أم لطفل متوحد.. مبادرة موريتانية توحد النساء "لأجل أمثاله"

26 مارس, 2019 - 11:40

كانت مينة بانمو السيدة الأربعينية تتابع ابنها يكبر شيئا فشيئا أمام أعينها وبين إخوته إلى أن أصبح عمره سنتين ونصف السنة، ولاحظت أن لدى الطفل تصرفات وطباعا لم تعهدها عند الأطفال، فأيقنت بأنه مصاب بشيء ما.

عجزت مينة عن معرفة خطب الطفل، فقادها بحثها إلى زيارة من يعتبرون في موريتانيا من الصالحين، وإعطاء الهدايا لهم، ثم إلى المستشفيات في بلدها والمغرب وتونس.

كان الأطباء في كل مرة يفحصونه فيها يقولون إنه لا يوجد لديه أي مرض، في حين يؤكد من تقابلهم مينة من المجتمع أن الطفل ربما به مس من الجن.

أمام هذه الحالة وجدت مينة بانمو نفسها في مشكلة حقيقية وهي تنظر إلى فلذة كبدها يأخذ منعطفا جديدا، دون أن تقدر على صنع شيء له من أجل إرجاعه إلى طبيعته.

كان الأفق يضيق أمام الأم والوقت يمضي حتى أصبحت تشعر بالخجل من الخروج بالطفل إلى الناس بسبب عدم معرفتهم به، وجهل المجتمع بذلك.

منعطف جديد 
في رحلتها إلى تونس، عرفت أخيرا المرض الذي يعاني منه ابنها، حينها كانت لأول مرة تتعرف على مرض التوحد، وظنت لفترة أنها وحدها في تلك المشكلة.

تقول مينة بانمو للجزيرة نت "في البداية لم أكن أقدر على الحديث عن الموضوع للناس، إلا أنني تعرفت على نساء في تونس لديهن أبناء مصابون بالتوحد، وأصبحن صديقاتي".

أسست مينة مجموعة على الواتساب خاصة لأمهات الأطفال المتوحدين، يعبرن فيها عما لا يقدرن على قوله في الأسرة وللغير.

واعتبرت أن تلك المجموعة ساعدتهن على فهم المرض والتخلص من الشعور الذي كان ينتابهن، وبدأن يتأقلمن معه بسبب نقاشاتهن وتبادل تجاربهن.

تطورت مجموعة الواتساب إلى فكرة منظمة على أرض الواقع تهتم بأطفال التوحد، وتوعية الأمهات بالمرض، وكيفية التعامل مع المصابين به، وأطلق على المنظمة اسم "متوحدون لأجلهم".

تحرك من أجل المتوحدين 
تعتبر مينة بانمو أن حادثة اعتداء على ابنها في تونس بمركز للمتوحدين جعلها تقرر العودة إلى الوطن، وتحاول الوقوف مع صديقتها من أجل التخفيف عن الأسر التي تقول إنها تعاني بسبب نظرة المجتمع وبسبب الشعور بالعجز إزاء ما يحصل لأبنائها.

سجلت الجمعية 142 طفلا مصابا بالتوحد بين 3 و19 سنة، ومن أجل تكوين هؤلاء ومساعدتهم على التأقلم وتحسين قدراتهم في التواصل اعتمدت الجمعية برامج مع مختصين، وأنشأت غرفا خاصة في مقرها الرئيسي لهؤلاء.

إحدى السيدات في مقر الجمعية تحدثت للجزيرة نت عن مساعدة حقيقية تلقتها بعد إنشاء منظمة "متحدون لأجلهم".

وأشارت إلى أن لديها ابنا مصابا بالتوحد، ولم تكن تعرف أين تذهب به، وكان يمضي أغلب الوقت في البيت، والآن تأتي به إلى المنظمة، وقد ساعدتها في التعرف على المرض والتأقلم معه.

جهود حكومية ضعيفة
أسست الدولة الموريتانية مركز التكوين والترقية الاجتماعية للأطفال ذوي الإعاقة، وذلك لدعم الأطفال الصم والبكم والمصابين بالتوحد وغيرهم، وهو يقدم خدماته مجانا حسب القائمين عليه رغم أن الدولة لا تمتلك أرقاما محددة للمصابين بالتوحد في البلد.

زرنا مقر مركز الترقية العمومي، ورغم تأكيد المسؤولين فيه على أن عدد الأطفال المصابين بالتوحد المسجلين فيه يناهز السبعين فإن أغلبية الأطفال الذين وجدناهم هناك كانوا يعانون من إصابات مختلفة.

ويقول سيد محمد -وهو أحد المسؤولين في المركز- إنهم يدرسون مواد مختلفة لأطفال التوحد وغيرهم من أصعب الإعاقات، وذلك لأجل دمجهم في المجتمع، والحد من معاناتهم.

لكن رئيسة جمعية "متوحدون لأجلهم" مينة بانمو غير راضية عن خدمات المركز العمومي هي ورفيقتها، وتعتبر أنه يتعاقد مع معلمين وأساتذة وليس مختصين لديهم القدرة على التعامل مع أطفال التوحد.

وتطمح بانمو إلى أن تتمكن في المستقبل القريب من توسيع نشاطات جمعيتها، لتشمل تأسيس مراكز مختصة بالتوحد، معتبرة أن المجتمع لا يزال بحاجة إلى التوعية لكي يفهم التوحد.

وتضيف أن أطفال التوحد يعانون هم وأسرهم بصمت، لذلك جمعية "متوحدون لأجلهم" ستظل تتحرك حتى تصنع الفرق.

المصدر : الجزيرة