
داخل مبنى "المتحف الوطني" تحفظ آثار يعود بعضها إلى عصور ما قبل التاريخ، وفي قاعاته الفسيحة ترتسم حكاية حضارة فاعلة بزغت على رمال هذه الأرض المتحركة، وقهرت العزلة بإشعاعها الثقافي وكنوزها الأثرية التي بقيت شاهداً على عظمة الأمة الموريتانية.
يُذَكِّرك بناؤه الفخم، بالمتاحف في أوروبا، لكن صالاته التي تتسع لتاريخ حضارات ممتدة وثقافات شعوب تلاقت بفعل التواصل والتفاعل، تختصر عليك الطريق لتعيش هذا التاريخ في لحظات معدودة.
إنه المتحف الوطني في قلب عاصمة موريتانيا، نواكشوط؛ فضاء ينبض بعبق التاريخ، وشاهد على حُلم أول رئيس للبلاد، وربما ليست صدفة أن يختار الرئيس الراحل، المختار ولد داداه، تدشين المتحف الوطني عام 1972 بالتزامن مع الذكرى 12 للإستقلال، لتكون مهمته الحفاظ على الموروث التاريخي و الثقافي و الإجتماعي لموريتانيا.
كانت هذه الخطوة السياسية، إشارة البدء للتأكيد على أهمية صون تاريخ وحضارة هذه البلاد، وجعل هذا الهدف أولوية في معركة بناء الدولة و استعادة سيادتها الوطنية.
تُبْرِزُ بعض القطع الأثرية والمقتنيات التي يحويها المتحف الوطني، اليوم، مراحل مختلفة من تاريخ موريتانيا (بلاد شنقيط) كما كانت تعرف سابقاً؛ حيث قامت حواضر بلغت شأواً كبيراً في الحضارة، من أهمها "كومبي صالح" عاصمة مملكة غانا القديمة التي تأسست في القرن الثالث الميلادي، ومدينة "أوداغوست" وهي البوابة التجارية لقوافل الصحراء الكبرى طيلة ستة قرون، و مدينة "أزوكي" الأثرية عاصمة دولة المرابطين التي كانت ملتقى للكثير من الحضارات والثقافات والمبادلات التجارية الجنوبية عبر القرون الوسطى، وذكر المؤرخ البكري أنها كانت تضم عشرين ألف نخلة في القرن الخامس الهجري.
وقد لا يمثل ما تم اكتشافه حتى الآن بحسب بعض العاملين في مجال المتاحف إلا جزءاً يسيراً من الكنوز التي مازال معظمها مطموراً تحت الأرض، لكن الثابت أن حضارات نشأت هنا، أكد المؤرخون، تأثرها بالعديد من الحضارات التي قامت في حوض النيل و البحر الأبيض المتوسط في فترات يعود بعضها إلى 146 عاما قبل الميلاد.
مهام المتحف الوطني
إلى جانب دوره كمرفق عمومي، يتولى المتحف الوطني وضع عناصر التراث الثقافي تحت تصرف الجمهور من خلال المعارض والمؤتمرات والندوات ونشر المجلات والمطويات والدعامات السمعية البصرية، وجمع وترميم وحفظ المقتنيات المتحفية وتثمين وتطوير التراث الثقافي، وتطوير الشراكة مع المؤسسات الدولية المختصة في مجال الأنشطة المشتركة.
و يضم المتحف الوطني ثلاث قاعات:
قاعة الأركولوجيا: تحتوي على مقتنيات متنوعة ومختلفة تعود في مجملها إلى عشرة آلاف سنة من الوجود البشري في المنطقة، وهي عبارة عن ديوان البشر و ما خلفوه من آثار ونقوش ـ بداية من العصر الحجري القديم مروراً بثقافة تيشيت وولاتة وشنقيط ووادان إلى الفن الصخري وصولاً إلى القرن العشرين.
قاعة الإثنوغرافيا: تتألف هذه المقتنيات من مختلف الوسائل والآلات التي كانت وما تزال تستخدم في الحياة اليومية البدوية والمدنية والتي يمكن من خلالها التعرف على مختلف المراحل التي مر بها سكان هذه البلاد، حيث تجمع بين مختلف ثقافات شرائح المجتمع.
وإلى جانب هذه المحتويات، هناك كم هائل من الصور التي تبلغ حوالي 3500 صورة، والتحف الفنية المرسومة من طرف فنانين تشكيليين موريتانيين وأجانب.
قاعة العرض المؤقت: وهي مخصصة لمختلف العروض و المحاضرات و الأنشطة المختلفة المؤقتة