيتكفل بتغيير الوضع".

من جهة ثانية، يوجه آدم بعض المطالب للحكومة قائلاً: "ما نحتاجه هو حماية حريتنا، وحماية الناس من التنمر بسبب حياتهم الخاصة وممارستهم لحقوقهم، وألا تكون الدولة عائقاً أمامنا، فنحن في النهاية نمارس حقنا في الحياة والتمتع بمواهبنا ونكسب المال من دون أن نكون عالة على أحد".

أحمد ولد جدو

الرصيف 22