دفعت الثلاثينية الموريتانية ليلى بنت أحمد، مبلغ 65 ألف أوقية (ما يوازي 182 دولاراً أميركياً)، إلى معلم في إحدى مدارس تعليم القيادة في نواكشوط، من أجل استخراج رخص سياقة لها من دون المرور بالقنوات الرسمية والإجراءات المتبعة التي تفرضها وزارة النقل والتجهيز الموريتانية، وهو ما يراه محمد المصطفى ولد محمد بلاله رئيس النقابة الوطنية لمدارس تعليم السياقة في موريتانيا مشكلة تعاني منها النقابة، بسبب السماسرة الكثر الذين يحصلون على المال من الراغبين في الحصول على رخص القيادة بواسطة طرق مخالفة، رغم دعوة النقابة أعضاءها إلى عدم التعاطي مع الساعين إلى تجاوز إجراءات الحصول على رخصة القيادة، كما يقول.
وتلزم وزارة النقل والتجهيز الموريتانية (المعنية بإصدار الرخص والرقابة على مدارس تعليم السياقة) طالبي رخص السياقة بإحضار إفادة تكوين "شهادة" في مجال تعليم السياقة موقعة من طرف إحدى مدارس تعليم السياقة البالغ عددها 40 مدرسة مرخص لها في البلاد فضلاً عن مكونات ملف الترشح لنيل رخصة سياقة من "فصيلة الدم، بطاقة تعريف، وصور شمسية" على أن تقدم المدرسة ملف المترشحين إلى لجنة الامتحان التي يترأسها مسؤول من وزارة التجهيز والنقل، وبعضوية عناصر من التجمع العام لأمن الطرق، لتحديد مدى كفاءة المتقدم للحصول على رخصة السياقة بعد تجاوزه الامتحان بشقيه النظري والتطبيقي بحسب تأكيد المدير العام المساعد للنقل البري بوزارة التجهيز والنقل محمد ولد إبراهيم لـ"العربي الجديد".
تجارة رخص السياقة
يقدم الراغب في الحصول على رخصة السياقة بالمال، أربع صور شخصية، وصورة من البطاقة التعريفية للسمسار، ويعمل السمسار بعد قبض الثمن، على استكمال الملفات في مدرسة تعليم للسياقة قبل أن يستخرج إفادة "تكوين" منها، ثم يتوجه إلى وزارة النقل والتجهيز، لاستخراج رخصة السياقة، دون أن يحضر طالب الرخصة لإجراء الامتحان بشقيه النظري والتطبيقي بحسب اعترافات ثلاثة سماسرة وثقها معد التحقيق ومن بينهم الأربعيني محمد سيدي ولد أماه الذي قال لـ"العربي الجديد": "نعمل على استخراج رخص للراغبين، من خلال علاقاتنا الخاصة، كي نستفيد من العائد المالي في ظل شح فرص العمل"، لكن المدير العام المساعد للنقل البري بوزارة التجهيز والنقل يقول إن وزارته تلتزم بالإجراءات القانونية، ولم يسبق لإدارة النقل أن تلقت أي شكوى عن حالة خرق لمنهج الحصول على رخصة السياقة من عام 2009 حتى عام 2018، وهو ما يتناقض مع ما وثقه معد التحقيق بالتسجيل الصوتي مع أربعة أشخاص حصلوا على رخصة السياقة عن طريق الشراء خلال الفترة من 2012 حتى عام 2018، ومنهم عبد الرحمن محمد الذي يستعد لنيل رخصة السياقة بعد دفعه مبلغ خمسين ألف أوقية (140 دولارا) لسماسرة سهلت له استخراج رخصة السياقة، وهو ما أكدته السمسارة في اتصال معد التحقيق في يوم الجمعة 25 مايو/أيار 2018 بعد أن ادعى رغبته في استخراج رخصة سياقة، فأبدت استعدادها لاستخراج الرخص مقابل دفع المبلغ نفسه.
وسجل معد التحقيق اعتراف العشريني السيد ولد محمد الأمين الذي حصل على رخصة القيادة في عام 2014 من خلال دفع مبلغ 60 ألف أوقية (168 دولارا) دون المرور بالإجراءات الرسمية لاستخراج رخص السياقة، قائلا لـ"العربي الجديد": "اخترت دفع المال لأن هذا الطريق هو الأسهل للحصول على رخصة القيادة"، وهو ما تكرر مع العشرينية فاطمة بنت محمد المختار التي اعترفت لمعد التحقيق بتسجيل صوتي أنها حصلت على رخصة السياقة في عام 2012، بواسطة صديق لديه معرفة بأحد السماسرة الذي وفر رخصة القيادة في مقابل دفعها مبلغ 70 ألف أوقية (200 دولار)، قائلة "كان عند التزامه وجاءني بالرخصة من دون إجراء أي امتحان".
ويرد المدير العام المساعد للنقل البري بوزارة التجهيز والنقل على ما وثقه معد التحقيق من اعترافات وخروق للطرق القانونية لاستخراج رخص السياقة قائلا: "العمل البشري ليس كله مثاليا، عشرة في المائة من الحوادث يمكن أن تعود لعدم تمكن السائقين، ما يبرز مشكل إصدار رخص القيادة بدون إجراء الامتحان اللازم، ويعد هذا من الأسباب التي جعلت الوزارة تنظم تفتيشا يستهدف مدارس تعليم السياقة كسبيل للحد من المخالفات التي ترتكب لإصدار رخص القيادة".
حوادث مرورية
في كل ساعة وست دقائق يقع حادث سير في موريتانيا وفي كل ثلاث ساعات يسقط جريح وفي كل 24 ساعة، ينتج عن هذه الحوادث حالة وفاة، بحسب إحصاء قدمه لـ"العربي الجديد" الناشط محمد الأمين الفاضل رئيس مبادرة "معاً للحد من حوادث السير" في نواكشوط والذي يرى أن شراء رخص السياقة، من ضمن الأسباب التي ساهمت في هذه الحصيلة الثقيلة من الحوادث.
وسجلت وزارة النقل الموريتانية وقوع 1061 حادث سير في البلاد خلال عام 2017 نتج عنها وفاة 142 قتيلا و119 جريحا، وفي عام 2016 سجلت الوزارة، وقوع 1976 حادث سير على الطرقات الموريتانية توفي على إثرها 184 شخصا وجرح 152 آخرين، بينما وقع 1676 حادث سير نتج عنها وفاة 174 شخصا وجرح 137 آخرين في عام 2015 بحسب ما أوضحه المدير العام المساعد للنقل البري بوزارة التجهيز والذي استدرك قائلا "محاضر الدرك الوطني والشرطة الموريتانية لدى إدارة النقل تفيد أن 81% من الحوادث المرورية حصلت مع متمكنين من أصحاب رخص قديمة صادرة قبل الثمانينيات، وهذا لا ينفي أن هناك سائقين غير متمكنين، وهو ما جعل الوزارة تسعى لوضع حد لأي فوضى محتملة وتعمل على تعزيز الإجراءات القانونية لنيل رخصة القيادة".
كيف يتم معرفة السائقين غير المؤهلين؟
يلجأ غير المؤهلين لسياقة السيارات ممن لم يحصلوا على التدريب المناسب، إلى شراء الرخص، بحسب الناشط محمد الأمين الفاضل، والذي قال "إن المراقب لحركة المرور في شوارع المدن الموريتانية، يلاحظ أن وجود سائقين لا يكترثون لإشارات المرور إطلاقا، ولا يتبعون أي تعليمات تتعلق بالسلامة المرورية، مما يعني أنهم لا يفقهون شيئاً في قانون السير، وهذا دليل على عدم المرور بالطرق القانونية عند استخراج رخص السياقة"، مضيفا أن السائقين الذين حصلوا على رخص السياقة عن طريق الشراء يشكلون ضغطا وازدحاما على الطرقات، لعدم امتلاكهم المهارات الكافية، وهو ما أيدته فيه الثلاثينية عائشة بنت عبد الله التي خسرت سيارتين في وسط نواكشوط، بعد تعرضها لحوادث مرورية، بسبب ضعف التزام السائقين بقوانين السير، "ما جعلها مضطرة للتركيز بشدة، إذ إن حركة المرور مربكة للسائقين كثيراً" كما قالت لـ"العربي الجديد"، وتابعت: "بدا لي أن من كانوا يصدمون سيارتي لا يفقهون شيئاً عن قانون المرور، وهو ما جعلني أتساءل كيف حصل هؤلاء على رخص السياقة"، مضيفة أن عناصر أمن الطرق لا يتعاطون بالمستوى الإيجابي مع المشاكل المرورية، الأمر الذي جعلها تفضل عدم ملاحقة من يصدمونها في التجمع العام لأمن الطرق، لأن ذلك لا يجدي نفعا، ولا ينتج عنه إلا ضياع الوقت، كما أضافت، غير أن الرقيب محمد المختار الذي يعمل رئيسا لفرقة تابعة للتجمع العام لأمن الطرق تعمل عند ملتقى طرق وسط العاصمة يؤكد أنهم يوقفون مرتكبي المخالفات المرورية، الذين يعاقبون بغرامات مالية تتراوح بين 6 آلاف أوقية، (حوالي 16.88 دولارا) و20 ألف أوقية (حوالي 56.26 دولارا)، قائلا لـ"العربي الجديد": "يتم توقيف أربعة أو ستة سائقين يوميا، عند مفترق الطريق الرابط بين قصر العدالة والمستشفى الوطني الكبير في نواكشوط الذي أعمل فيه، بسبب مخالفات تتعلق بعدم احترام إشارات المرور والتوقف وسط الطريق"، محذرا من أن عدم المرور بخطوات تعلم السياقة وقوانين المرور وامتحان وزارة النقل يعرض السائق لمشاكل مرورية، فضلا عن تسببه في كثير من حوادث السير.
عقوبات مشددة
تعاقب المادة 3 في الفصل الثاني "التجريم والعقاب" من قانون مكافحة الفساد رقم 014 /2016 الخاصة برشوة الموظفين العموميين الوطنيين بالسجن من 5 إلى 10 سنوات سجن، وبغرامة مالية من 500 ألف أوقية (1406دولارات) إلى مليون أوقية (2812 دولارا) الموظف العمومي الذي يلتمس أو يقبل بشكل مباشر أو غير مباشر منفعة غير مستحقة، سواء لصالحه، أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم ذلك الموظف بعمل، أو يمتنع عن عمل من أعمال وظيفته وكل شخص يعد موظفا عموميا بمنفعة غير مستحقة، أو يعرضها عليه، أو يمنحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء لصالح الموظف نفسه، أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم ذلك الموظف بعمل أو يمتنع عن عمل من أعمال وظيفته ويعتبر الشخص أو الكيان الذي يعمل الموظف العمومي لصالحه في الجريمة فاعلا أصليا، إلى جانب الموظف العمومي، أو مشاركا له، وهو ما يفسره المحامي محمد المامي ولد مولاي اعل صاحب مكتب خاص للاستشارات القانونية والتمثيل القضائي بأن قيام الموظف العمومي باستخراج رخصة سياقة مقابل مبلغ مالي سيجعل الموظف والمستفيد من الرخصة كلاهما تحت طائلة العقوبة المحددة في هذه المادة، متابعا لـ"العربي الجديد":" استخراج رخص السياقة بالشراء صنف من صنوف رشوة الموظفين العموميين، الخاضعة للقانون رقم014 / 2016 المتعلق بمكافحة الفساد"، مضيفا إن الكشف عن الموظفين الحكوميين الذين يتورطون في استخراج رخص السياقة بالطرق المخالفة لا يمكن أن يتم، إلا بتحقيق داخل الوزارة أو أن يعترف أحدهم وهذا أمر بعيد المنال بل شبه مستحيل.
ويؤكد المدير العام المساعد للنقل البري بوزارة التجهيز والنقل أن وزارته تقوم بتفتيش مدارس تعليم السياقة للتأكد من التزامها المسطرة القانونية لتقديم ملفات المترشحين لنيل رخص السياقة، مشيرا إلى أن وزارة التجهيز والنقل ألزمت كل مدرسة على توفير ما يلزم من معدات كـ"حجرات لتلقي الدروس النظرية وسيارات للدروس التطبيقية" مع وجود سيارتين ومعلمين مختصين في مجال السياقة، لضمان خضوع السائقين للتكوين قبل التقدم لإجراء امتحان الوزارة، غير أن رئيس النقابة الوطنية لمدارس تعليم السياقة في موريتانيا يؤكد أن جل المدارس الـ 40 التي تم الترخيص لها باتت غائبة، والموجود منها يقدر بحوالي عشرين مدرسة، لا تتوفر على المعدات الأساسية، مشيرا إلى أن المدارس تعاني أيضا من غياب دعم الدولة الذي يمكنه أن يضمن لها تحمل التكاليف، وهو ما يعد أحد أسباب تجارة رخص السياقة في موريتانيا.
نقلا عن العربي الجديد " بتصرف"