الحياة صارت ثقيلة اليوم في موريتانيا، وتكثر ضغوطها وتتسارع وتيرتها. لذا يعمد كثيرون إلى الهرب من تلك الأجواء الثقيلة، أمّا وجهتهم فالصحراء التي تعيدهم إلى الحياة البدائية المتخففة من كلّ هموم يومياتهم.
يستغلّ أبيبو ورفاقه عطلة نهاية الأسبوع للحصول على قسط من الراحة، فيقصدون بقعة صحراوية هادئة خالية من السكان. بذلك يتنفسون الصعداء، وقد ابتعدوا عن ضجيج المدينة التي تمثّل عبئاً ثقيلاً على الموريتانيين بمعظمهم. وهؤلاء ينتهزون الفرص للعودة إلى أجواء البداوة التي يحنّون إليها، بين الحين والآخر.
يخبر أبيبو "العربي الجديد": "أشتري ورفاقي عدداً من الشياه ونحمل معنا مستلزمات الإقامة في الصحراء لعدد من الأيام"، مضيفاً أنّ "هدفنا هو العودة إلى البادية وهدوئها والابتعاد عن المدينة ومشاكلها التي تنغّص عيشنا". ويؤكد أبيبو أنّ "قضاء وقت خارج المدينة بالنسبة إليّ هو أمر مريح وجميل، وما يزيد من جماله هو أنّ رفاقي المقرّبين موجودون معي".
من جهته، يقول العباس ولد أحمد إنّ "الصحراء تمثّل لي ملاذاً كلّما أثقلتني هموم الحياة في المدينة. وأنا أعود إلى حياة البادية الجميلة مع رفاقي أو أفراد من أسرتي، لقضاء أيام تجعلنا نعود إلى حضن الصحراء التي تؤوينا وسط المناظر الخلابة". يضيف ولد أحمد لـ"العربي الجديد": "أحمل أمتعة كافية لقضاء بعض الوقت مع الأشخاص الذين أختارهم، وأتوجّه إلى تلك البقاع. وفي المساء، أحرص على القيام بجولات أمتّع في خلالها نظري بجمال السهول والتلال، وبالمساحات الخضراء حيث يجول الرعاة مع مواشيهم. هناك يتوفّر الكلأ". ويؤكد أنّ "تلك المشاهد تمنحني مزيداً من القدرة على العمل عند العودة إلى المدينة. وفي المدينة، سرعان ما أصاب مجدداً بالإرهاق والملل، فأتوق من جديد إلى العودة إلى الصحراء التي تنسيني مكدرات المدينة وهمومها، شأني شأن كثيرين غيري من الموريتانيين
ويوضح ولد أحمد أنّه "شهرياً أعود إلى الصحراء مع أفراد أسرتي، ونستمتع بالجلوس في ظلال الأشجار وبذبح شاة من الماعز أو الضأن. وإعداد وجبة اللحم المشوي تتطلب تحضيرات، منها جمع جذوع الأشجار اليابسة كحطب لتغذية النار. وبعد سلخ الشاة وتحوّل الحطب إلى جمر متّقد، تبدأ عمليّة الشيّ". ويلفت إلى أنّ "الموريتانيين يستلذّون بوجبة اللحم المشوي التي يفضّلونها على سواها من أطباق". ويتابع ولد أحمد أنّ "اللحم المشوي يتبعه مباشرة تناول الشاي الموريتاني المُعَدّ على الجمر، بينما يسرد الحاضرون قصصاً من الماضي والحاضر على حدّ سواء، ويستمتعون بأجواء الصحراء الهادئة وسط سعادة تغمر الجميع. الموريتانيون يتوقون دائماً إلى قضاء وقت خارج المدينة بعيداً عن أجوائها الثقيلة".
لا يختلف محمد الأمين ولد سالم عن مواطنيه، فهو كذلك يلجأ إلى الصحراء كلما ضاق ذرعاً بالمدينة وضجيجها. يقول لـ"العربي الجديد": "أصطحب رفاقي معي لنمضي بعض الوقت الهادئ، ونتناول لبن (حليب) الإبل واللحم المشوي، وهما من الأطباق التي يطيب استهلاكها في البادية. في الإمكان تحضيرهما في المدينة، لكنّهما بالتأكيد لن يكونا لذيذين كفاية. ففي عمق الصحراء، حيث نحاول العودة إلى الحياة التقليدية، يكون مذاقهما مميّزاً". ويؤكد ولد سالم: "ألجأ ورفاقي إلى الصحراء للترويح عن أنفسنا، بعيداً عن ساعات الدوام الطويلة التي تجعلنا نعاني"، شارحاً أنّ "بعضنا يعمل في مؤسسات حكومية وآخرين في المجال التجاري. لكنّنا نجتمع في نهاية الأسبوع لقضاء وقت ممتع في البادية، بعيداً عن هموم العمل". ويلفت ولد سالم إلى أنّ "سكان المناطق الصحراوية من البدو الرحّل، يعمدون إلى إحضار حليب الإبل والأغنام إلى كل من ترك المدينة وضجيجها، مفضلاً العودة إلى حياة البادية". يضيف أنّ "سكان الصحراء يتميّزون بكرم الضيافة المتأصل لدى الشناقطة (موريتانيون منحدرون من منطقة شنقيط شماليّ البلاد)".
والصحراء بالنسبة إلى الموريتانيين متنزّه شاسع، يقصدونه كلّما ضاقت بهم المدينة وشوارعها، وكلّما خنقهم العمل وضغوط الحياة اليومية. ويعود ارتباطهم بالصحراء إلى الطبيعة البدوية التي لطالما طبعتهم منذ القدم، وإلى تمسّكهم بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة عبر الأجيال. هم لا يعرفون راحة نفسية إلا في البادية، حتى لو كانت مدّة بقائهم فيها محدودة قصيرة. في سياق متصل، يعمد موريتانيون كثيرون إلى قضاء العطلة الصيفية، أو جزء منها، في البادية. يُذكر أنّ في تلك الفترة، تتساقط الأمطار فتغطّي الخضرة بقعاً كثيرة، بينما تكثر المياه في القيعان والأودية (الأنهر) المنتشرة في تلك المناطق، وهو ما يجذب الموريتانيين الذين يرغبون في الاستمتاع بحياة البادية في أيام الخريف.