تواجه الكثير من الشاشات العربية أزمة موسمية، تتكرر كل عام تقريباً، من دون البحث عن حلول لها، تتمثل في حالة الإفلاس لفترة تترواح من شهرين إلى ثلاثة بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. ويبدو أن الوجبة الدسمة التي تصل إلى حد التخمة من حيث المحتوي البرامجي المميز ذو التكلفة الانتاجية العالية، وكذلك الدراما التلفزيونية الحصرية، طوال الشهر الكريم، تؤدي إلى حالة من الخلل بالخريطة البرامجية لفترة ليست بالقليلة، وكأن القائمين على إدارة تلك المحطات، يلتقطون أنفاسهم بعد ماراثون شاق ومزدحم ومنافسة محتدمة لمدة 30 يوماً.
لكن ذلك لن يرُضي غرور المشاهد العربي، الذي يبحث عن عناصر جذب بشكل دائم من دون توقف، وهي الحالة التي ترجمتها السوشال ميديا، من خلال الكثير من الأراء التي اتفقت على أن الشاشات العربية تدور في دوامة الملل والتكرار بعد رمضان. وما زاد من حالة الضيق وعدم الرضا على أداء الشاشات العربية، انتهاء مبارايات كأس العالم، والتي كانت تحتل صدارة الأولويات لدى الجمهور من ناحية، وتغطي دون قصد على حالة الفراغ وعدم التجدد التي تعاني منها القنوات التليفزيونية من ناحية أخرى.
بدأت شبكة قنوات ON، في إعادة عدد من مسلسلات رمضان فور انتهائها، منها مسلسل "رسايل"، إلى جانب مسلسلات رمضان الناجحة خلال السنوات الماضية مثل ونوس وجبل الحلال. فيما لجأت مجموعة MBC مصر إلى إعادة برنامج اكتشاف المواهب THE VOICE KIDS، ومسلسل "طريقي" وغيره. كما قامت قنوات DMC، بإعادة عرض مسلسلي نسر الصعيد، وبالحجم العائلي، اللذين عرضتهما حصرياً في مصر خلال الشهر الكريم.
أما القنوات الرياضية، فلم يكن أمامها سوى إعادة عرض مبارايات قديمة، بسبب عدم حصولها على حقوق بث مبارايات كأس العالم؛ ما جعلها تلجأ لسد ساعات البث بأي مواد، مع تقديم عدد من البرامج المباشرة للتعليق على المونديال.
وما بين الإفلاس في المحتوي البرامجي، والإفلاس في الإمكانات المادية لبعض القنوات الأخرى، بعد انتهاء الشهر الكريم، الذي يتم خلاله رصد أضخم ميزانية لتوفير عناصر الجذب، وحسم المنافسة الشرسة، تزداد الفجوة وتتعمق الأزمة، ويختل الإيقاع.
وهو ما فسره الكاتب الصحافي مصطفى عبد العزيز، في تدوينة مطولة عبر صفحته في "فايسبوك"، قال فيها: "القنوات لا تتعلم الدرس، انفض مولد رمضان، فتكشفت حالة من العشوائية وعدم التخطيط، غالباً كل القنوات بلا استثناء فوجئت أن شهر رمضان انتهى، وبعده كأس العالم، لتظهر حالة من الارتباك، هناك من استسهل وبدأ على الفور في إعادة المحتوى الرمضاني البرامجي والدرامي بحذافيره، عملاً بمبدأ التكرار بيعلم الشطار، وهؤلاء أدار المشاهد ظهره لهم".
وتابع: "وهناك فريق آخر، لم يكن لديه أي ابتكار، فاختار نظرية التساهيل، أي يتم وضع الخريطة يوم بيوم، ممكن يعرض حلقة من مسلسل معين اليوم، وفي اليوم التالي بنفس الموعد يتم عرض حلقة من مسلسل مختلف تماماً، دون أدنى احترام للمشاهد الذي لا يكتفي بادارة ظهره لهم وحسب، وإنما السخرية منهم أيضاً".
ورد عليه الإعلامي أحمد خليفة، قائلاً: "الأزمة إمكانات مادية، وتخطيط على المستوى البعيد؛ فالقنوات تعاني من حالة إرهاق مادي كبير جداً بعد الانفاق بسفه على شراء المسلسلات والبرامج خلال رمضان، وكأن السنة تم اختزالها في 30 يوماً فقط، وهو ما يترجم وجود قصور في التخطيط بعيد المدي، فيما يخص الخريطة البرامجية".
ويشهد الإعلام المصري حركة تغيرات غير عادية، انعكست بحالة من الدهشة على المتابعين للمشهد الإعلامي؛ فبعض القنوات تم بيعها لملاك جدد، مع تغيير القائمين عليها، حتى أن الفترة الأخيرة ضربت رقماً قياسياً في تغيير إدارات المحطات التليفزيونية على خلفية اختلاف ملاكها؛ ما انعكس بحالة ارتباك وقلق لدي العاملين، يجعل اتخاذ أي قرارات تخص التطوير، قيد التجميد، انتظاراً لاستقرار الأمور، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الملل لدي المشاهد.
وهو ما عبرت عنه منصات التواصل الاجتماعي، فغرد وجدي، قائلاً: "بفكر جدياً أبيع الشاشة اللي عندي وفوقيها الرسيفر هدية، القنوات مملة جداً ومفيش أي ابتكار، مين شاري يا جماعة". وكتب منعم: "القنوات كلها ملل وإعادة ورغي وخواء من المعنى".
ودون سعيد عبر "فايسبوك": "سبحان مغير الأحوال، في رمضان كان المشاهد بصدد وجبة دسمة ومركزة، ما يلحق يلتقط أنفاسه من كثرة البرامج والمسلسلات الجديدة والحصرية، لكن بعد انتهاء شهر رمضان وكأس العالم، وقعت القنوات في فخ الفراغ والممل القاتل، حتى أنك قد لا تتحمل الجلوس أمام التليفزيون أكثر من خمس دقايق".
وغردت هويدا: "نصيحة للقنوات الخاصة، أنتوا تشتغلوا رمضان بس، وتقفلوا باقي السنة، علشان شكلكوا وحش جداً، وأنتوا مش لاقيين حاجة جديدة تعرضوها، وعمالين تعيدوا الحاجة عمال على بطال، لحد ما زهقتونا".