«أرقاء موريتانيا السابقون» يحيون ذكرى ميثاق استرداد الحقوق

30 أبريل, 2019 - 09:53

أحيت شريحة «الحراطين» (الأرقاء السابقون) في موريتانيا، أمس، الذكرى السادسة لصدور ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الشريحة المستعربة ذات الأصول الإفريقية، وذلك بمسيرة كبرى شاركت فيها القوميات الأخرى ومجموعات كبيرة من منتسبي وقادة أحزاب المعارضة.
ورفعت خلال مسيرة يوم أمس لافتات ورددت شعارات مطالبة «بإنصاف شريحة الحراطين التي تعاني من الرق وآثاره».
ودعا المشاركون في المسيرة التي جابت أمس شوارع العاصمة، شعارات دعت للقضاء على ما سموه «تهميش وإقصاء شريحة الحراطين»، مطالبين «بحصولها على حقوقها في التعليم وشغل الوظائف القيادية في الدولة وأجهزتها السيادية، وباعتماد سياسة تمكن الأرقاء السابقين من تجاوز «واقع الفقر والأمية».
وأكد منظمو المسيرة السنوية على ضرورة بذل أقصى الجهود لتتجاوز هذه الشريحة هذا الواقع المؤلم، وهو ما أكدوا أنه لن يتأتى «إلا في إطار مجهود شامل على درب المساواة والإنصاف المنطقي ووضع حد للإفلات من العقاب»، مبرزين «أن ذلك يتطلب جهداً جماعياً للحكومة والمجتمع وقادة الرأي».
وأرجع المتحدثون في مهرجان المسيرة «تخلف شريحة الحراطين لتخلف موريتانيا، مطالبين «بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للحراطين وفي مقدمتها التمييز الإيجابي في التعليم بتوفير المدارس وطواقمها التعليمية».
وطالب المتحدثون كذلك «بتكريس التمييز الإيجابي على المستوى الاقتصادي، مؤكدين أنهم لا يطالبون بالمستحيل، بل بتنفيذ برامج اقتصادية ذات طابع اجتماعي تقلص نسب البطالة وتشجع مدخول الفرد في هذه الشريحة الهشة، وتفعيل نظام القروض الصغيرة لإنشاء المقاولات الخاصة، وكذا تفعيل نماذج التعاونيات الزراعية الأهلية المشتركة مع تطوير الجانب التسويقي لمنتوج هذه التعاونيات ودعمه حتى يتحقق الأمن الغذائي الوطني».
واعتبر العيد ولد محمد العبد، النائب البرلماني ومنسق ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، «أن الميثاق شكل نقلة نوعية في تاريخ العمل على إنصاف هذه الشريحة»، داعياً إلى «تبني رؤية متكاملة للتعاطي مع هذا الملف الحقوقي بروح تبتعد عن رد الفعل غير المعقلن والتشنج وروح الانتقام».
وأضاف: «إن الواقع الاجتماعي المشحون بالشعور المتزايد بالغبن والإقصاء الممنهجين يشير بوضوح إلى انعدام الوعي والتبصر والبصيرة لدى القائمين على البلد بخطورة الوضع؛ كما يبرهن على إصرار الدولة الموريتانية الحديثة على المضي قدماً فـي ممارساتها الراسخة والرامية كلها إلى إبقاء جماهير الحراطين تحت وطأة الفقر والجهل والتهميش وحرمان هذه الشريحة من المشاركة الفاعلة في الحياة الوطنية».
وأكد العيد ولد العبد «أنه نتيجة للتصدعات والتشققات المتزايدة والمتلاحقة في أساسات الوطن ونسيجه الاجتماعي دون أن تلوح في الأفق أية بادرة لرأب الصدع، أو تجد صرخات الحق أذناً مصغية، دفع المجلس الوطني للميثاق إلى بذل الغالي والنفيس لردم الهوة ونزع فتائل التوتر».
وطالب رئيس الميثاق شريحة «الحراطين»، بعدم الانزلاق وراء من يسعون للتفرقة بينهم وشريحة «البيضان» (عرب موريتانيا).
وأكد محررو وثيقة الميثاق أن «شريحة الحراطين، المكونة الرئيسية للشعب الموريتاني لا تزال تواجه، أكثر من أي فئة عرقية أخرى، الظلم اليومي وانسداد الأفق وانعدام الفرص، فضلاً عن الممارسات الراسخة للدولة الموريتانية الحديثة والرامية إلى استغلالهم وتقزيم دورهم وإبقائهم في وضعية مهينة كمواطنين من الدرجة الثانية».
وشدد الميثاق على «لزوم إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاســم الحقيقي للسلطة والثروة بين كافة أبناء البلد، وهو مطلب بات يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى باعتباره السبيل الوحيد للخلاص من هذا الحيف المستديم الناتج عن تاريخ مرير ممتد على مدى قرون»، حسب تعبير الميثاق.
وأكد «أن ممارسة الاسترقاق ما تزال حقيقة ثابتة في موريتانيا ما بعد الاستعمار وحتى يومنا هذا، بالرغم من النفي الرسمي وشبه الرسمي للظاهرة، وعلى الرغم من صدور قانون تحريم العبودية سنة 1981، وبالرغم من موافقة الحكومة الموريتانية في سنة 2007، بشكل متخاذل وينقصه الصدق، على سن قانون يجرم الممارسات الاسترقاقية».
وتحدث الميثاق عن الجانب الديموغرافي، فأكد «أن الحراطين مع كونهم يمثلون ما يناهز 50 ٪ من مجموع سكان البلد، لا يزالون الفئة الأكثر تهميشاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً». وتوقف عند ما سمّاه «الغياب الملاحظ للحراطين من أسلاك التوظيف بالقطاعين العمومي وشبه العمومي نتيجة السياسات المعتمدة من طرف الدولة الموريتانية التي هي ريع خاص وحصري لعصابات الفساد المميزة من ناحية تكوينها الاجتماعي»، منتقداً «إقصاء الممثليات الدولية في موريتانيا هي الأخرى لأطر الحراطين، حيث لا تكاد توظف أي كادر أو حتى عامل بسيط من هذه الشريحة».
وقدم إحصائيات ومقارنات لواقع الحراطين في أجهزة الدولة، فأوضح أنه «على مستوى غرفتي البرلمان لا يوجد سوى أقل من عشرة برلمانيين حراطين من أصل 151 منتخباً على مستوى هاتين الغرفتين، فيما استقر متوسط «وزيرين» من الحراطين في الحكومات الموريتانية المتعاقبة خلال الثلاثين سنة الأخيرة».
وحسب الميثاق، فلم «يحصل الحراطين إلا على واحد من أصل 13 والياً، وما بين 1 إلى 2 رئيس بعثة دبلوماسية من أصل 35؛ وما بين 3 إلى 4 مديرين عامين لمؤسسات عمومية من أصل 140».واقترح «مباشرة تشاور وطني موسع، وفي أقرب الآجال، من أجل إنجاز عقد اجتماعي حقيقي مبني على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة على أسس ضمان الحرية لكافة المواطنين والمساواة الفعلية فيما بينهم».
وأكد الواقفون وراء الميثاق «أن هدفهم الوحيد هو تحقيق الحق والحقيقة لمفهوم المواطنة الحقة المبنية على إشاعة العدالة الاجتماعية وتجسيد الحرية والمساواة بين المواطنين وتشييد الوحدة الوطنية على أسس سليمة وراسخة، ناجعة ومستديمة، عملاً بمبدأ المصارحة قبل المصالحة».
وقد تعاملت الأنظمة الموريتانية المتعاقبة منذ استقلال موريتانيا عام 1960 وحتى اليوم، مع مشكلة الحراطين تعاملاً اقتصر على محو الرق بالنصوص القانونية وبالتعيينات في المناصب وبالسياسة والتهدئة، فبقيت آثار الظاهرة ماثلة، كما أن محدودية الوعي وحياة البداوة أبقت على جيوب استرقاقية وحالات استعباد في بعض المناطق داخل موريتانيا.
ومع أن مجموعات كبيرة من الحراطين تعترف بعروبة الحراطين وترى بأن مشكلة الحراطين مشكلة قابلة للحل عبر تحسين أوضاع المجموعة اقتصادياً واجتماعياً، فإن هناك عناصر تدعو للثورة وتحمل الجيل الحاضر، البريء من ممارسة الرق، المسؤولية عما اقترفه الأولون من استرقاق.
ويشتم كثيرون في طروحات حركة مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية «إيرا» التي تأسست قبل سنوات برئاسة النائب بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، نوعاً من التطرف ونوعاً من تعميم الأحكام ومؤاخذة الجيل الحاضر بما اقترفه الأسلاف.
وتتهم هذه الحركة من تسميهم «حكام البيضان»، بالصمت عن استمرار ممارسات الاستعباد وعدم محاكمة ومعاقبة الاسترقاقيين.
وينفى الرئيس الموريتاني وجود الرق في موريتانيا، حيث أكد مرات عدة «أن العبودية التي يتحدث الكثيرون عنها هي من صنع بعض المتاجرين بها الذين جعلوا من الرق رأس مال لتجارتهم، وفي الحقيقة وعلى مستوى الواقع لم يعد لهذه الظاهرة وجود في موريتانيا، حسب تأكيدات الرئيس، وحتى آثار الرق كالفقر والبؤس موجودة لكنها تعود لمسلكيات أصحابها أنفسهم».

" القدس العربي"