"ظامت".. لعبة الأمراء والنخب تتحدى الزمن في موريتانيا

29 أبريل, 2019 - 11:11

لعبة "ظامت" أو الشطرنج الرملي كما يسميها البعض لا تزال صامدة، رغم غياب التنظيم ومنافسة لعبة الشطرنج بأشكالها الجديدة

لعبة الهجوم والحكمة والذكاء

 لم يحُل تعاقب الأجيال دون تجمع رجال القبيلة والوجهاء في ساحات كبيرة بموريتانيا حول رقعة رملية تحاكي حربا بين مربي المواشي والمزارعين تعرف باسم “ظامت”، ينظر إليها لما تتطلبه من حنكة ومهارة على أنها لعبة الأمراء والنخبة والأذكياء.

لا تزال لعبة “ظامت” أو الشطرنج الرملي كما يسميها البعض صامدة، رغم غياب التنظيم ومنافسة لعبة الشطرنج بأشكالها الجديدة.

تمارس “ظامت” على الرمل، ويتنافس فيها شخصان، من خلال رسم جدول يضم عددا من المربعات، يتم وضع 40 عودا من الخشب، و40 بعرة من بعر الإبل في هذه المربعات ثم تبدأ المنافسة من خلال خطط وقوانين صارمة.

واللعبة الأكثر تعقيدا ونخبوية لدى المجتمع الموريتاني عبارة عن حرب متخيلة بين فريقين أحدهما يمثل المنمين (القائمين على تربية المواشي) والآخر يمثل المزارعين، وتحاكي خطط الجنود خلال الحرب وطرق التغلب على الخصم في المعركة، وتنتهي عندما يموت كل جنود الفيلق المنافس أو يتم حبسهم.

“ظامت” لعبة خاصة بالرجال، وتنتشر في جميع أنحاء موريتانيا، ويقال إنها مورست في فترات قديمة بعدد من الأقطار العربية، غير أنها استقرت في موريتانيا بشكلها الحالي وباتت لعبة موريتانية خالصة.

وللظامت جمهور واسع يشجع المتبارين ويحاول مساعدتهم بالآراء والخطط التي تخوّلهم الانتصار على منافسيهم، ولها أماكن ممارسة ثابتة في شوارع وأحياء العاصمة نواكشوط.

عند ساعات المساء الأولى، يتحلق رجال من كبار السن في وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط، إضافة إلى بعض الشباب، من محبي لعبة الظامت الشعبية بشكل يومي أين تحتدم المعارك والمراهنات.

يزخر التراث الموريتاني بالعديد من الألعاب الشعبية منها ما يخص الفتيات ومنها ما يقتصر على الرجال كلعبة "السيك" التي تعتبر إحدى أشهر الألعاب التقليدية الموريتانية والتي لا يزال لها تواجد ملحوظ، ولعبة "لا نكا بوري بوري بادجو"، ولعبة "أتحاجي"، لكن الموريتانيين يفتخرون بلعبة "الظامت" وهي اللعبة الأكثر شعبية يواظب عليها الكبار والصغار دون اعتبار للتفاوت الاجتماعي، فالكل يجتمع مساء للعب أو المشاهدة والتشجيع

ويوفر ميدان لعبة الظامت فرصة للقاء يومي بين الجيران إذ يتبادلون أخبار بعضهم من الحاضرين والسؤال عن أحوال الغائبين، وكثيرا ما يتحوّل الميدان إلى منتدى سياسي لنقاش ما يحدث في العالم والبلاد من مستجدات سياسية، وتدور النقاشات الأدبية حيث يتبادلون فيها وجهات النظر والآراء وقراءة القصائد.

يقول بداه ولد كوار، رئيس “الاتحادية الموريتانية لظامت” إن هذه اللعبة تعدّ خاصة بموريتانيا دون غيرها من البلدان العربية والأفريقية.

والاتحادية الموريتانية لظامت هي جمعية ذات طابع رياضي واجتماعي ترفيهي، تأسست عام 2015، وتعتبر الوحيدة المهتمة بهذه اللعبة في البلاد، وتضم 8 أندية تابعة لها، وينحدر المنتسبون إليها من كافة الولايات، ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة نواكشوط.

وأشار ولد كوار، أن هذه اللعبة من أبرز الألعاب التي يمارسها الرجال بموريتانيا منذ القدم ولا تزال تحافظ على مكانتها.

وأضاف، “هي لعبة مارسها طيلة الحقب الماضية الأمراء والقضاة ورجال النخبة وقادة المجتمع، ما جعلها لعبة القادة والمثقفين والأذكياء بالدرجة الأولى”.

وتظهر منشورات خاصة بـ”الاتحادية الموريتانية لظامت” أن هذه اللعبة مارسها العديد من الأمراء، من أبرزهم، أمير ولاية تكانت (وسط) عبدالرحمن ولد بكار (1882 / 1982). وتشير المنشورات إلى أن هذا الأمير، كان ذكيا وأديبا وأميرا مشهورا، وكان خبيرا بلعبة “ظامت” أيضا.

وكذا من أعلام “ظامت” البارزين، عالم الرياضيات الموريتاني المعروف يحيى ولد حامدون (1947 / 2011). وكان باحثا بمركز الأبحاث العلمية بفرنسا، أنتج وحده 100 بحث في مجال الرياضيات واعتبر مبدعا في لعبة الظامت.

بحسب بداه ولد كوار، فإن هذه اللعبة، لها قواعد صارمة، والفوز فيها يترتب على قتل 40 جنديا من جنود الخصم المفترضين، من خلال استخدام خطط ذكية. ومن قواعدها أن الجندي المفترض (يرمز له بعود أو بعرة) حين يصل إلى الخط الخلفي للخصم يصبح سلطانا ويسمى (ظايم) أي أنه يكون بمثابة الوزير في الشطرنج، ويكون باستطاعته التحرك في كل الاتجاهات تقريبا والفوز فيها من خلال القضاء التام على جنود الخصم.

هي لعبة تشجع الإقدام والشجاعة، لكن يجب أن تكون كل الخطوات محسوبة، لا يوجد مجال زمني محدد للعبة، يمتلك اللاعبان الحق في التفكير كما يشاءان، وكثيرا ما تكون المباراة طويلة جدا.

ولا يلعب اثنان فقط، كما تفترض اللعبة التي تشترط تباري لاعبين فقط، الجميع من المشجعين يدلي بآرائه في دعم أحد اللاعبين، وتعتبر لعبة الظامت ميدانا للكر والفر فيها سلطان وجيش، تماما مثل ما في الشطرنج، وإن لم تكن هناك التقسيمات الإدارية في اللعبة التي اكتشفها الهنود لحل مشاكل خلافاتهم على الأقاليم الصغيرة.

ويقول محمد محمود (لاعب محترف لظامت)، إن من بين قواعد اللعبة وقوانينها أيضا، عدم السماح للاعب بالتراجع عن أي خطوة اتخذها.

وباتت لعبة الظامت تواجه الكثير من التحديات، لعل أبرزها غياب أي إشراف حكومي لتنظيمها، وممارستها من غير المختصين في الشوارع والطرقات، ما يقلل من قيمتها، بحسب رئيس “الاتحادية الموريتانية لظامت”.

وأوضح ولد كوار أن هذه اللعبة تواجه أيضا تحديات أخرى تتمثل في غياب الدعم المادي، مطالبا السلطات باتخاذ قرار بدعم هذه اللعبة ورفعها إلى الهيئات العربية والدولية لاعتمادها كلعبة دولية “لأنها تستحق ذلك”.

ولفت إلى أنهم في الاتحادية قدّموا هذه اللعبة في بعض الدول العربية، خصوصا في لبنان والإمارات ونالت إعجاب الكثيرين “لما تحمله من رياضة ذهنية”.

من جهته، أكد أحمد محمد حبيب (لاعب محترف لظامت) أن هذه اللعبة تعدّ تراثا موريتانيا يجب المحافظة عليه. ودعا السلطات الموريتانية لبذل جهود لدعم هذه اللعبة والمحافظة عليها من الاندثار “باعتبارها تراثا موريتانيا عريقا”.

"صحيفة العرب"