واصلت المعارضة الموريتانية المنتشية بالآمال التي تخلفها أحداث السودان والجزائر، واصلت ضغوطها على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز من أجل الاتفاق على آليات مشتركة لتنظيم انتخابات يونيو الرئاسية المنتظرة بطريقة ينبثق عنها “تناوب حقيقي يعكس إرادة الشعب وليس مجرد تبادل للسلطة بين جنرال وجنرال”.
وحشدت المعارضة أنصارها في ثلاث مظاهرات جابت وسط العاصمة ورددت شعارات مناهضة لحكم العسكر، ورافضة لمشاركتهم في الحياة السياسية.
وطالب المئات من أنصار المعارضة في شعارات رددوها ولافتات رفعوها بعدم تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة، والسهر على احترام الدستور.
وألح قادة المعارضة في مطالبة السلطات خلال مسيراتهم، بالبدء في اتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل تنظيم انتخابات رئاسية شفافة، مؤكدة “أن أبرز ذلك هو إعادة تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بالتساوي مع أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة، وهذه هي النقطة الخلافية الشائكة بين المعارضة والحكومة التي تتلكأ في القبول بإعادة تشكيل كامل بالتناصف لهذه اللجنة.
وعرضت الحكومة في وقت سابق على المعارضة إضافة عضوين جديدين منها للجنة الإشراف على الانتخابات قبل أن تعود يوم الأربعاء لتقترح إضافة أربعة أعضاء من المعارضة؛ وتؤكد مصادر المعارضة أنها قد تقبل بهذا العرض الأخير.
وأكد سيدي محمد ولد محم وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس “أن وزير الداخلية واللامركزية بتوجيهات رئاسية، يرعى النقاش بين أحزاب الأغلبية والمعارضة وألوان الطيف السياسي”.
وقال: “لم يتخذ هذا النقاش شكله النهائي ولا زال في مرحلة العرض والقبول والرفض”، مشيرا إلى “أن الأطراف تتجه إلى تغيير قانون اللجنة المستقلة للانتخابات بما يسمح بزيادة عدد أعضاء تسييرها”.
وقدمت المعارضة في بيان وزعته أمس مجموعة من الشروط التي تراها ضرورية لتهيئة أجواء مناسبة للعمليات الانتخابية التي ستبدأ آخر الشهر الجاري بتقديم المرشحين لملفات ترشحهم.
وأكدت المعارضة “أنه بعد عشر سنوات عجاف من الحكم الأحادي الاستبدادي الفاسد، ومع اقتراب لحظة تحول ديمقراطي انتظرها الموريتانيون كثيرا لتكون مستهل عهد يغاث فيه الناس حرية وعدلا ومساواة، يصر النظام على التمادي في تجاهل مطالب المعارضة الديمقراطية بتوفير الضمانات الضرورية لتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وهكذا تسخر وسائل الدولة ومعدات الجيش، وتعيينات الحكومة، ووسائل الاعلام العمومية ولجنة الانتخابات، وكل أجهزة الإدارة لخدمة مرشح واحد يقدم للناس خليفة وقائمقام وليس مترشحا لتنافس انتخابي تتوفر فيه شروط منافسة متساوية للجميع”.
وأضاف البيان: “إن التحالف الانتخابي للقوى الديمقراطية، استمرارا لنضال المعارضة الوطنية ضد الاستبداد، وسيرها الصبور على طريق الحرية، ووعيا باللحظة التاريخية التي تقول هنا وفي الاقليم والأمة والعالم إن عهد الأنظمة العسكرية الشمولية قد أفل، وأن زمن تملك الشعوب حريتها استوى على ساق من الوعي والفعل والتضحيات، وتصميما على أن تكون انتخابات 2019 موعدا لتناوب ديمقراطي حقيقي على السلطة كما هو نص وروح مواد التناوب المحصنة في الدستور، وليس موعدا شكليا لحفلة تسليم السلطة من جنرال لجنرال، اعتبارا لكل ما سبق، فإننا ونحن نخرج في هذه المسيرة الشعبية المظفرة اليوم، نفرض التوافق على منظومة إشراف شاملة على الانتخابات”.
وطالب البيان “بمراجعة تشكيلة اللجنة المستقلة للانتخابات، وتطبيق ما ينص عليه القانون من تمثيل متساو للقوى السياسية فيها، والتوقف عن التعيينات السياسية في مجلس الوزراء، واستدعاء مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات، وتمكين المراقبين المحليين من تحضير مراقبة فعلية للانتخابات”.
واشترطت المعارضة في بيانها ” تعيين مديرين جدد لمؤسسات الإعلام العمومي وفق معايير الكفاءة والحياد، بما يضمن أن تكون هذه المؤسسات، مؤسسات خدمة عمومية وليست أبواق دعاية للنظام”.
وشددت المعارضة على “وقف متابعة السياسيين والنقابيين والإعلاميين والمدونين، كما طالبت بإلغاء قرارات سحب الترخيص الجائرة، حسب تعبيرها، في حق مركز تكوين العلماء، ومنظمات “يدا بيد”، و”الإصلاح والخير”، ووقف مضايقة جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية”.
وطالبت المعارضة كذلك “بالكف عما سمته “سياسات وخطابات التفرقة والإساءة للوحدة الوطنية، وتطبيق سياسات عاجلة تنصف ضحايا العبودية والمهمشين من جميع المكونات الوطنية”.
وتؤكد هذه الشروط وهذه المواقف وما يطبع المشهد السياسي المحلي من توتر، أن الطريق نحو تنظيم انتخابات رئاسية توافقية في موريتانيا ما يزال غير سالك، حيث تسعى المعارضة لفرض انتخابات رئاسية مقبولة، بينما يرى الكثيرون أن السلطات تسعى لتنظيم عملية انتخابية مدسترة يخلف بعدها الجنرال محمد ولد الغزواني الرئيس محمد ولد عبد العزيز في حكم البلاد.
وتصطف إلى جانب السلطات في هذا المسعى القوى التقليدية والمؤسسة العسكرية ورجال الأعمال، بينما يصطف الكثيرون وبخاصة فئة الشباب المتذمر الطامح للتغيير الذي يتابع ما يجري في السودان والجزائر من ثورات تغيير للأنظمة.
ولا يستبعد المراقبون أن تنزلق هذه الانتخابات نحو مشهد آخر مجهول العاقبة، إذا واصلت السلطات أجندتها وتمكنت المعارضة من تسخين الشارع ضد ذلك.
القدس العربي