تخبّئ الصحارى الكثير. لكن صحراء موريتانيا تحديداً، تكشف عن بعض جمالياتها كشاهد على التاريخ والجغرافيا معاً، ودليل على تنوّع عمراني وثقافي، يتآلف فيه المشهد المترامي حيث حداثة البنيان وقدمه مع ما كانت الطبيعة قد تركته كدمغة في قلب الصحراء ليُسمى عينها، التي تُراقب المكان عن كثب.
مدينة وادان، التي تقع في شمال موريتانيا، وأُدرجت آثاراتها من قبل "اليونيسكو" على لائحة التراث العالمي، هي واحة للزمن، تستظل فيها الذاكرة التي تحفظ الكثير عن رحلات قوافل سلكت طريقها من الشمال الأفريقي للتوغل داخل القارة السمراء، وقبلها محطات من تاريخ من بنوها وعاشوا فيها منذ مئات السنين.
ما الذي يميّز وادان التي تعني وادي التمر وفي رواية أخرى وادي العلم؟.
هو ذاك التمايز بين المدينتين الجديدة والقديمة، أي الأبنية السكنية والإدارية التي تُشكّل مرافق حياتية للسكان، والقديمة التي تمثُل اليوم كعلامة فارقة في حاضر يجذب السيّاح من مختلف أنحاء العالم للوقوف أمام مرآة الماضي، من خلال التجوال ميدانياً وحضور الفعاليات الثقافية والتراثية.
سور الحكاية
أُسست وادان في العام 536 من التقويم الهجري على أعلى هضبة آدرار. وقد بناها في ذلك الحين، بحسب بيانات ويكيبيديا، كل من الحاج علي الصهناجي، الحاج يعقوب القرشي، الحاج عثمان الأنصاري وعبدالرحمن الصائم. وقد شيّد هؤلاء سوراً حول المدينة التي بُنيت على حافة جرف، وكانت بيوتها من الحجر الجيري وأبوابها من خشب السنط المتين. هذا السور الذي درج على تشييده لحماية التجمعات السكنية القديمة، بقيت منه بعد قرون من الزمن آثارات تروي حكايته، بينما يلعب ما تبقى من بيوتات المدينة الأثرية وقصور مؤسسيها، بعد أن التهمت الرمال المتحركة جزءاً منها، دوراً في إكمال عناصر القصّة.
واللافت في وادان هو هويّتها الثقافية، ليس تلك التي تتمتع بها بوصفها مكاناً تاريخياً فحسب، بل تلك التي تتشاركها مع شوارعها ومنها "شارع الأربعين عالماً"، ومكتباتها وما تحويه من كنوز الأدب والفكر والعلم، وبنيانها الذي شكل انعكاساً لصلابة أهل وادان كما في سالف الزمان كذلك الآن، ومتحفها الذي يحوي آثاراً من العصر الحجري الأول والثاني.. ومع أبنائها أيضاً، فالطبيعة الجافة في الصحراء القاحلة لم تمنع الأقدمين من الإنجاز الفكري وحفظ المنجزات والمخطوطات للأجيال اللاحقة. واليوم أيضاً، يُصرّ أبناء وادان على تلقّي العلم، وفي صور نُشرت على السوشال ميديا إشادة بإقبال أطفال المدينة على حفظ آيات من القرآن الكريم بالطريقة التقليدية أي بكتابتها على ألواح من جذوع الشجر.
قلب الريشات
يقبع التاريخ الغني لوادان فوق واحات غنّاء، وعلى مقربة من موقع طبيعي يظهر من الفضاء الخارجي على شكل عين بشرية، سُمي بـ"عين الصحراء"، وهو عبارة عن حفرة كبيرة يصل قطرها إلى خمس وثلاثين ميلاً (والبعض يقول خمسين)، تحتوي على دوائر ترسبية متوازية، تكبر تباعاً وتُظلّل بهالة زرقاء مبهرة.
ما يُقال في شأن "قلب الريشات"، أي التسمية المحلية للموقع والتي يشرحها محمد في تغريدة على تويتر "بمعنى جبل أي قلب بلهجتنا" ثم يُضيف عليها سلمان بتقديم مُسميّات أخرى للمكان "تكوين الريشات وحفرة الريشات"، اختلف حوله علماء الجيولوجيا. ففيما أرجعت دراسات هذه "العين" إلى نيزك ضرب المكان قبل ملايين السنين تاركاً بصمة مروره "من هنا"، رأى عُلماء كنديون أن هذه العين الجميلة ليست سوى بركان خامد، كان تفجّر قبل زمن بعيد تاركاً تلك الآثارات في عمق الصحراء.
من جانبهم، ينظر عدد كبير من الموريتانيين إلى "الحفرة الجيولوجية" على أنها مكان مميز ومتمايز عن محيطه، أعشابه علاجية، والإقامة فيه أو بالقرب منه فأل خير ومدرار نعم لما يحويه من كنوز.
" شبكة تايم لاين "