أمام مدرسة البنين 2 العريقة في نواكشوط، يجلس التلميذ الشيخ المامي (عشرون عاما) بعد انتهاء حصته الأولى، مع زملائه في الفصل، استعدادا للمغادرة لمنازلهم.
الشيخ المامي في السنة السادسة من التعليم الثانوي شعبة العلوم، وخرج من سور المدرسة، بسبب تغيب الأستاذ الذي كان من المفترض أن يدرسهم بين 12 حتى الثانية ظهرا.
يلخص الشيخ المامي هذا الوضع للجزيرة نت بأن ذلك هو المعتاد دائما، ويضيف "نأتي متحمسين للدراسة، لكننا دائما نعود أدراجنا دون تدريس، لأن الأساتذة يتغيبون".
ومن أجل وضع تعليمي أفضل، انتقل الشيخ المامي من مدرسة كان يدرس فيها في مقاطعة الميناء بنواكشوط، إلى ثانوية البنين 2، خاصة أن أمامه امتحان البكالوريا السنة القادمة، كما يقول.
يعبر الشيخ عن امتعاضه من واقع التعليم العمومي، ويقول للجزيرة نت إنه سجل في مرحلة معينة في مدرسة خصوصية، لكن حالة عائلته المادية لم تسمح له بالمواصلة.
مشكلات التعليم
يرجع كثيرون واقع التعليم العمومي إلى المعاناة التي يواجهها المعلمون في موريتانيا، والتي تتعلق أساسا بالرواتب والبنية التحتية للتعليم.
أمام هذه الوضعية، خرجت النقابة المستقلة للتعليم الثانوي الأربعاء من أجل التعبير عن رفضها الواقع الذي يعيشه الكادر التعليمي، ونظمت النقابة وقفة أمام وزارة التهذيب الوطني.
ونظم منتسبو النقابة وقفات في العاصمة والولايات، كما توقف الأساتذة عن التدريس ساعتين، كتحرك مبدئي، مهددين بتطور الحراك إذا لم تتحرك وزارة التهذيب لتلبية مطالب النقابة.
الأمين العام للنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي محمد أحمد ولد بيداه قال في تصريح للجزيرة نت إن الإضراب الجزئي للمعلمين والتظاهر أمام وزارة التهذيب الوطني، جاء لفرض حوار مع الوزارة من أجل نقاش العريضة التي تقدموا بها منذ بداية السنة.
وحسب الأمين العام للنقابة، فالأساتذة يطالبون بمستحقات موقوفة من 2014 حتى الآن، واسترجاع رواتبهم التي تم اقتطاعها بالخطأ، خلال السنتين الماضيتين، ويضيف ولد بيداه أن النقابة تطالب كذلك بتطبيق نظام أسلاك أساتذة التعليم الثانوي، بصيغته التي تم الاتفاق عليها عام 2012.
ولوح ولد بيداه باستمرار تحركات النقابة من أجل تلبية مطالب المعلمين، مؤكدا أن الخطوات القادمة سيكون الإضراب فيها أطول، والاحتجاج أشمل وأوسع.
تعليم ضعيف
واعترف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أكثر من مرة بضعف التعليم، وكان أعلن عام 2015 عاما للتعليم بامتياز، لكن ذلك لم يغير واقع التعليم وطاقمه حتى الآن، حسب عدد من المهتمين بالمجال.
محمد ولد رازكه، أستاذ تعليم ثانوي منذ ما يزيد على 12 سنة، لا يرى أن موريتانيا استطاعت النجاح في إصلاح التعليم، رغم المحاولات، ويرجع ذلك في حديثه للجزيرة نت إلى أن الدولة لا تضع الأشخاص المناسبين في أماكن صنع القرار.
ويصف محمد رازكه واقع التعليم بالمزري، "إذ تغيب عنه الرؤية الإصلاحية، والإرادة القوية التي تصاحبها البرامج الواضحة".
تصنيف دولي
هذا الواقع الذي يصفه الأستاذ محمد رازكه بالمزري، صنف من قبل تقارير دولية في ذيل الدول العربية من حيث الجودة؛ ففي السنة نفسها التي أعلنتها الدولة الموريتانية عاما للتعليم بامتياز، صنف مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس موريتانيا في المرتبة 12 عربيا لعامي 2015 و2016.
وجاءت موريتانيا في التصنيف بخلاف كل دول الجوار، مثل المغرب وتونس والجزائر، رغم الجهود التي تتحدث عنها الحكومة، المبذولة لتغيير واقع القطاع.
وفي ظل هذا الواقع، يأمل التلميذ الشيخ المامي -وهو يعود إلى منزله- استعدادا ليوم جديد أن يتغير الواقع سريعا، لكي يكون مستعدا لامتحان صعب سيواجهه العام القادم.
وبينما ليس في مقدور المامي تغيير هذا الواقع -كما يقول- تسعى نقابات التعليم إلى فرض ذلك، من خلال الضغط على الوزارة، عسى أن تستمع إليها سريعا.
المصدر : الجزيرة