حين نتصفح التاريخ سنجد أن هناك نوعان من الشخصيات خلدها في صفحاته، إما أن تكون قدمت أعمالاً عظيمة تفيد البشرية فيخلدها في جانبها الإيجابي، أو أثرت بقوة في الجانب السلبي فيخلدها أيضاً.
فكما أن التاريخ قد خلد نيوتن، وأديسون، ونلسون مانديلا، وغيرهم ممن أضافوا إلى البشرية الكثير من رصيد عمل الخير والمعرفة والعلم غير ذلك، فإن التاريخ خلد أيضا نابليون، وهتلر، وستالن، وغيرهم من السفاحين والقتلة والمجرمين الذي دخلوا التاريخ، ولكن من أبواب الجريمة والعنف وتخريب حياة البشر.
ولكن هناك شخصيات لم ترد ولم تفكر أبدا أن تدخل التاريخ ولم يكن في بالها أن تعمل شيئاً من أجل ذلك، ومع ذلك فقد شاءت الأقدار أن تدخل هذه الشخصيات ويخلدها تاريخ البشرية وإن كانت بعضها بمثابة الأسطورة، لكن المقصود أن طبيعة الشخصية هامشية في فعلها، وأن الدور الذي تؤديه لا يؤلها في الأصل لتكسب كل هذا التركيز، لا في جانبه السلبي أو الإيجابي.
البسوس
البسوس، هي اسم خالة جساس، التي يقال إنها زارته ومعها ناقتها، فحدث أن ذهبت هذه الناقة ورعت في أراضي كليب، فرماها بسهم حتى اختلط لبنها مع دمها، فحرض هذا جساس ليذهب ويقتل كليب، ثم اندلعت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب التي استمرت أربعين عاماً، وسميت الحر بحرب البسوس.
وهنا يحدث أن تحولت هذه الشخصية الهامشية لينتسب كل شيء إليها، لم ترد ولم تفكر أن تأخذ هذه المكانة ليس في صفحات التاريخ فقط، ولكن في مناح مختلفة من الموروث والقصص والحكايات.
أبو رغال
تذكر الكثير من المصادر حكاية أبي رغال، وتتفق أغلبها على أنه هو الشخصية التي دلت أبرهة الحبشي على الطريق إلى مكة من أجل هدم الكعبة، ويقال إن العرب ترجم قبر أبي رغال حتى اللحظة بوصفه رمزا للخيانة. إن تخليد التاريخ هنا أيضا في جانبه السلبي، ولكن أبي رغال ذاته شخصية هامشية، وكان يؤدي دوراً هامشياً حينها.
الطالب الصربي غافريلو برينسيب
شخصية هامشية أخرى، مراهق صربي كان السبب المباشر في احتراق العالم في الحرب العالمية الأولى، ومقتل ما لا يقل عن 21 مليون إنسان، وانهيار دول، وذهاب الإمبراطورية العثمانية، وهزيمة ألمانيا، لقد دخل التاريخ من باب اغتياله ولي عهد النمسا الذي كان حينها في زيارة إلى سراييفو عاصمة البوسنة حالياً.
ماغنيس
كما أن هناك من الشخصيات الهامشية من دخل التاريخ وغير حياة البشرية أيضاً، فليس نيوتن وحده من استطاع باكتشافه الجاذبية أن يدخل التاريخ، فهناك راع غنم يعيش على هامش الحياة، ولكن كما تقول بعض المصادر، فإن ماغنيس هو الشخص الذي اكتشف المغنطيس، حيث لاحظ أن عصاه التي يقع في طرفها حديد، تنجذب إلى بعض الصخور، من هنا اكتشف وجود مغناطيس مسؤول عن هذا.
حنين
يقول المثل العربي، عاد بخفي حنين، ويطلق على من يعود خالي الوفاض دون إنجاز المطلوب. وأصل الحكاية أن حنين هذا تاجر أحذية في بغداد، أراد أن ينتقم من أعرابي أضاع منه وقته دون شراء خف، فذهب ووضع أحد لخفين في طريق الأعرابي، ووضع الثاني بعدها بمسافة، فلما رأى الأعرابي الخف، قال ما أشبه هذه بخف حنين لو كان لي الثانية، فرماها، وبعد ذلك وصل إلى الخف الثانية، فقرر العودة إلى الخف الآخر وترك ناقته، فأخذها حنين وغادر، فعاد الأعرابي إلى بيته يحمل خفي حنين بدون ناقة. وهنا نتبين كم أن الهامش يمكن أن يصبح جزءا من التاريخ.
" شبكة حياة اجتماعية"