عثرت أسرة من قومية الفلان على طفل مرمي قرب حائط مهجور في مقاطعة الميناء بالعاصمة نواكشوط، لم تتردد في أخذ الطفل إلى البيت، واعتبرته من تلك اللحظة ابنا لها، رغم اختلاف اللون الذي بدأ يظهر على الطفل كلما كبر.
ذلك الطفل ليس سوى مغني الراب راسين جا، المشهور الآن في أوساط الفلان بأغانيه ونشاطه الاجتماعي غير المألوف.
يبلغ من العمر اليوم ثلاثين عاما، لم يعرف خلالها من الأهل غير الأسرة التي عثرت عليه وهو رضيع.
يقول للجزيرة نت بكل حسرة "أنا لا أعرف ما إذا كان أبواي الحقيقيان حيين أم ميتين، كل ما أعرفه هذه الأسرة وهي أسرتي الحقيقية".
بسبب لونه القمحي المختلف عن لون الأسرة التي ربته تعرض لكثير من المضايقات في صغره، لكن راسين تخطى كل ذلك ولم يعد يؤثر عليه، بل قرر أن يعمل على مساعدة الأطفال اللقطاء في نواكشوط.
مأوى فاقدي السند
التجربة التي عاشها راسين جا جعلته يأخذ قرارا مهما هو تأسيس جمعية للتكفل بالأطفال الذين تتخلى عنهم عائلاتهم، وكذلك من توفيت أمهاتهم، لكن جهده ما يزال ضعيفا بسبب انعدام الدعم المادي.
ويضيف للجزيرة نت أن منظمته لم يتم الترخيص لها حتى الآن رغم متابعته لملفها عند الجهات المعنية، معتبرا أنه لا يعرف أي جمعية أخرى متخصصة في التكفل باللقطاء.
وبما أنه لا يمتلك مقرا ولا كادرا بشريا قادرا على التكفل بالأطفال الذي يتم العثور عليهم، اكتشف راسين جا طريقة مميزة فأصبح يبحث عن عائلات مستعدة لتربية طفل أو اثنين.
يقول للجزيرة نت إن بعض العائلات تقبل تربية بعض الأطفال سرا، في حين تختار عائلات أخذ أطفال دون وضع شروط، ويقوم هو وزملاؤه بتنظيم زيارات للأطفال ويتابعون أمورهم بشكل مباشر.
واقع مجتمعي خطير
لا يتم الحديث في الغالب عن ظاهرة رمي الأطفال في موريتانيا، وتعتبر من "التابوهات" في المجتمع، رغم أن راسين جا يؤكد بأنه في شهر واحد تم العثور على مئة طفل تخلت عنه عائلته.
يعتبر الباحث الاجتماعي الحسن البمباري أن هذا الرقم يوحي بواقع خطير، ويضيف في تصريح للجزيرة نت أن دراسة الظاهرة تغيب في موريتانيا، لأنها تعتبر في إطار المسكوت عنه، خاصة أن الموضوع يتعلق برمي الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج.
ويرجع الحسن البمباري سبب تخلي الأمهات عن الأطفال إلى سلطة المجتمع التي ترغم المرأة بالتخلي عن ابنها إذا كان خارج إطار الزواج خوفا من الفضيحة وكلام المجتمع الذي لا يتقبل هؤلاء الأطفال، خاصة في ظل غياب القدرة على الإجهاض.
ينظر راسين جا إلى هؤلاء الأطفال على أنهم ضحايا لا دخل لهم في أي شيء، ولا يجب التخلي عنهم بهذه البساطة.
يقول "أنا من هؤلاء الأطفال وأمرهم يهمني جدا، ويحز في نفسي أن أراهم يرمون في الشوارع ولا أستطيع مساعدتهم، لذلك قررت التحرك لأجلهم".
غياب الدولة
ليست هناك خطة عمل معلنة من طرف الدولة للاهتمام بالأطفال فاقدي السند الاجتماعي، وتؤكد المحامية والناشطة الحقوقية عيشة السالمة المصطفى أن هناك بعض المراكز التابعة للدولة لكنها لا تحتضن الأطفال بل تأخذهم وتعطيهم للعائلات المستعدة للتكفل بهم.
وتضيف المحامية للجزيرة نت أن القانون يجرم تخلي العائلات عن الأطفال، لكنه لم يذكر بصريح العبارة الذين يولدون خارج إطار الزواج.
وفي ظل رفض المجتمع لهؤلاء الأطفال وغياب دور الدولة والقانون، يخرج إلى الشارع شاب لا يعتريه خجل من كونه تخلت عنه أمه وهو رضيع، لكي يجعل من نفسه ملجأ لمن يعتبرهم جزءا منه، ليكون بذلك أول بارقة أمل في موريتانيا للأطفال فاقدي السند.
.المصدر : الجزيرة نت