على مقربة من المربط (سوق المواشي في العاصمة الموريتانية نواكشوط)، يسوق الشاب صمب (30 عاماً) عربته الصغيرة، وعليها بعض البضائع، وينادي على المارة ليشتروا منه. منذ عامين، اختار هذا العمل للتغلب على البطالة والفقر، وهو مصرّ عى المتابعة من أجل تأمين لقمة العيش.
يقول صمب لـ"العربي الجديد": "قررت الكفاح من أجل العيش. اشتريت بعض السلع
كالبسكويت والشموع والسكاكين وعبوات المياه وغيرها. وبدأت العمل في المربط أو سوق المواشي الذي يرتاده مئات أصحاب المواشي والتجار. وبسبب بعد المحال التجارية الكبيرة عن السوق، كان هناك إقبال على بضاعتي".
يضيف صمب أنّه يستيقظ في الصباح الباكر ويغادر العريش حيث تقطن أسرته، وتحديداً في حي بوحديده. يستقل سيارة أجرة ويتوجه إلى سوق المواشي الذي يبعد كيلومترات عدة من مكان سكنه. ثم يضع المواد التي يحملها على عربة صغيرة في محيط المربط، ويبدأ يبيعها لرواد السوق، الذين يأتون من العاصمة والمدن والمحافظات بهدف بيع أو شراء المواشي.
يؤكد محمد عالي أن المربط يعدّ وجهة للعديد من المعطلين عن العمل والفقراء، من أجل شراء بعض المواشي وبيعها من جديد للحصول على قليل من الربح من جراء عمليات البيع والشراء المتكررة. يضيف محمد عالي لـ"العربي الجديد" أن كثرة رواد سوق المواشي يومياً شكلت فرصة ثمينة للباعة الذين ينتشرون في السوق، حاملين بضاعتهم على ظهورهم أو فوق عربات صغيرة.
كما أنهم يوفرون لرواد السوق ما يحتاجون إليه من مياه للشرب، أو مواد غذائية جاهزة. ويوضح محمد عالي، أحد رواد سوق المواشي شرق العاصمة نواكشوط، أنه يشتري يومياً من صغار الباعة المتجولين في السوق ما يحتاجه، مشيراً إلى أن في السوق باعة شاي، ونساء يعددن الشطائر، وأخريات يبعن الوجبات الغذائية. كما أن تجاراً آخرين يعملون على بيع مختلف حاجيات رواد السوق.
من جهته، يقول محمد سالم إنه يعمل بشكل يومي على تجهيز الشاي وبيعه لرواد سوق المواشي، وقد تمكّن من تأمين قوت عائلته الفقيرة من خلال مهنته التي يعمل فيها منذ أشهر عدة برفقة العديد من التجار الذين يرتادون السوق لبيع ما في حوزتهم. ويؤكد أن السوق أصبح وجهة للعديد من الشباب والنساء الذين أرغمهم الفقر والبطالة على البحث عن فرص عمل في ظل الواقع الصعب الذي يعيشونه، إضافة إلى عجز غالبية الشباب عن مزاولة بعض الأعمال الأخرى نتيجة نقص نسبة أصحاب الشهادات في ظل ارتفاع نسبة التسرب المدرسي.
يضيف محمد سالم لـ"العربي الجديد": "صار لديّ عمل يومي أجني منه بعض المال، من خلال بيع الشاي في سوق المربط". وفي المساء، يعود إلى عائلته حاملاً معه النقود، ما يوفّر لها احتياجاتها الأساسية. يضيف أن سوق المربط بات وجهة لعشرات المعطلين عن العمل، ومتنفساً للكثير من الفقراء الذين أصبحت لهم مهن يزاولونها، ويوفرون من خلالها لقمة العيش، بعد سنوات من المعاناة من البطالة والفقر.
من جهته، يؤكد محمد عالي أن المربط، وعلى الرغم من أنّه سوق لبيع وشراء المواشي، إلا أنه تحوّل إلى سوق يوفر فرص العمل لعشرات الشباب والنساء العاطلين من العمل، مطالباً الجهات الرسمية بتوفير فرص عمل للمتسربين من المدارس، ومشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من المواطنين الذين يعانون الفقر والبطالة ويحتاجون إلى فرص عمل يوفرون من خلالها لقمة العيش لعائلاتهم، في ظل استمرار البطالة والفقر على نطاق واسع في موريتانيا، من دون أي تحرّك للجهات الرسمية.
وتنتشر أسواق المواشي في العاصمة نواكشوط، إضافة إلى المحافظات والمدن الداخلية. وتساهم الأسواق الأسبوعية التي تنتشر بكثرة داخل موريتانيا، في تأمين فرص عمل للعديد من المعطلين عن العمل، والفقراء الذين يعانون الأمرّين من جراء البطالة، والذين لم تعرهم الحكومة أي اهتمام في ظل انتشار الفقر والبطالة في صفوف الموريتانيين.
ويرى العديد من حملة الشهادات من الشباب المعطلين عن العمل في موريتانيا، أن الجهات الرسمية لم توفر فرص عمل لهم في وقت تحتاج مؤسسات وشركات رسمية للأيدي العاملة. أما المعطّلون، الذين لم يتابعوا دراستهم، فهم مطالبون بالصبر وانتظار المجهول من الجهات الحكومية أو البحث عن أعمال حرة توفر لهم العيش كالعمل في أسواق المواشي، وممارسة بعض المهن الحرة الأخرى، في ظل عجز الحكومة عن توفير فرص عمل على المديين المتوسط والبعيد.