السينما في موريتانيا وقصة سيارة العفاريت

28 أبريل, 2019 - 11:52

في الخمسينيات من القرن الماضي تلقّت عيون الشعب الموريتاني أول صورة سينمائية، وذلك عن طريق بعثات فرنسية رحالة كانت تحمل شاشات وتجوب بوادي موريتانيا لتنقل سحر الصورة إلى مجتمع بدوي. كان الموريتاني يسمّي هذا القادم الجديد "سيارة العفاريت". في ما بعد انطلقت رحلة السينما الوطنية.

سينما غير رحّالة لم يمضِ وقت طويل على تسيير "سيارات العفاريت" حتى ظهرت أول دار عرض سينمائية في موريتانيا. تم ذلك على يد المواطن الفرنسي "غوميز". ثم بعد فترة من الاستقلال، عام 1960، كسب هذا الفن اهتماماً محلياً وسياسياً. يقول المخرج والممثل سالم دندو، رئيس اتحاد السينمائيين الموريتانيين، لرصيف22: "بدأت السينما في موريتانيا بعد تأسيس الدولة الموريتانية واستقلالها، وكان ذلك في منتصف السبعينيات على يد الشاعر ورجل الأعمال والسينمائي همام أفال الذي نافس المستثمر الفرنسي "غوميز"، صاحب أول دار عرض سينمائية بمعايير دولية".

ويروي دندو أن "السيد همام افتتح، بإيعاز من السيدة الأولى آنذاك، مريم داداه، زوجة الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه أول رئيس لموريتانيا، أول قاعة سينما وطنية في قلب العاصمة الموريتانية نواكشوط". حملت القاعة اسم "المنى" وأخذت تستورد الأفلام العربية. وفي ما بعد، أسّس سينما "الجُوّاد" بالقرب من قاعة غوميز، وهذا ما أرغم الأخير على بيع قاعاته لهمام. صار همّام المستثمر الوحيد في القطاع، وبنى 9 قاعات في نواكشوط وحدها بالإضافة إلى بعض القاعات في الولايات الداخلية.

وعن الانتاج السينمائي، يقول دندو أن همّام "بدأ يفكر في الإنتاج السينمائي، فأنتج أفلاماً بالتعاقد مع مخرجين كمحمد ولد السالك العائد من ألمانيا". وكانت دفعات من الشباب الموريتانيين قد غادرت البلاد للدراسة في المعاهد الأوروبية.

في نهاية السبعينات، شهدت موريتانيا سلسلة انقلابات سياسية. عن تلك المرحلة يقول دندو أن تغييرات ثقافية رافقت الإنقلابات فـ"تراجع الاهتمام بالشأن الثقافي والفني وانحسر الدعم الرسمي لقطاع السينما ما دفع بالقائمين على القاعات للجوء إلى كل السبل من أجل تغطية التكاليف. بدأت عملية استيراد الأفلام الرخيصة من السوق السنغالية المجاورة، وهو ما جعل الجمهور يتراجع عن حبه للفن السابع بسبب ضحالة المستوى المقدم. وبدأت تعود إلى الأذهان السمعة السيئة التي كانت راسخة في ذهن المجتمع عن الفنون بصفة عامة والسينما بصفة خاصة. ثم مع بداية الثمانينيات ظهر التلفزيون الذي ساهم هو أيضاً في القضاء على دور العرض السينمائي".

مخرجون وأفلام تتميز السينما الموريتانية بأنها سينما تجارب ذاتية من دون دعم مؤسساتي. برغم ذلك، برزت مجموعة من المخرجين والأفلام التي تركت أثراً هاماً في السينما العالمية وغلبت على مواضيعها قصة المواطن المهاجر والحالم بالعودة إلى الوطن. ومن أبرز المخرجين:

محمد هندو هو شاب موريتاني هاجر بطريقة غير شرعية بحثاً عن فرصة عيش أفضل ووجد نفسه فجأة على خشبة المسرح الفرنسي. ثم، وبعد دراسته السينما، قرّر خوض غمار الفن السابع مخرجاً.

تمحورت مواضيع أفلامه حول قضايا الهجرة والعنصرية والتمييز وسكنته أزمات القارة الإفريقية. تركت أفلامه بصمة قوية في السينما الإفريقية. ومن أهم أفلامه "جولة في المنابع" (1967) الذي عالج إشكالية العودة إلى الوطن بعد سنوات الهجرة الطويلة و"أيتها الشمس" (1969)، وهو أشهر أفلامه، وقد عالج فيه قضية الرق والعبودية، وله أيضا أفلام أخرى مثل: "العرب والزنوج أو جيرانكم"، "وطني" (1998) و"فاطمه" (2004). انتهى المطاف بمحمد هندو إلى عيش بقية عمره في فرنسا وإلى تحوّله مدبلجاً لصوت الكوميدي الأمريكي إدي مورفي.

عبد الرحمن سيساقو ولد سيساقو في مدينة كيفة الموريتانية سنة 1961. درس السينما في الإتحاد السوفياتي ليبزغ نجمه منذ تخرجه. وبعد عرض فيلم تخرجه "اللعبة" (1989) في مهرجان كان السينمائي، أصبح أحد أبناء المهرجان المدللين وشارك فيه أكثر من مرة واختير، عام 2007، عضواً في لجنته التحكيمية. كذلك كُرّم في عدد من المهرجانات الدولية مثل مهرجان برلين السينمائي، ومهرجاني القاهرة ودبي.

أخرج سيساقو أفلاماً عدّة حجزت لنفسها مكاناً في الذاكرة الموريتانية. لعلّ أبرزها هو فيلم "في انتظار السعادة" (2002) الذي فاز بجائزة الجمهور في مهرجان كان والذي خطف الجائزة الأولى في مهرجان فيسباكو السينمائي (في عاصمة بوركينا فاسو) وفي مهرجان غادوغو وهو أحد أهم المهرجانات السينمائية في إفريقيا.

الفيلم المذكور هو سيرة ذاتية يعود عبرها المخرج إلى بداياته ويروي معاناته في التواصل مع محيطه. وللمخرج عدد من الأفلام السينمائية البارزة، أهمها: "أكتوبر" (1993)، "الجمل والعصا المترنحة" (1996)، "الحياة على الأرض" (2000)، وفيلم باماكو المثير للجدل والذي حاكم فيه صورياً البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وانتقد استغلالهما حاجة الدول الفقيرة إلى القروض.

ويعتبر آخر أفلامه "تمبكتو" إحدى أهم التجارب السينمائية الموريتانية الحديثة. يتحدث في هذا الفيلم، في قالب إنساني، عن حال سكان مدينة تمبكتو، في مالي، بعد سيطرة الجماعات المتطرفة عليها. نجح هذا الفيلم في الوصول إلى القائمة الطويلة للأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي.

مخرجون آخرون بالإضافة إلى هذين المخرجين، برزت أسماء موريتانية أخرى مثل سيدني سوخنا الذي فاز فيلمه "الجنسيات المهاجرة" (1975) بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان فيسباكو لسنة 1977. وحالياً، هناك مجموعة من المخرجين الشباب المهاجرين أو المقيمين في البلاد لا تزال تخوض محاولات للتميّز والنهوض بواقع السينما الموريتانية.

محاولات لخلق الأمل رغم أن موريتانيا أنجبت مخرجين ومبدعين في مجال الفن السابع، فما زال واقع السينما الموريتانية في الحضيض. لا يهتم الجمهور بالأعمال السينمائية. أدى هذا الواقع إلى اختفاء القاعات التي كانت موجودة في السبعينيات لتتحول العاصمة نواكشوط مدينةً خالية من دور العرض السينمائي.

وفي محاولة لبعث الروح في السينما، أسّس بعض الشباب الموريتانيين، على رأسهم المخرج عبد الرحمن أحمد سالم، دار السينمائيين الموريتانيين في العاصمة. منذ تأسيسها، عام 2002، أهّلت الدار المواهب الشابة في مجالات الكتابة والتصوير والمونتاج والإخراج. وقد أنتجت عدداً من الأفلام الروائية القصيرة والأفلام الوثائقية.

وقبل تسع سنوات، بدأت الدار بتنظيم مهرجان للسينما تحت اسم "الأسبوع الوطني للفيلم" ليتحوّل لاحقاً إلى "مهرجان نواكشوط للفيلم القصير" بهدف نشر الثقافة السينمائية وكمحاولة لخلق منصة تجمع السينمائيين الهواة بالمحترفين من أجل تبادل المعارف والخبرات.

يقول مدير الدار، المخرج محمد ولد أدومو، لرصيف22: "تحاول دار السينمائيين أن تبث الثقافة السينمائية في موريتانيا وأن تحارب العقليات القديمة التي كانت إلى وقت قريب ترفض الفن السابع وكل الفنون الجميلة، كما تسعى إلى تكوين جيل من السينمائيين الموريتانيين. لكننا نعاني من عدم الاهتمام الرسمي وعدم اهتمام القطاع الخاص".

أحمد ولد جدو

"رصيف 22"