في قصة "من شخص مثلك" للروائي الأميركي روالد داهل، يتسبب رجل في فوضى أدبية شاملة عندما يكون قادرا على بناء آلة عملاقة يمكنها كتابة رواية حائزة على جوائز أدبية في 15 دقيقة تقريبا.
وتنتهي القصة التي كتبت في بداية خمسينيات القرن الماضي بنبرة مخيفة، حيث يتم إجبار كتاب العالم على الاستغناء عن أسمائهم، ويصبح كل أمل الإبداع البشري محصورا في إنتاج الآلات الأدبي.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي يقطع أشواطا كبيرة هذه الأيام في تطوير تقنيات الاستكشاف والتعلم الذاتي، وعلى الرغم من أن الخوارزميات الجديدة ستكون قادرة على إنتاج نص متماسك في المدى القصير، فإنها ستعاني كثيرا للحفاظ على سرد طويل؛ ولا تزال كتابة رواية خطوة بعيدة جدا بالنسبة للآلة.
ويبدو أن الكلمة المكتوبة -بخلاف الفنون مثل الموسيقى والتصميم على سبيل المثال- تعتبر أكثر صعوبة بكثير بالنسبة للذكاء الاصطناعي لإظهار إمكانيته للإبداع الحقيقي، ويعود ذلك لأن معنى الجملة غالبا ما يعتمد على معرفة أكثر بكثير من مجرد معنى الكلمات، ويرتبط بالسياق والمعرفة السابقة والخلفية الإنسانية.
ولا يتوقع أن يبدع الذكاء الاصطناعي أدبا نصيا مكتوبا في الوقت الحالي، ويقول الخبراء إن الأمر سيكون مثيرا للاهتمام حقا إذا امتلك الذكاء الاصطناعي الوعي، أما دون ذلك فلن ينتج أدبا حقيقا، وإن كان يمكن أن ينجح في مهمة أخرى أقل إبداعية.
الذكاء الاصطناعي يفهم ويحلل شكسبير
قدم مشروع لشركة مايكروسوفت مجالا لاستخدام الذكاء الاصطناعي لفك رموز الكاتب البريطاني وليام شكسبير، وقد اعتبر المشروع بمثابة فكرة تقنية رائعة وتطورا مذهلا، لكنه أيضا بمثابة تذكير لنا في عصر الآلات بإنسانيتنا وبما يجعلنا بشرا على وجه التحديد.
وقد عرضت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية فكرة مشروع مايكروسوفت الذي يستخدم معالجة اللغة الطبيعية لرسم وتتبع العواطف والمشاعر في نص شكسبير.
وتم تصميم البرنامج لحث الأشخاص الذين يستطيعون فهم شكسبير بالفعل (على الأقل نوعا ما) على التفكير في أعماله بطرق جديدة، ولمساعدة الذين يواجهون مشكلة في فهم التعقيد في أعماله الأدبية.
لكن التقنية الجديدة أظهرت -عند تطبيقها على مسرحيات شكسبير- روميو عبر الرسوم البيانية الملونة وهو يشعر بفيض مشاعر أكبر من عشيقته جولييت، على الرغم من الصور النمطية السائدة من الرجولة التي تفترض غير ذلك، وتروي مسرحية "الملك لير" قصة تدهور مستمر.
وقد يكون هذا النظام بمثابة أداة تعليمية مفيدة، لكنه قد لا يثير دهشة المعجبين بالفعل بأعمال شكسبير، فهل يحتاج القراء حقا إلى خوارزمية لإخبارهم أن روميو هو الأحمق الذي تدور عيناه، أو أن الأمور تسير بشكل متذبذب بالنسبة إلى ماكبث حتى تبدأ في التدهور بشكل كبير؟ أليست جزءا من دراسة شكسبير اليوم أنها تظل غامرة وغامضة إلى أن تصبح مألوفة فجأة؟
قد تكون كل هذه الاعتراضات ثانوية بالنسبة لمخاوف أكبر وهي الاعتقاد بأن الحاسوب يمكنه قراءة شكسبير مثلنا تماما، مما يعني أنه يمكننا إخراج الإنسان من الأدب والإنسانيات، أي نزع الصفة البشرية عن عمل إبداعي وفني كان من صميم الجوهر الإنساني.
وهذا هو السبب في أن من المطمئن أن نعرف أنه بعد أن أصبح التعلم الآلي متطورا، فقدت اعتقدت أداة مايكروسوفت خطأ أن "كوميديا الأخطاء" كانت مأساة؛ ذلك لأن اللياقة في المسرحية تربكها.
وتواجه الخوارزميات صعوبة مثلا في التمييز بين الإغاظة الودية والسخرية القاسية، ومن شأن هذا الإرباك إعاقة فهم أي جهاز حاسوب أو نظام تحليل بالذكاء الاصطناعي للنصوص الروائية، إذ تظل السخرية مأزقا رقميا مستمرا.
ولا ينبغي أن يفاجأ أي شخص يتتبع معارك اليمين المتطرف في مواقع وسائل التواصل عندما لا تبذل شركات مواقع التواصل جهودا لإزالة هذا المحتوى العنصري؛ إذ يميل ناشطو اليمين المتطرف إلى إخفاء العنصرية داخل السخرية، مما يجعل من الصعب تتبعهم باستخدام أدوات التحليل النصي والتعديل التلقائي للمحتوى.
لكن في السياق نفسه، تشكل أوجه القصور في الخوارزمية الإلكترونية فائدة أحيانا في بلدان قمعية مثل الصين، إذ يلعب الناشطون نوعا من ألعاب الاختباء والتحايل مع السلطات بينما يخفون المعارضة مع اختلاف السياق الثقافي الذي يصعب على دولة المراقبة ملاحقته إلكترونيا.
إن موازنة الفوائد التي يمكن أن يجلبها الذكاء الصناعي (الإنساني) مع احتمالات سوء الاستخدام هي مهمة صعبة للغاية من الناحية العملية، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومن الناحية الإنسانية، يمكن أن يكون من الصعب ألا نأمل في أن يسير تيار التغيير التكنولوجي ببطء. فهذه المعاني الخفية والمجازات والعلاقات المحيرة وحتى التورية هي التي تجعل شكسبير شكسبير، وتجعلنا أيضا ما نحن عليه.
المصدر : الصحافة الأميركية